
يونس جنوحي:
لماذا تصلح توأمة المدن؟ لا بد وأن عددا كبيرا من مسؤولي المدن المغربية لا يملكون أي فكرة عن لائحة المدن التي تربطها توأمة مع المدن التي ورثوا تسييرها عن عشرات المسؤولين السابقين.
بل هناك مسؤولون مغاربة اليوم يشاركون، كل من موقعه، في تدبير الشأن العام لمدن مغربية تنام فوق أرشيف مهم من الشراكات الموقعة، والتي لا تسقط بالتقادم، ولا يملكون فكرة عن الثقل الذي يقفون فوقه.
وهكذا نجد أن أغلب ملفات النزاعات حول إقامة المصانع في مناطق سكنية، بينها أحياء برصيد ثقافي وفكري، يضرب في عمق اتفاقيات تعود إلى أكثر من عقدين وتوأمة مع مدن تراثية في أوربا وأمريكا اللاتينية.
هذه التوأمة تُبنى أساسا على نقط مشتركة. فمثلا الاتفاقيات الموقعة بين عواصم أوروبية ومدينة مراكش مثلا، تقوم على اتحاد هذه المدن في الرصيد التاريخي وامتلاك أماكن لصناعة الفرجة على غرار جامع الفنا.
والتوأمة بين الدار البيضاء والمدن الأوربية تقوم على أساس الاشتراك في الرصيد المعماري الفريد الذي يميز عمارات المدينة ويعكس تنافس المهندسين الفرنسيين على ترك بصمتهم في البنايات التي لا يزال أغلبها قائما إلى اليوم.
مسلمو أوروبا الشرقية، خصوصا في يوغوسلافيا لديهم تاريخ مشترك مع المغرب. ولا أحد ينتبه إلى أن توأمة مهمة بدأها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1961، في أهم زيارة له إلى الخارج بعد جلوسه على العرش لكي يشارك في أول مؤتمر لدول عدم الانحياز الذي انعقد في بلغراد، حيث تحدث وقتها في كلمته إلى الملوك والرؤساء الحاضرين عن صلة الرحم بين المغاربة ومسلمي يوغوسلافيا. وفي اليوم الموالي لأولى جلسات المؤتمر، صدرت الصحف وعلى صفحتها الأولى جميعا صورة الملك الراحل الحسن الثاني وهو يصافح الماريشال تيتو.
كان سفير المغرب وقتها في بلغراد هو المثقف والصحافي المغربي الكبير التهامي الوزاني.
هذا الأخير الذي يعتبر أول من كتب رواية مغربية، بعنوان «الزاوية»، لعب دورا كبيرا في خلق توأمة بين مسلمي أوربا الشرقية والمغرب، بحكم أنه كان يتمتع بخلفية صوفية، ولإلمامه بعدد من الملفات بحكم اشتغاله في الصحافة. وبعد وفاة هذا السفير سنة 1972، التقى الملك الراحل الحسن الثاني في بداية التسعينيات ببعض علماء يوغوسلافيا الذين كانوا في زيارة إلى المغرب للمشاركة في الدروس الحسنية سنة 1991. بل إن أحد أهم الشخصيات لدى مسلمي أوروبا الشرقية وهو البوسني محمد نياز، سبق له أن أرسل رسالة مؤثرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني يشكره فيها على اهتمامه بمسلمي أوروبا الشرقية ودفاعه عنهم في مؤتمر دول عدم الانحياز على مرأى ومسمع من رؤساء الدول الكبرى.
وربما لا أحد ينتبه اليوم إلى وجود جائزة يمنحها المركز الإسلامي في يوغوسلافيا مكافأة للباحثين في الشأن الديني، تحمل اسم الملك الراحل الحسن الثاني، وهي توأمة حقيقية بين المغرب، خصوصا جامع القرويين برمزيته ومكتبته الضخمة، وأكثر من عاصمة في أوربا الشرقية.
ما تشترك فيه مدن يحول بينها البحر وآلاف الكيلومترات، أكبر بكثير مما يفرقها حاليا بسبب إهمال المسؤولين وتراكم الاتفاقيات بعضها فوق بعض. إلى درجة أنه يصعب إحصاء اتفاقيات التوأمة التي وقعتها مدن مغربية لا يجد فيها الناس حتى نقلا عموميا محترما، مع مدن أوروبية وأمريكية احتفلت منذ سنوات بالذكرى المئوية لإطلاق «ميترو الأنفاق».
بعض هذه الاتفاقيات تتعدى «التوأمة»، بل مجرد التفكير فيها قد يصيب صاحبه بـ«الشقيقة».





