حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

مغاربة السيرك المنسيون…. قصص أوائل المغاربة الذين اشتغلوا في مجال الاستعراض

يونس جنوحي

من يكون أول مغربي أدخل العروض المغربية التي انتشرت في الشارع، قبل قرون، إلى السيرك العصري؟

هم سفراء «الفرجة» المغربية، الذين نقلوها إلى أوروبا وأمريكا وبقية العالم.. لكن أغلبهم لم يسافروا بإرادتهم، بل تعرضوا بداية للاختطاف، أو أجبروا على السفر، لأداء عروض لصالح «السماسرة» الأجانب..

هذه قصة ميلاد «السيرك» المغربية، انطلاقا من فرق «الفُرجة» التي انتشرت لقرون بين المغاربة، خصوصا خلال «المواسم».

 

++++++++++++++++++++++++++++

 

علي الحسني.. أول مغربي نقل «الفُرجة» المغربية إلى العالمية

علي الحسني معروف في بريطانيا أكثر مما عرفه المغاربة، والسبب أن هذا الرجل ترأس أول فرقة مغربية في السيرك ببريطانيا، وأدى عروضا «تحبس الأنفاس» – كما وصفتها الصحافة- في جولاته الأوروبية.

وُلد علي الحسني سنة 1927، في منطقة أوريكا بالأطلس، وبدأ منذ طفولته المبكرة، المشاركة في العروض الراقصة في ساحة «جامع الفنا»، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. والقصة كما حكاها الحسني للصحافة في بريطانيا تستحق فعلا أن تُروى.. إذ إن فقر الأسرة وحاجتها، جعلا الطفل علي الحسني يتجه رفقة إخوته إلى مراكش، بحثا عن لقمة العيش، من خلال جمع الخردة والمتلاشيات وعرضها للبيع.. لكنه خلال زياراته المتكررة إلى جامع الفنا، فُتن بأجواء الحْلقة، وبدأ يقلد حركات الراقصين، ولمحه أعضاء الفرقة، وتأكد لهم بعين «الخبير» أن علي الحسني سيكون له مستقبل بينهم.. وهكذا عرضوا عليه الانضمام إليهم، وبدأ يشتغل في العروض، بدون أجر.

تدرب علي على أداء عدد من الوصلات والحركات البهلوانية، وبالضبط حركة تسلق الهرم البشري الشهيرة، والتي كانت ركنا أساسيا في فقرات العرض بساحة جامع الفنا.. ورغم أنه كان طفلا قاصرا، إلا أن رئيس الفرقة لم يكن يرى أنه من الضروري استشارة أبوي الطفل، أو أي أحد من أسرته.. لقد كان الأمر أشبه بعملية اختطاف، غير مباشرة.. فقد تم إجبار الطفل على أن يشتغل مع الفرقة، وفي الوقت نفسه كان مستعدا لشق طريقه الخاص..

لكن كيف وجد علي الحسني طريقه إلى الشهرة في أوروبا؟ يعرض د. العياشي حبوش، أستاذ الدراسات الإنجليزية في جامعة عبد المالك السعدي، ترجمة حصرية لمقال صحافي من توقيع «دومينيك جاندو ودونالد ستايسي»، وكلاهما باحثان في التاريخ، تطرقا فيه إلى سيرة حياة علي الحسني كما سجلتها ابنته.

ومن أقوى ما جاء في هذا البورتريه، الذي ترجمه د. الحبوشي:

«..وجد أعضاء الفرقة البهلوانية، التي كان من ضمنها الفتى علي، عقود عمل في إسبانيا المجاورة، حيث ظلوا خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) والحرب العالمية الثانية، نظرا إلى أن إسبانيا كانت محايدة في الصراع.

كمتدرب في الفرقة، لم يحصل علي على أجر: لقد حصل للتو وفقط على الطعام والمأوى، وضرورات الحياة البسيطة. ومع ذلك، فقد استمتع بحياته الجديدة وعلى مر السنين، أصبح بهلوانيا ممتازا، وانتقل في النهاية من «متسلق رأس الهرم» الخفيف إلى رجل «قاعدة الهرم السفلية» القوي عندما كبر.

واصلت الفرقة العمل في أوروبا، قبل أن تحصل على عقد المشاركة في سيرك بيلي سمارت في بريطانيا العظمى سنة 1950. هناك، ستتخذ حياة علي منعطفا آخر. أثناء أدائه مع عرض بيلي سمارت (حيث غالبا ما يتم تجديد العقود من عام إلى آخر)، التقى بتمارا بولاكوف. كانت تمارا ابنة كوكو الأسطوري (نيكولاي بولاكوف، 1900-1974)، الذي كان مرتبطا منذ فترة طويلة بسيرك بيرترام ميلز، إذ أصبح مهرجه الألمعي.

ففي سنة 1951، غادرت تمارا وأخواها ساشا ومايكل ميلز، حيث كان ظل والدهم يلوح في الأفق بلا شك بشكل كبير جدا، للانضمام إلى عرض بيلي سمارت. قاموا بعمل يجمع بين الكوميديا التهريجية والألعاب البهلوانية والترامبولين.

وقعت تمارا في حب الحسني، الذي أصبح بحلول ذلك الوقت رياضيا قويا قادرا على حمل سبعة، أو أكثر من زملائه البهلوانيين على كتفيه وحول جسده – وهو إنجاز كان معروفا في الأيام الأولى للسيرك باسم أعمدة هرقل».

كان الجانب الإنساني في قصة علي الحسني حاضرا، فهو الذي أصبح لاحقا أحد أعمدة السيرك البريطاني، بفضل فرقته الترفيهية المكونة أساسا من المغاربة خلال السبعينيات والثمانينيات، لم ينس أصوله السوسية المراكشية، وتبرع بجزء من أمواله لصالح الجمعيات الخيرية في مراكش، قبل وفاته سنة 2010.

 

 

فرقة «سيدي احماد وموسى» خطفت الأضواء في نيويورك

الفرجة المغربية، بإجماع الباحثين، بدأت مع الفرق المغربية التي تنتمي إلى طريقة «سيدي احماد وموسى»، والتي كانت تقام عقب الموسم السنوي للضريح الشهير..

هذه الفرقة كانت تقدم عروضا تقوم أساسا على حركات بهلوانية تشبه «الجمباز»، وتحبس أنفاس مغاربة القرنين التاسع عشر، والعشرين.

ولأن الأجانب الذين كانوا يزورون المغرب في ذلك التاريخ، كانت لهم أعين «لاقطة»، فقد فطنوا إلى أن هذه الفرق المغربية قد تجني ثروة بسهولة من وراء أداء عروض أمام الأجانب.

وهو ما تكرر مع عدد من المغاربة الأوائل الذين شقوا طريقهم في عالم الاستعراض، أو «السيرك»، خصوصا في أوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، سنة 1918، وتعزز دورهم أكثر بعد الحرب العالمية الثانية، أي ما بعد 1944.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحربين، كانت أكثر حاجة إلى مغاربة الترفيه أو «الفُرجة»..

إذ إن فرقة تقدم عروض مريدي سيدي احماد وموسى، وجدت طريقها إلى نيويورك، لكي تشارك في عرض مسرحي، كتبت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وبفضل نجاح العرض الأول في نيويورك نظمت للفرقة جولة في باقي المدن والولايات الأمريكية.. وكانت فقرة «الهرم» إحدى أكثر الفقرات التي تقدمها الفرقة، طلبا لدى الجمهور الأمريكي.. إذ لم يكن عاديا وقتها رؤية هرم بشري من الشبان المغاربة، وهم يتسلقون أجساد بعضهم البعض، إلى أن يتربع أصغرهم سنا على قمة الهرم، ويؤدي التحية للجمهور من علو يتجاوز عشرة أمتار! هذا الهرم البشري الذي كان يُبنى في أقل من دقيقتين، ويهوي في نظام غريب في ثوان معدودات دون خطأ أو إصابات، كان يعتبر في ذلك الوقت من أكثر العروض البهلوانية التي جلبها المغاربة إلى عالم السيرك.

وجزء من نجاح المغاربة في هذه الفقرات، مرده إلى أنهم لم يكونوا يوظفون الحيوانات، وهو ما جعلهم الأكثر طلبا لدى مُلاك السيرك في أوروبا والولايات المتحدة. إذ إن العارضين الغربيين كانوا من مروضي الأسود والحيوانات الضارية، ويستعملون الفيلة، وهو ما يجعل تكلفة عروضهم مرتفعة جدا.. في حين أن فرق العرض المغربية الأولى، كانت تتألف من العارضين الموهوبين فقط، ولا يلجؤون نهائيا إلى أي فصيلة من الضواري لشد انتباه الجمهور.

+++++++++++++++++++++++++++++

 

 

جولة مع دبلوماسي روماني بساحة «جامع الفنا» قبل 75 عاما

في منتصف القرن الماضي، كانت الفرجة أو «الترفيه» المغربي، يلخص في الصحف العالمية في ساحة «جامع الفنا» التاريخية.

جزء من الفضل الذي اكتسبته الساحة، خلال مرحلة الحرب العالمية الثانية، يعود فضله إلى الباشا التهامي الكلاوي. فهذا الأخير، كان ينظم جولات سياحية لضيوفه الأجانب من صحافيين ومشاهير وفنانين وأثرياء، عند حلولهم في قصره بمراكش، ويُعرفهم على ساحة جامع الفنا، ويوفر لهم المرافقين لتأمين «فُرجتهم» في فن الحْلقة.

أحد الذين زاروا الباشا الكلاوي، هو الكاتب البريطاني الشهير ب. نيومان، وقد كتب في مغامرته التي صدرت سنة 1952، «Morocco Today»، أنه زار ساحة جامع الفنا، لكن برفقة شخصية غير عادية. إذ تجول بين مروضي الثعابين وممارسي «الفرجة» على الطريقة المغربية، رفقة دبلوماسي روماني اختار أن يتقاعد نهائيا في مراكش، ويودع حياة السفارات ويعيش بين أصحاب «الحْلقة»، في قلب المدينة القديمة بمراكش. يقول:

«الطريق إلى جامع الفنا، كان تعج بمزيج مذهل من السيارات والدراجات والحمير. وفي الساحة نفسها، يمكن أن يكون أحد رجال المدينة المحليين، ربما مصحوبا بزوجته المنقبة.

لكن أغلب المتفرجين هم من رجال القرى. ينحدرون من عشرات القبائل القريبة والبعيدة. هناك «شلوح» من المناطق الجبلية، وأمازيغ قادمون من وراء جبال الأطلس، وموريتانيون، يمكن تمييزهم بسهولة بشعرهم الأسود المجعد عن سواسة وآخرين، في تنوع من شأنه أن يُشعر أي طالب لعلم الأعراق بالغبطة والحماس. وعلى فكرة، فإن «الشلوح» هم أنفسهم أمازيغ قبيلة مصمودة.

الأكيد أن هؤلاء الفلاحين الزائرين لجامع الفنا، يستفيدون من وقتهم إلى أقصى درجة.

قضوا أياما، وليس ساعات فقط، في المشي أو ركوب الدواب، إلى المدينة. ينتهون من أعمالهم في الصباح، ثم يجلسون للتفرغ لما لا نهاية له من الترفيه والفرجة للعشر، أو اثنتي عشر ساعة المقبلة.

ابتعدتُ عن الساحة أخيرا بعد أن جذبني صديق قديم بعيدا، اسمه «د. ديم. ديمانسيكو»، وهو دبلوماسي روماني يستطيع إخبارك قصة من وراء الكواليس عن السياسة الراقية. قصة من النوع الذي لا يحب رجال الدولة المُبتذلون والسخيفون سماعه.

الآن، وبعد أن صار من الواضح أن الغرب تخلى عن بلاده، فقد استقر «ديمانسيسكو» مع زوجته وعائلته بمراكش، في منزل مغربي داخل المدينة».

انتقل نيومان إلى الحديث عن خصائص الساحة والمحطات التاريخية التي مرت منها، بل واعتبرها أحد أكثر العناصر العجيبة التي يتوفر عليها المغرب، وأثنى على دورها الكبير في ميلاد «الفُرجة» على الطريقة المغربية. لكن ما لم يعلمه هذا الكاتب والأكاديمي البريطاني، أن ساحة جامع الفنا كانت دائما «جامعة» يتخرج منها ممارسو الفرجة و«الحْلقة»، وعروض الترفيه، قبل قرون، وجابوا المغرب طولا وعرضا، ومنهم من غادر إلى خارج المغرب لأداء العروض، قبل أن يتأسس «السيرك» المغربي، بداية القرن الماضي.

 

 

هكذا جنى لاعبو العروض الأوائل المال لأنهم كانوا من «الشرفاء»

 

لقد كان المغامر الأمريكي «آرثر كامبيل»، وهو يزور المغرب سنة 1896، خصوصا مدينة تطوان التي استأثرت باهتمامه، على موعد مع تجارب إنسانية ومغامرات جعلت كتابه «A ride in Morocco» مشبعا بـ«البهارات» الضرورية، لكي ينجح الكتاب ويحظى بإقبال واسع في «تورينتو»، التي طُبع الكتاب فيها لأول مرة.

تطرق الكاتب إلى ظاهرة «الفُرجة» في شمال المغرب، خصوصا في مدينة تطوان، فقد تعرف على عالم العارضين، ووصفهم وقتها بأنهم كانوا متسولين وأغلبهم ينحدرون من أصول شريفة. مرافق المغامر آرثر، وكان مغربيا، قدم له معطيات كثيرة عن أصول ممارسي العروض الترفيهية في تطوان، وقال له إنهم ينحدرون من عائلات تعيش في محيط الأضرحة والزوايا ويعتبرون الصالحين المدفونين فيها أجدادهم.. ويستمدون سلطتهم منهم، ويدفع لهم الناس بسخاء مقابل تلك العروض، سواء أعجبتهم، أم لم تعجبهم!

ويحكي آرثر عن تجربته مع أحد هؤلاء العارضين:

«رجل عربي مسن، من الشرفاء، ينحدر من نسب الرسول، كان يتبعه جماعة من الأطفال والمتسولين. اقترب مني، وبدأ يحوم حولي في شكل دائرة ويدندن، وكأنه يغني بصوت خفيض جدا.

كان رجلا طاعنا جدا في السن، بلحية تشبه كرة من القطن. كان يعلو رأسه شيء يبدو مثل سلة ورد مقلوبة تنزل منها أوراق خضراء نحو الأسفل.

أما ملابسة الرثة والمتسخة فقد كانت تبدو مثل شراشف سرير قذر والأسمال المختلطة.

كان يحمل في إحدى يديه سلة كبيرة، تختلف كثيرا عن تلك التي فوق رأسه، وكان يطوح بها وهو يحوم حولي حتى كاد يصيبني بها في وجهي.

صرختُ في «مورينو»، الذي كان يقف بعيدا ويتفرج:

– من يكون هذا بحق الله؟

أجابني:

-هذا الرجل المُسن مقدس.

ابتسم الرجل في وجهي وزاد من قوة التلويح بالسلة في وجهي. وبدأت أدور معه أيضا حتى أبقى مقابلا له دائما. وهذا الأمر أفرح حشد الناس، الذين كانوا يتفرجون علينا. وشكل الأطفال دائرة حولنا، فأصبح المشهد كما لو أنه فرجة «سيرك» من دائرتين للفرجة. صرختُ:

– ماذا يريد هذا الرجل يا مورينو؟

– إنه يريد المال.

توقعت هذا الأمر.

منحته بعض القطع النقدية المعدنية، لأنني بدأت أحس بالدوار. كان للمال تأثيره المعتاد.

هؤلاء المغاربة ليسوا مثل بقية المتسولين الذين يواصلون اللعب لفترة إضافية، لكي يظهروا لك امتنانهم بما منحتهم. بمجرد ما تضع المال في يد المغربي، تصبح مباشرة في نظره مجرد «النصراني الكلب»، وينظر إليك كما لو أنك القذارة التي يمشي فوقها بحذائه».

هؤلاء العارضون، الذين كانوا ينشطون في منطقة الشمال، منهم من سافروا إلى إسبانيا، خلال الحرب الأهلية، لكي يؤدوا عروضهم البهلوانية أمام الإسبان، وكانت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى مهمة جدا لهؤلاء العارضين المغاربة الأوائل الذين انتقلوا بين جنوب إسبانيا وشمال المغرب، بحثا عن لقمة العيش مقابل أداء العروض البهلوانية والرقصات المغربية الشعبية أمام جمهور إسبانيا الخارج لتوه من مآسي الحرب، ويعيش وقتها أزمة داخلية خانقة.

 

عندما كان القنصل الأمريكي شاهدا على عروض حمادشة وعيساوة سنة 1908

القنصل الأمريكي إدموند هولت ليس محظوظا، ليس لأنه اشتغل في المغرب فحسب، بل لأنه أيضا اشتغل ممثلا دبلوماسيا لبلاده في الفترة الحساسة التي انتقل فيها الحكم إلى المولى عبد الحفيظ، فترة قصيرة قبل توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، وغادر المغرب قبل أن يشهد على عهد الهيمنة الفرنسية الرسمية على البلاد.

هذا القنصل، اشتغل صحافيا قبل أن «تختطفه» مسؤوليات السلك الدبلوماسي، وبعد مغادرته لمهمته الدبلوماسية في المغرب، كتب سنة 1914، بعد تقاعده، مذكرات مثيرة عن تجربته في المغرب. ورغم أن مكتبه كان يوجد في مقر المفوضية الأمريكية بطنجة، إلا أنه تجول في المغرب طولا وعرضا، بحكم مهامه الدبلوماسية التي جعلته مسؤولا عن المحاكم التي تبت في قضايا الأجانب المقيمين في المغرب.

وفي جولاته، تابع عروض «حمادشة» التي خص لها جزءا مهما في مذكراته Morocco the Piquant، والذي انفردنا في «الأخبار» بترجمته كاملا على حلقات، العام الماضي. وقد وصف «الفُرجة المغربية» في ذلك الوقت.. هذه العروض كانت هي بداية «السيرك» على الطريقة المغربية، ومنها انطلق المحترفون المغاربة الأوائل الذين أسسوا فرق الفُرجة، التي حظيت بشهرة واسعة في أوروبا، خلال القرن الماضي.

يقول في وصف رقصة حمادشة، التي كانت تقام في طنجة الدولية مرة في السنة:

«عدد حمادشة، الذين ينظمون الرقصة السنوية في السوق، ليس كبيرا. لا يتجاوز عددهم عشرة راقصين بالغين. وعددهم يزداد قليلا خلال أداء بعض الرقصات المختلفة، مع ازدياد بعض المتفرجين الذين تغلب عليهم الحماسة الدينية. ويكون بينهم عادة، وهذا أمر مؤسف، عدد من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة إلى خمس عشرة سنة.

عند تأمل ما يمكن أن يميز رقصة حمادشة عن رقصة عيساوة، يظهر أن حمادشة لديهم طريقة ممتعة في شق رؤوسهم بفؤوس صغيرة، وهي تشبه الفؤوس المستعملة في المعارك القديمة. وإقحام صبية صغار في هذه المشاهد وجعلهم يشاركون فيها، يسبب للمتفرج الأجنبي العادي، شعورا غريبا بالدوار والاندهاش والغثيان.

إن الرجل الذي تتراوح سنه ما بين الثلاثين والخمسين، يدرك بطريقة ما عواقب إقدامه على اتخاذ قرار ممارسة الرقص والدوران حول نفسه وشق رأسه بفأس، فهو في النهاية رجل راشد، وسنه تؤهله ليعرف تحديدا حقيقة ما يريد أن يفعله وعواقبه.

ولكن عندما تصل الفرجة إلى نقطة تؤثر فيها حرارة الشمس، وفوران الدم، على نفس المتفرج وجعله يحس بالإحباط والغثيان، ويرى صبيا صغيرا يندفع إلى حلقة الراقصين، ويأخذ بيده فأسا من يد رجل مضرج بدمائه، يفترض أن يكون قد مات بسبب كل الضربات على رأسه، ويضع حافة الفأس الحادة بفرح طفولي فوق رأسه الصغير الحليق.. فإن المتفرج يتمنى لو أن بإمكانه الانفراد بالرجل المسن الذي سلم الفأس إلى الصبي، ويبرحه ضربا بعصا «بيسبول»، حتى يُظهر له فداحة فِعلته تلك.

إما أن أولئك الراقصين الذين يشقون رؤوسهم بالفؤوس يملكون رؤوسا صلبة وسميكة، وإما أنهم تعلموا جيدا كيف يتعاملون مع الفأس، إلى أن تعلموا كيف يُفجرون أكبر قدر من الدم المتطاير، بأقل قدر من الألم. لكن الصبي الصغير، لم يتعلم هذه التقنيات بعدُ، لذلك يُغشى عليه أحيانا ويسقط أرضا بين الراقصين، ويتوجب عليهم إنعاشه وحمله إلى المنزل.

يرقص أفراد حمادشة بجوارحهم، تماما كما يفعل راقصو عيساوة. لكن المتفرج الأوروبي العادي لا ينظر إليهم بالنظرة نفسها، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بسائح غير معتاد على متابعة المشاهد الغريبة. أما حمادشة، فلديهم أيضا موسيقاهم الغريبة، وهي موسيقى صاخبة ورتيبة، ويحملون رايات حمراء وخضراء منقوشة بشكل غريب، وينخرطون في دوامات رقص رائعة.

وبالإضافة إلى عملية شق الرؤوس، فإن حمادشة لديهم أيضا رقصة من نوع رقصات الدراويش التي يدور فيها الراقصون حول أنفسهم، ورقصة تعبيرية غريبة يؤديها دائما راقصان بالغان».

 

صحيفة بريطانية: اختطاف أسرة مغربية وأسرها بسيرك أمريكي سنة 1880

قصة هذا الرجل المغربي، واسمه «الحاج»، تستحق أن تُحول إلى فيلم سينمائي، إذ إنها تتوفر على كل عناصر الفرجة والدراما الحقيقية. فهو من أوائل مؤسسي الفرجة المغربية الذين لعبوا عروضا في الخارج. عاش خلال فترة حكم المولى الحسن الأول (1873-1894)، وخلال هذه الفترة تعرض لاختطاف على يد سمسار أجنبي، أعجب بعروض «الحْلقة» التي كان يلعبها، وأجبره رفقة والده وإخوته على العمل لصالحه، قبل أن يتمكن من الفرار من قبضة الأسر، ويعود إلى المغرب ويلتقي بالصحافي البريطاني «لاورنس هاريس» سنة 1908، ويحكي له قصته. هذا الصحافي نشر القصة في الصحافة البريطانية، في «التايمز»، ثم في مذكراته: «With Mulai Abdelhafid at Fes». وهنا نورد حصريا المقطع الذي تناول فيه الصحافي لاورنس هاريس، قصة الحاج، الذي يمكن اعتباره أحد مؤسسي الفرجة المغربية وأحد أوائل من لعبوا عروضهم الترفيهية في سيرك خارج المغرب.

يقول:

«في المساء، جاء «الحاج» إلى خيمتنا وبدأ يدخن سيجارة، سألته بفضول لماذا لم يحك لي عن أصوله طوال الوقت الذي عرفته فيه. كان منتشيا بمراقبة الدخان المنبعث من فمه ومن السيجارة، ثم بدأ الحديث:

«سيدي، يجب أن تعرف أنني ولدت في سوس. وأسرتي كانت تشتغل في الترفيه عن الناس، وتمضي متجولة في الأرض لكسب الرزق. زرت كافة المدن المغربية رفقة والدي وإخوتي. وبفضل جولاتي أصبحت أعرف كافة الطرق من تارودانت إلى طنجة. ذات مرة، وعندما كنا نرفه عن الناس في طنجة، تقدم منا رجل نصراني وأخذ والدي إلى فندق كبير، وأعطاه مالا كثيرا كي يرافقه إلى الخارج ليقدم العروض نفسها هناك. لم نكن نريد أن نغادر المغرب، وهي البلاد التي جمع الله فيها عباده المؤمنين ليعيشوا فيها، لكن حياتنا كانت صعبة للغاية، فرغم أننا قدمنا عروضنا إلى الناس في كل المداشر والمدن، إلا أننا كنا نبيت جوعى. لذلك غادرنا مع النصراني إلى الخارج. وافق والدي، بحكم أنه اتفق مع ثلاثة رجال إنجليز أغنياء فعلا أن يقدم عروضا هناك لأسابيع، معتقدا أنه سيعود غنيا إلى المغرب، وربما قد يصبح قائدا في البلدة التي غادرناها قبل زمن. ذهبنا في قارب كبير إلى بلاد تسمى أمريكا، مرضنا خلال الرحلة الطويلة إلى هناك، خصوصا وأننا كنا نخفي أنفسنا داخل صناديق لمدة طويلة.

«واهلي واهلي..». كان والدي ينصحنا بأخذ الحيطة والحذر عندما نصل إلى هناك، لأن الناس أشرار وشياطين في تلك الأرض. بمجرد وصولنا إلى أمريكا، اكتشفنا كم كان والدنا محقا فعلا. كان والدي يريد الرجوع إلى المغرب، لكن الرجل الأبيض قال لوالدي ألا يكون أحمق وأن يبقى هناك مزيدا من الوقت. ركبنا شيئا يسمونه القطار، كان أسرع من الخيول بكثير. منذ ذلك اليوم يا سيدي وأنا أعرف ماذا تعني محركاتكم القوية، ولم أعد خائفا منها أبدا. غادرنا أمريكا إلى بلدان أخرى، ولكم تعذبنا يا سيدي، والدي مات عندما دهسه قطار، وأخي كسر من ظهره عندما سقط من أرجوحة هناك. بينما أخي الآخر اعتقل عندما أحب فتاة أوروبية، ومن شدة غيرته حلق شعر رأسها وتركها صلعاء. أنا فررت إلى مكة وأديت فريضة الحج، ومن هناك عدت إلى المغرب واشتريت البغال واشتغلت».

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى