شوف تشوف

الرأي

مرحلة اختبارات أمريكية روسية

عبد الوهاب بدرخان

قدم الأوروبيون دعما علنيا للرئيس الأمريكي في لقائه مع نظيره الروسي، وبعد أسبوع على قمة جنيف، ظهر التباين خلال القمة الأوروبية. إذ إن استشعار «التهديد الروسي» من واشنطن يختلف عما هو في بروكسيل، كذلك في شأن «التهديد الصيني»، كما سيتبين لاحقا. من منظور أمريكي، قد تكون فرنسا وألمانيا تسرعتا في توقيت مطالبتهما باستعادة الحوار على مستوى القمة مع فلاديمير بوتين، قبل أن تظهر أي نتائج للحوار الأمريكي الروسي، فتسببتا بانقسام داخل الاتحاد الأوروبي وبسقوط اقتراحهما، رغم أن هدفه المعلن «تحقيق الاستقرار الاستراتيجي». ليس الخطأ في التوقيت هو ما أحدث هذا الانقسام فحسب، بل أيضا الاختلاف في نظرة الدول الست المعارضة (بولندا، السويد، هولندا، ليتوانيا، لاتفيا وإستونيا)، فضلا عن أوكرانيا، إلى سياسات الكرملين، وفي تقويمها المسبق لنتائج أي حوار معه.
ربما يسلط حادث المدمرة البريطانية في البحر الأسود بعض الضوء على هواجس برلين وباريس، إذ جاء في لحظة توتر في مزاج موسكو (بسبب المناورات الأطلسية في المنطقة نفسها، بمشاركة أوكرانيا)، وفي لحظة تغيير في تموضع لندن ولهجتها (بموجب استراتيجيتها الجديدة واستئناف تحالفها مع الولايات المتحدة). لم تكن المرة الأولى التي تسلك فيها سفينة بريطانية ذلك المسار البحري، لكن الجانب الروسي لم يشأ تمرير الواقعة دون تثبيت أمر واقع: فوجوده في شبه جزيرة القرم منذ ضمها في عام 2014 ونفوذه في شرقي أوكرانيا، يوسعان حدوده البحرية ومياهه الإقليمية، ما يتيح وصف اقتراب المدمرة بأنه «انتهاك» و«اعتداء» استحقا تحذيرا تريده موسكو. أما بريطانيا فقللت من شأن التحذير، ولم تر في الحادث سوى تضخيم روسي، لأن المدمرة كانت تبحر بشكل قانوني في «المياه الدولية» وبالتفاهم مع السلطات الأوكرانية، بل زاد رئيس الوزراء بوريس جونسون أن لندن لا تعترف بالضم الروسي للقرم.
وحتى لو لم تكن بريطانيا انفصلت رسميا ونهائيا عن الاتحاد الأوروبي، فإن موقفها ما كان ليختلف، والسياسة الخارجية للاتحاد ولدت غامضة واستمرت متشرذمة، لكن التضامن في مواجهة روسيا ظل من ثوابتها وأساسا لتماسكها. وكلما تعلق الأمر بالاصطفاف مع أمريكا، أو بالتقارب مع روسيا، يصبح الانقسام أكثر وضوحا. كان الرئيس بوتين يتطلع إلى مشروع القمة مع الأوروبيين كعنصر توازن ورد على النجاح الدبلوماسي الذي حققه الرئيس جو بايدن تحت شعار «عودة أمريكا». أما فرنسا وألمانيا اللتان تريدان للاتحاد الأوروبي موقعا متمايزا، ولو تحت المظلة الأمريكية، فإنهما لا تضمنان إحداث اختراق في سياسات بوتين، إذ لا يستطيع التراجع في الملف الأوكراني، وفي المقابل لا يمكن للأوروبيين أن يقيموا معه تسوية في الملف الدفاعي بمعزل عن الإرادة الأمريكية.
ينظر العديد من الخبراء إلى ما يحصل غداة قمة جنيف بأنه مرحلة اختبارات أمريكية وروسية في مناطق وملفات عدة، بالتزامن مع الحوار المعمق الذي يستعد له الطرفان. وفيما يجري التركيز على معابر المساعدات الدولية للسوريين كاختبار إنساني محرج، يبدو أن الاختبار الأكثر حساسية في عدم اعتراف الحلف الأطلسي بالبحر الأسود كمنطقة نفوذ خالصة، أو «حديقة خلفية» لروسيا. فقد حرص الكرملين على إعلان ضم أوكرانيا إلى هذا الحلف «خطا أحمر»، لكنه استضاف المدمرة البريطانية «إتش إم إس ديفندر» وأجاز لها العبور من أوديسا إلى جورجيا، كما أنها تشارك في مناورات الأطلسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى