حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

موضة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

أمام موضة الإعجاز العلمي لا بد من التأسيس المنهجي للعقل الإسلامي الحديث، فقد راجت هذه الموضة حتى بارت، ومن حمل رايتها لم يتقدم كثيرا. وعلى الرغم من النشاط المحموم للجان الإعجاز العلمي في اللقاءات والمؤتمرات، فلم تصل إلى فتح علمي يتيم، إلا من همهمة وموافقة اللجنة، على اكتشاف علمي قام به كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

هذه الموضة، وهذا الاتجاه برمته، خطأ وخطر من ثلاثة مداخل؛ شهادتنا ممن لا شهادة له من الكفار والملحدين ـ حسب وجهة نظرنا ـ وإعلان غير مباشر لإفلاس علمي في مؤسساتنا، بعدم إفادتنا بالخبر اليقين عن تحقيق أي فتح علمي في جبهة من جبهات العلم، إلا التكرار العقيم والنقل السقيم. وقبل كل شيء، فإن مهمة القرآن هداية وموعظة، وليست دليلا من الفيزياء والكيمياء.

أعجبني ما قاله الطبيب «محمد كامل حسين» إنها: بدعة حمقاء، وتفاءل كثيرا بعد مقالته أن يكون قد وأد هذه البدعة، ولكن البدعة أطلت بقرنين، ولجان الإعجاز العلمي في كل مكان يزعقون مع كل فتح علمي أن هذا سبق به القرآن، وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم.

ويعجبني ما كتبه المفكر الجزائري «مالك بن نبي» عن الفرق بين ما يبحثه القرآن، وما يعمل عليه العلم، فالقرآن وظف نفسه ليس للبحث في القضايا العلمية، من فيزياء نووية وكوسمولوجيا (علم فلك) وأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، بل كان اهتمامه مصبوبا على إيجاد المناخ العقلي الذي يوفر الجو لنمو كل العلوم بشكل تراكمي سليم.

ويعجبني ثالثا «الصادق النيهوم»، حينما اعتبر القرآن أعظم كتاب بحث مشكلة تحرير الإنسان من خلال مفهوم التوحيد، أكثر من أي كتاب آخر.

أما تدشين اتجاه كامل عن الإعجاز العلمي، والركض خلف العلوم والآيات وأيدينا مشرعة، نصيح: لقد سبقتكم الآية بالكشف.. إنها موجودة في القرآن… يحمل مجموعة من الأخطاء القاتلة، تنتهي مع الانحراف عن كل رسالة القرآن، فليس أضر على قضية رابحة مثل الدفاع عنها بمحامي فاشل. والمحامون الخائبون في العالم العربي أكثر من رمل عالج في اليمن، كما رأينا في بنت القذافي ومعها المئات في الدفاع عن الطاغية صدام.

كما أن اللعب بالألفاظ، للوصول إلى الحقائق، كما هو في كتابات الشحرور الشامي، لا يزيد على شعوذة جديدة، وكيمياء مزورة، فنخرج أرانب بيضاء من قبعات سوداء، فابن نوح لم يكن ابنه، بل ابن زنا، وذلك في اللعب بكلمة ابن وولد. أو أن عبارة «يضربن بأرجلهن» تعني (الستربتيز = التعري)، وأن البنين تعني البنايات وأن النساء تعني النسيئة، وأن أرذل العمر يعني التوقف عن العلم، وأن التخاطب بين زحل وبلوتو سيتم وفق فواتح السور من حروف لغة جديدة، تجعلنا نحك رؤوسنا عجبا، ولكن مع ذلك وصف الله الشعراء بأنهم في كل واد يهيمون.

يقوم الفكر التقليدي والتراث كله على فهم أن المعجزة كسر للقانون واختراق للسنة؛ فحتى تثبت القدرة الإلهية يجب بناء الفوضى، ولكن لا يوجد خلف القانون إلا اللا قانون. وحين نرى قدرة الله لا تظهر إلا بقدر خرق قوانين الطبيعة، وأن أقوى برهان على وجود الله زعزعة الثقة في نظام الطبيعة، هو جهل بالله وبالطبيعة وبالقانون على حد سواء، على حد تعبير فيلسوف التنوير الهولندي سبينوزا.

لقد ثبت فشل أسلوب المعجزة في التاريخ؛ فلم يؤمن فرعون مع تسع آيات بينات، وبقدر غزارة خوارق المسيح، قفز مسلسل البطش بالمسيح إلى حافة المصلبة، كما راهن عليه الأنبياء الكذبة وما زالوا، والمسيح الدجال سوف يقوم بحملة معجزات، تؤكد كذبه إلى درجة إحياء الأموات.

وما سمي بالمعجزة انتظمت وفق قانونها الخاص الذي نجهله، لم يخرق فيه القانون أو يدشن الاستثناء، ولم يزد على حدوث ظاهرة خاضعة لسنة الله في خلقه، مجهولة الكيفية لعقولنا، بسبب غموض قانونها أمام وعينا وقصور علمنا وقتها؛ فالله أجرى الوجود وفق سنته التي لا تتحول ولا تتبدل. هكذا قال القرآن سنة الله في خلقه وخسر هنالك المبطلون.

لو عرض اليوم الفاكس معكوسا ألف سنة إلى الخلف لاعتبروه خارقيا معجزا، ولو استخدم التلفون أو الكمبيوتر زمن البعثة لكان معجزة لا ذرة للتردد فيها!

المعجزة تعتمد الخلاب والخوارقية، والقرآن حرم على نفسه هذا الاتجاه، في اتجاه بناء عقل منهجي سنني، فلم يستجب لطلبات المشركين الصبيانية، بطلب لائحة من المعجزات. لقد طلب موسى رؤية الله، وهو جهل منه بقدر العين في استيعاب الأشعة الكونية ومقدار الشمعات، فخر صعقا، وحين نريد رؤية الفيروس لا بد من المجهر الإلكتروني، وحين نريد رؤية الذرة لا بد من البروتوني، ولكن هناك حواف حدية تتهاوى عندها قوانين الفيزياء والبيولوجيا، كما يذكر كلود برناد ذلك في كتابه «الطب التجريبي».
المعجزة محدودة الزمان، محدودة المكان، محدودة الرؤية من أشخاص بعينهم، لجيل محدد لا يمكن تكرارها، فلا يمكن يوميا شق البحار وقلع الصخور، واستخراج الجمال من الأرض.
ولكن القانون المتعانق مع العلم وجدلية العقل، يسخر الكون كله يوميا في كل وقت من خلال الإمساك بمفاتيح سننه. فتطير الطائرات فوق الغمام، ويتخاطب الناس بالصوت والصورة أفضل من جن نبي سليمان، وتتفجر الذرة بما لا يحلم به زيوس، رب الآلهة في الأولمب، من امتلاك القوة.

القانون يمنحنا السيطرة على الكون، والدجالون كلهم تجري على أيديهم معجزات، ولكنهم لم يكسبوا الأتباع، ولم يتركوا لأنفسهم تاريخا سوى الهزء والسخرية والتندر وسوء الاسم، كما في قرآن مسيلمة الكذاب. وقد ترك التاريخ لنا بعض (سور) مسيلمة من قرآنه المزعوم، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم نزلت عليه سورة «البقرة»، فقد نزلت عليه سورة «الفيل»، ما هو أضخم من البقرة:  «الفيل؟ وما أدراك ما الفيل؟ له خرطوم طويل. وذيل وثيل». وإذا كان محمدا (ص) تحدث عن البعوض والهدهد والنمل والنحل، فقد نسي أن يتحدث عن الضفدع وهو من أجمل الفقريات، لذا كان قرآن مسيلمة أحفل بالنكتة: «يا ضفدع بنت ضفدعين.. نقي ما تنقين، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين، نصفك في الماء ونصفك في الطين».

خالص جلبي

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى