
بعد فشل المجالس الجماعية في تنمية المداخيل، تحركت مصالح وزارة الداخلية لمراقبة حيثيات تعثر تحصيل مداخيل مهمة على رأسها الضريبة على الأراضي غير المبنية، والتراخيص الخاصة بأنشطة موسمية ترفيهية وأخرى تتعلق بقطاعات خدماتية مثل الفنادق والمطاعم والمقاهي، وصفقات كراء مواقف السيارات والاستغلال المؤقت للملك العام، وكراء الشقق والفيلات المفروشة، وذلك وسط جدل الفشل في القطع مع فوضى تدبير الممتلكات والأكرية وإهمال المداخيل.
وتواجه مصالح وزارة الداخلية تهرب المجالس الجماعية من تنزيل مقررات تخص تنمية المداخيل منها تنظيم وهيكلة كراء الفيلات والشقق المفروشة، ما يضاعف من نزيف ضياع مداخيل مهمة من الضرائب على ميزانية الجماعات الترابية المعنية التي تعاني من ارتفاع الديون وغياب توازن الميزانية، حيث يجري استغلال ملفات المداخيل انتخابويا وتحكم كواليس العلاقات الشخصية ودعم الحملات الانتخابية أكثر من تنزيل القوانين بشكل تقني وتجنب التمييز في التعامل مع الملفات.
وفي ظل اقتراب حملة الانتخابات التشريعية، تظهر مؤشرات واضحة على فشل المجالس الجماعية في التسيير، واستمرار احتجاج السكان على غياب الجودة في الخدمات العمومية، وتعثر المشاريع التنموية، وهو شيء طبيعي لأنه لا يمكن تنفيذ الوعود الانتخابية بدون ميزانية والتمويل لا يتحقق إلا بشرط تحصيل المداخيل والضرائب والدفاع عن مستحقات ومصالح الجماعة كمؤسسة عمومية.
لقد غرقت جل المجالس الجماعية وسط تراكمات ملايير الباقي استخلاصه، وغياب تحصيل الأكرية وفوضى الممتلكات وعدم تحصيل الضرائب، والتراخي في تصفية الملفات ما يتسبب في تعقيدات إدارية نتيجة التراكمات، فضلا عن إهمال العديد من رؤساء الجماعات الدفاع عن الصالح العام بحجج واهية أبرزها الحفاظ على القواعد الانتخابية والحال أن المنصب السياسي وسيلة وليس غاية في خدمة الشأن العام.
ومن المعلوم أن تكرار الأفعال نفسها يؤدي إلى النتائج ذاتها، لذلك إذا تكرر تحمل الوجوه الحزبية المستهلكة نفسها للتسيير، ستتواصل لا محالة مشاكل المجالس والغرق في الديون، والارتباك في تفعيل دور الشرطة الإدارية، وجمود دور لجان المراقبة الخاصة بالتراخيص وتنمية المداخيل، وهو الشيء الذي يسائل الجميع للمشاركة في الإصلاح السياسي ومواكبة أهداف المشاريع الملكية الكبرى، عوض القبول بالأمر الواقع والفساد الذي ينخر الجماعات الترابية ويجري التقليل من شأنه.
إن الحلول التي تقوم بها وزارة الداخلية لإنقاذ عدد من الجماعات الترابية من الإفلاس المالي، تعتبر ترقيعية وتستوجب معالجة الأزمة في العمق، من خلال وضع استراتيجية واضحة من قبل المجالس المعنية لتصفية الملفات المتراكمة لضياع المداخيل والقطع مع توارثها والتغطية عليها، وتفعيل المحاسبة وفق الجدية والصرامة المطلوبتين بشأن إهمال مستحقات الجماعات وتضخم أرقام الباقي استخلاصه، لأن المجالس وُضعت لتخدم الشأن العام وفق سياسة القرب من المواطن، وليس لتتحول إلى عبء على الدولة وتساهم في صناعة الاحتقان عوض حفظ السلم الاجتماعي والرفع من مؤشرات التنمية والتشغيل وجودة الحياة.





