شوف تشوف

الرأيالرئيسية

قصة مجلة اسمها «الكُمية»

هل نعرف ما يكفي عن قضية «الكَوم» المغاربة؟

الموضوع لا يزال يحمل الكثير من الأسرار غير المكشوفة، والسبب أننا لا نتوفر على الأرشيف الكافي للإحاطة بهذه القضية الشائكة وتداعياتها وما عاشه أجدادنا، سواء خلال الحربين العالميتين وهم يقاتلون إلى جانب فرنسا، أو ما بعدهما من محاولات للإقصاء.

لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح حاليا، خصوصا أن الآلاف من هؤلاء الجنود قد فارقوا الحياة، وأوشكوا على الانقراض بعض مضي عقود على مغامراتهم في أوروبا وآسيا تحت علم الجيش الفرنسي، هو لماذا تغيب المحاولات التوثيقية ومذكرات الناجين الذين عاشوا فظاعات الحرب ورأوا زملاءهم يتساقطون تباعا في الخطوط الأمامية للجيش الفرنسي.

لقد أرسل هؤلاء الناس إلى الموت، بل إن معظمهم لم يكونوا مدربين بما يكفي لكي يشاركوا في الحروب الكبرى، ورغم ذلك كُتبت لهم النجاة ومات رؤساؤهم قبلهم.

في فرنسا، كانت هناك محاولات توثيقية لمذكرات هؤلاء الجنود بعد قرابة عشرين عاما على تقاعدهم. وتم إصدار مجلة فرنسية اسمها «الكُمية» والتي تعني بالدارجة المغربية ذلك الخنجر التقليدي الذي يتأبطه المغاربة عادة في قبائل الأطلس. المجلة شهرية، صدرت لأول مرة سنة 1956، واستمرت لسنوات وهي تنشر ملخصات اللقاءات السنوية لقدماء «الگوم» المغاربة وتنشر كل ما يهمهم من أخبار تتعلق بالاحتفالات السنوية للمعارك خلال الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص.

والمجلة كانت تُصدرها جمعية قدماء «الگوم» المغاربة ومؤسسة أخرى فرنسية، وكان مقرها يوجد في زنقة «بول فالري» في باريس.

كل المشرفين على المجلة كانوا فرنسيين من قدماء الجيش، وكان رئيسها الشرفي هو الجنرال «گيوم» الذي كان مقيما عاما في المغرب خلال سنوات الحماية الفرنسية. أما أعضاء الإدارة فقد كانوا عسكريين وبينهم جنرال وضباط ومحام واحد هو «بيير ريفياد».

المثير أن هيأة المجلة والجمعية لا تتوفر على أي اسم مغربي نهائيا. كل الذين يسيرونها فرنسيون. بينما كان المغاربة يكتفون بدفع واجب الانخراط السنوي في الجمعية، والذي حُدد في خمسة فرنكات للفرد.  

في عدد المجلة الصادر في يوليوز 1965، خصص حيز مهم للاحتفال بتدشين قاعة تحمل اسم الماريشال ليوطي، أول مقيم عام في المغرب سنة 1912، والذي عاش سنوات طويلة بين المغاربة ويعتبره الفرنسيون مؤسس الإدارة الفرنسية في المغرب. هذه الاحتفالية حضرها بطبيعة الحال قدماء «الگوم». بعض الصحافيين الفرنسيين اعتبروا هؤلاء المغاربة مجرد تأثيث للصورة التذكارية التي التُقطت بالمناسبة. إذ أن المستفيدين الحقيقيين من غنيمة الحرب التي دفع المغاربة ثمنها غاليا، هم الذين هندسوا لتلك الاحتفاليات التي لا تزال تُنظم إلى اليوم.

هل سيأتي اليوم الذي تعترف فيه فرنسا بأنها اقتادت آلاف المغاربة إلى حروبها بطرق تشوبها الكثير من التجاوزات الأخلاقية والإنسانية؟

لقد سجلت حالات يمكن وصفها بالاختطاف القسري، في مقابل حالات قليلة لمغاربة متطوعين قادهم الجوع وتضييق فرنسا عليهم في قراهم، لكي ينضموا صاغرين إلى الجيش علهم يحظون على الأقل بوجبات مجانية ومكان للمبيت، ليجدوا أنفسهم في قلب معارك دامية استُعملت فيها كل الأسلحة المحظورة دوليا. الألمان، رغم أنهم خسروا الحرب خلال فترة النازية، إلا أنهم كانوا سباقين للتوثيق لظاهرة «الگوم» المغاربة، خصوصا منهم الذين سقطوا في أسر الألمان خلال اجتياح أوروبا، إذ أن مسؤولي الجيش الألماني استجوبوا هؤلاء المغاربة وطلبوا منهم العودة إلى بلادهم وأخبروهم أن حرب فرنسا ليست حربهم. ولا تزال ألمانيا تتوفر على أرشيف وثائق تلك الاستجوابات، واشتغل عليها باحثان ألمانيان أصدرا مؤخرا مؤلفا مهما عن «العرب والنازية»، وخصصا أغلب صفحات الكتاب لـ «الگوم» المغاربة.

الخلاصة التي لا بد أن يخرج بها كل من قرأ مضمون الوثائق الألمانية، أن المغاربة زُج بهم في حرب لم يتوقع أحد أن يخرجوا منها أحياء. وحتى عندما نجا منها أغلبهم، أسست مجلة باسمهم سرقت منهم «الكُمية»، وطالبتهم بخمسة فرنكات شهريا للحصول على نُسخة!

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى