شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

نجوم عالميون روجوا للمغرب أيام محمد الخامس

تعاطف بعضهم مع الاستقلال قبل سبعين عاما

«سامية جمال، التي كانت صورها على أغلفة كل المجلات في الشرق والغرب، لعبت دور بطولة فيلم «علي بابا» الذي يحكي أشهر قصة لصوص من عالم ألف ليلة وليلة، بينما آل دور علي بابا إلى الممثل الفرنسي الشهير «فرناندل»، ولعب «ديتير بورشا» دور البطولة أيضا في الفيلم، فيما حضر ممثلون فرنسيون كبار إلى ساحة التصوير، حيث وُزعت عليهم أدوار أخرى في الفيلم، مثل «هنري فيلبرت» و«إدوارد ديلمونت»..

مقالات ذات صلة

كان تصوير الفيلم المقتبس من قصة عربية، في إقليم تارودانت، خبرا اهتمت به كل الصحف الفرنسية الصادرة في المغرب ما بين سنتي 1952 و1954، وهي المدة التي استغرقها إخراج الفيلم إلى الوجود ما بين الزيارات الأولية للمخرج إلى نواحي تارودانت، وإحضار طاقم التصوير، وإعداد الفيلم لكي يُعرض في كبريات دور العرض العالمية، وليس في فرنسا فقط».

 

يونس جنوحي

 

إشاعة زيارة مارلين مونرو لمراكش.. دعاية ذكية لمغرب 1944

لا أحد يعلم من كان تحديدا وراء نشر أخبار عن وجود النجمة الأمريكية «مارلين مونرو» في المغرب، خلال سنة 1944.

راج هذا الخبر في وقت كانت فيه القوات العسكرية الأمريكية قد انتهت من تأسيس القاعدة العسكرية في القنيطرة، وتحقق تقدما ميدانيا كبيرا في أوروبا لكسر شوكة النازية.

كانت «مارلين مونرو» تزور فعلا قواعد أمريكية حول العالم، في إطار جولة فنية نظمتها وزارة الدفاع الأمريكية لصالح الجنود الأمريكيين المشاركين في الحرب العالمية الثانية، لكن خبر زيارتها إلى المغرب لم يكن صحيحا.

وسرعان ما حاولت أشهر المجلات الأمريكية التدقيق في الخبر، خصوصا وأنه لم تُنشر أي صور لوصول «مونرو» إلى المغرب. واتضح أن الأمر قد يتعلق بدعاية في إطار الحرب النفسية التي انتشرت بكثرة أيام الحرب. سيما وأن أخبارا من هذا النوع قد نُشرت فعلا في الصحافة الدولية ولعبت دورا كبيرا في رفع معنويات الجنود الأمريكيين، خصوصا أفراد البحرية الأمريكية الذين كانوا يقضون أشهرا متواصلة في عرض المحيط الأطلسي، أو في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، بعيدا بآلاف الكيلومترات عن وطنهم الأم.

خبر زيارة «مونرو» إلى المغرب من شأنه أن يتابعه الملايين حول العالم. إذ إن هذه النجمة الأمريكية كانت أول شخص في التاريخ يحشد ملايين المعجبين، حيث كان تنقلها داخل الولايات المتحدة مستحيلا بسبب جحافل معجبيها وتزاحم الآلاف في الشوارع لرؤيتها من شرفة غرفة الفندق. وخلال سفرها حول العالم، كانت تعلن حالات الطوارئ في المطارات والفنادق التي نزلت فيها.

إلا أن المغرب استفاد سياحيا من انتشار خبر زيارة «مونرو» إلى البلاد، خلال الحرب العالمية الثانية، خصوصا وأن الخبر تزامن مع الوجود الفعلي لآلاف الجنود الأمريكيين في المغرب، واهتمام الصحافة الأمريكية بيومياتهم وطبيعة المهمة التي جاؤوا من أجلها إلى بلادنا، والذين كانوا بالنسبة إلى الأمريكيين، قد ذهبوا إلى الطرف الآخر للمحيط الأطلسي.

كانت دور العرض الأمريكية وقتها تعرض أفلاما، ومشاهد حقيقية، لأخبار ويوميات الجنود الأمريكيين. وقد حظي المغرب بدعاية كبيرة عند الأمريكيين، عندما كانت تُبث مقاطع ليوميات القاعدة العسكرية الأمريكية في المغرب، وجولات الجنود الأمريكيين في الدار البيضاء والرباط. وعندما صُور فيلم «كازا بلانكا»، استفاد المغرب من دعاية أكبر، ربما يمكن اعتبارها أكبر دعاية إعلامية لبلادنا في تاريخ السينما العالمية. إذ إن الملايين حول العالم لا يزال المغرب مرتبطا بالنسبة إليهم بمشاهد فيلم «كازا بلانكا»، الذي كان أحد أهم الأعمال السينمائية في القرن الماضي.

في عالم خمسينيات القرن الماضي، كان صدور مقالات عن زيارة المشاهير إلى بعض الدول، وتصوير أفلام في أخرى، أكبر هدية يمكن أن تقدم إلى حكومة بلد ما. فما بالك أن المغرب استفاد من هذه الخدمات الإعلامية، حتى قبل حصول البلاد على الاستقلال، واستمر خلال السنوات الأولى لاستقلال البلاد.

خلال فترة حكم الملك الراحل محمد الخامس لم يكن المغرب يتوفر على آلة إعلامية تمكنه من المنافسة دوليا على استقطاب السياحة، أو التعريف بالبلاد في كل أنحاء العالم، وحتى لو خُصصت ميزانية بالملايين لهذا الغرض، فإنها لم تكن لتنجح. لكن أشهر المنابر الإعلامية وأشهر وجوه السينما، كرست نفسها «مجانا» لكي تقدم دعاية عالمية للمغرب، في وقت كان فيه مجرد صدور مقال في مجلة يستحق فعلا الاحتفاء.

 

فرنسيون تضايقوا من «العالمية» التي وصلت إليها الرباط ومراكش

خلال فترة حكم الملك الراحل محمد الخامس، كان تدويل القضية المغربية هاجسا أمام كل أنصار القضية المغربية. إيصال المغرب إلى المنتظم الدولي كان يحتاج إلى كثير من الإمكانيات، وهو ما لم يكن متوفرا.

المرة الأولى التي حاول فيها سياسيون مغاربة إثارة القضية المغربية، كانت خلال بداية أربعينيات القرن الماضي، عندما تقرر عقد اجتماع الأمم المتحدة في باريس، وكانت مصر الدولة العربية الأولى التي سوف تحضر في الاجتماع. ووقتها اقترح المغربي محمد بن الحسن الوزاني على الملك الراحل محمد الخامس، أن يستغل علاقة الدراسة التي تربطه بوزير الخارجية المصري، حيث درس الاثنان معا في باريس سنة 1933 في شعبة العلوم السياسية، ويطلب منه أن يثير القضية المغربية، ويدعو إلى استقلال المغرب عن فرنسا.

ورغم أن الملك المصري فاروق قد تحفظ على إثارة وزير خارجيته لهذا الموضوع في قلب باريس، خوفا على مستقبل العلاقة بين مصر وفرنسا، إلا أن رئيس الوزراء المصري ووزير خارجيتها كانا متعاطفين مع القضية المغربية.

بعد هذه الواقعة، أصبح المثقفون المغاربة على وعي بضرورة تدويل القضية المغربية، سيما بعد مؤتمر أنفا في الدار البيضاء، والذي عقد سنة 1943. إذ كان هذا المؤتمر دعاية كبيرة للمغرب، وعرف بالبلاد حول العالم، وأصبح مواطنو دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية يدركون أن المغرب بلد ضارب في التاريخ يئن تحت الحماية الفرنسية. وعندما تأسست القواعد الأمريكية في المغرب، لكي تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، حظي المغرب باهتمام الصحافة الأمريكية والعالمية.

أما في مجال السينما، وهو الذي شكل دعامة الدعاية الإعلامية الخارجية للمغرب، فقد كان المغرب وجهة لتصوير أشهر أعمال الخمسينيات. وفي هذا الملف نعرض أشهر نجوم السينما الذين كان الملايين حول العالم يتابعون أخبارهم في الصحف والمجلات الفنية، ولم يخفوا افتتانهم بالمغرب ومنحوا تصريحات صحافية وحوارات عبروا فيها بدون تحفظ عن إعجابهم بخصوصيات البلاد، التي تجمع بين الشرق والغرب.

+++++++++++++

تشرشل أوصل مراكش إلى كل بيوت بريطانيا

في بداية الخمسينيات عندما كان السياسي ورئيس الوزراء البريطاني «ونستون تشرشل» يستمتع بتقاعده، بعد أن تنازل عن مهامه في الحزب، كانت الصحافة البريطانية ما زالت مهتمة بكل أخباره.

سبق للصحافة البريطانية، خلال الحرب العالمية الثانية، أن تطرقت إلى سفر تشرشل إلى الدار البيضاء لحضور مؤتمر أنفا سنة 1943، مع كل من الرئيس الأمريكي روزفلت، والملك الراحل محمد الخامس، لبحث مستقبل أوروبا والتمهيد للتدخل الأمريكي لصد الألمان وحسم الحرب لصالح الحلفاء.

كتبت الصحافة الأمريكية والبريطانية وقتها عن مدينة في شمال إفريقيا، سيكون لها دور كبير في حسم الحرب العالمية الثانية.

ومن وقتها أصبحت علاقة «تشرشل» بالمغرب مرتبطة أساسا بمؤتمر أنفا. إذ بعد نهاية الحرب أصبح تشرشل بطلا قوميا في البلاد، وأشاد البريطانيون بالدور الكبير الذي لعبه لضمان انتصار بريطانيا وحلفائها على ألمانيا النازية.

وبعد تقاعد تشرشل، اتجه صوب مراكش لكي تلاحقه عدسات المصورين البريطانيين، بينما طارد صحافيو بلاده أخباره في المغرب وكتبوا عن علاقته بالباشا الكلاوي، وكيف كان يقضي أيامه في التجول في مراكش والكتابة والرسم.

حتى أن صحافيين بريطانيين حاولوا بعد وفاة تشرشل العودة إلى التنقيب وراء مساره في مراكش، بحثا عن مقتنيات أو مذكرات «ما» أو رسائل بخط يده، قد تكون في ملكية الذين التقاهم خلال مقامه بالمدينة.

ورغم أنه لم يقض وقتا طويلا في المغرب، إلا أن اللوحة الشهيرة التي رسمها لمشهد مراكش، والتي بيعت بملايين الدولارات، أثارت رغبة صيادي التحف في تعقب مساره، بحثا عن لوحات أخرى أو رسائل.

ارتباط «تشرشل» بمراكش جعل الصحافة البريطانية تهتم بإعداد مقالات في خمسينيات القرن الماضي، تتعقب رحلته في المغرب وتنقلها إلى البريطانيين على أنها واحدة من مغامرات أكثر السياسيين البريطانيين شعبية وإثارة للجدل.

حتى أن الإنجليز الذين زاروا المغرب ما بين سنتي 1956 و1960، تاريخ استقلال المغرب وحكم الملك الراحل محمد الخامس، كان أغلبهم في الحقيقة يقتفون مسار تشرشل، ويسألون عن الفندق الذي أقام به في مراكش. بل منهم من كانوا يحضرون معهم نسخا من المجلات البريطانية، ويُشهرون أمام إدارة الفندق والمرشدين السياحيين صورة أشهر لوحة رسمها تشرشل، خلال مقامه في المغرب، ويطلبون منهم أخذهم إلى الموقع الذي ألهم تشرشل لإنجاز اللوحة.

ساهم تشرشل في الترويج سياحيا لمغرب الملك الراحل محمد الخامس، وهو الأمر الذي لم يكن سهلا بالمرة. إذ إن تقارير السفارة البريطانية في المغرب وقتها، وتقارير المفوضية البريطانية في طنجة الدولية، كانت كلها توصي البريطانيين بعدم السفر إلى المغرب، خصوصا خلال أحداث 1955 والأشهر الأولى بعد استقلال البلاد، نظرا إلى أحداث التوتر والاغتيالات والمواجهات التي عرفتها الشوارع المغربية، بين من تبقى من المعمرين الفرنسيين وأعضاء المقاومة.

إلا أن الهاجس الأمني سرعان ما تلاشى أمام السحر الذين خلفته رحلة تشرشل، والذي عمر في نفوس البريطانيين عقودا، بل وازدادت حدته بعد وفاة الأخير، حيث توافد بريطانيون إلى مراكش خصيصا لزيارة الغرفة التي نزل فيها أحد أكثر رؤساء وزراء بريطانيا إثارة للجدل في التاريخ، إكراما لذكراه.

سامية جمال.. سيدة الشاشة العربية روجت لتارودانت مع «فرناندل» نجم فرنسا الأول سنة 1954

عندما جاء المخرج الفرنسي «جاك بيكر» إلى المغرب، بحثا عن مواقع لتصوير فيلمه «Ali Baba et les 40 voleurs» كان لديه هاجس يتمثل في اختيار قصر مناسب لتصوير القصة العربية الشهيرة عن «علي بابا والأربعون لصا».

وهكذا اكتشف سحر مدينة تارودانت، التي زارها ما بين سنتي 1952 و1954، حيث تلقى توصيات من الإدارة الفرنسية في المغرب لكي يتوجه إلى نواحي تارودانت، ووقع اختياره على قصر القائد السابق لمنطقة أولاد برحيل (45 كيلومترا شرق تارودانت).

وقع اختيار هذا المخرج على الممثلة المصرية الشهيرة سامية جمال، التي كانت شهرتها قد وصلت وقتها إلى كل الدول العربية وفرنسا أيضا، لكي تلعب دور الفتاة التي سوف يتزوجها علي بابا.

بينما آل دور علي بابا إلى الممثل الفرنسي الشهير «فرناندل»، ولعب «ديتير بورشا» دور البطولة أيضا في الفيلم، فيما حضر ممثلون فرنسيون كبار إلى ساحة التصوير، حيث وُزعت عليهم أدوار أخرى في الفيلم، مثل «هنري فيلبرت» و«إدوارد ديلمونت»..

كان تصوير الفيلم المقتبس من قصة عربية، في إقليم تارودانت، خبرا اهتمت به كل الصحف الفرنسية الصادرة في المغرب ما بين سنتي 1952 و1954، وهي المدة التي استغرقها إخراج الفيلم إلى الوجود ما بين الزيارات الأولية للمخرج إلى نواحي تارودانت، وإحضار طاقم التصوير وإعداد الفيلم لكي يُعرض في كبريات دور العرض العالمية، وليس في فرنسا فقط.

اهتمام الصحف في فرنسا بالفيلم ونقل صور كواليس تصويره أولا بأول، جعل آلاف الفرنسيين يفكرون جديا في زيارة تارودانت، سيما وأن الفيلم قدم المنطقة على أنها ما زالت تعيش على إيقاع قصص «ألف ليلة وليلة»، وهي القصص التي فُتن بها الفرنسيون ولاحقوها أينما وُجدت.

وفعلا «حج» الفرنسيون إلى المغرب لمتابعة كواليس تصوير الفيلم السينمائي، وبعد عرضه، حج الآلاف مرة أخرى لكي يزوروا موقع التصوير، خصوصا القصر التاريخي الذي جرت فيه أغلب أحداث الفيلم.

بينما كان معجبو «سامية جمال»، التي كانت تلقب بسيدة الشاشة، وتشتهر في فرنسا بوصلات الرقص الشرقي، لا يجدون مانعا في تكبد عناء السفر إلى المنطقة التي صُور فيها الفيلم، واقتناء الأثواب واللباس المحلي واقتفاء آثار سامية جمال التي التقطت لها مجلات الموضة الشهيرة صورا نُشرت بعد إطلاق الفيلم، كانت ترتدي فيها اللباس المغربي.

الفيلم شكل دعاية كبيرة للمغرب، رغم أنه خرج إلى قاعات العرض في سنة حرجة جدا كان خلالها المغرب يعيش على صفيح ساخن، بسبب أزمة العرش ومفاوضات عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وانتشار بؤر العمليات المسلحة ضد المعمرين الفرنسيين في المغرب. لكن هذا كله لم يمنع أبدا معجبي سامية جمال، والنجم الفرنسي «فرناندل»، الذي كانت تلاحقه المعجبات أينما حل وارتحل، من زيارة المغرب وعيش تجربة «ألف ليلة وليلة» بأنفسهم في إقليم تارودانت، حتى قبل أن يحصل المغرب على الاستقلال.

 

كاثرين دونهام.. حاولت تعلم رقصة أحيدوس وروجت للمغرب في أرقى مجلات «نيويورك»

عندما نشرنا في «الأخبار» ترجمة حصرية لمذكرات الصحافية الأمريكية «مارفين هاو»، في يناير 2021، تطرقنا إلى قصة لقائها في المغرب سنة 1953 مع أيقونة الخمسينيات الأمريكية «كاثرين دونهام». حيث خصصت لها هذه الصحافية الأمريكية مراسلة نُشرت في الصحافة الأمريكية، نقلت فيها كواليس إقامتها في المغرب وسجلت إعجابها الكبير بمدينة الرباط، وانبهارها برقصة أحيدوس وكيف أنها حاولت تعلم الرقصة المغربية في ساعات فقط، وأثارت إعجاب الأمريكيين الذين رافقوها خلال الرحلة في المغرب.

حلت كاثرين دونهام في المغرب، أشهرا قبل نفي العائلة الملكية إلى مدغشقر (العائلة الملكية نُفيت في يوم 20 غشت 1953). لم تكن هذه الممثلة الاستعراضية الشهيرة في أمريكا مدعوة إلى المغرب بشكل رسمي، وإنما رافقت زوجها الذي كان يعمل بدوره في المجال الفني، والذي تلقى دعوة غير رسمية لشرب الشاي مع الأمير مولاي الحسن في إقامته الخاصة بالرباط، رفقة ثلاثة من أعضاء الفرقة الفنية التي كان يديرها الزوج.

كاثرين التي جاءت إلى المغرب بدون دعوة، وإنما مرافقة فقط لزوجها، كانت تنوي البقاء في الفندق بالرباط، لولا أن ولي العهد الأمير مولاي الحسن أصر على ضيفه لكي يحضر زوجته بغية مشاهدة الحفل المقام على شرفه. وهناك بدأت علاقة الممثلة كاثرين دونهام، أيقونة الشاشة في هوليوود، بقصة رقصة أحيدوس.

تقول مارفين هاو، الصحافية الأمريكية التي عملت في المغرب ما بين سنتي 1950 و1954، والتي كانت حاضرة خلال الحفل، بدعوة من الأمير ولي العهد، إن كاثرين أعربت لولي العهد عن إعجابها الكبير بفرقة أحيدوس التي كان أعضاؤها يؤدون رقصة على إيقاع الدف، ويطوفون في ساحة داخل حديقة إقامة الأمير.

أظهرت الممثلة الأمريكية اهتمامها بإيقاع الرقص والأداء، فعرض عليها الملك الراحل الحسن الثاني المشاركة. ووافقت على الفور، حسب ما نقلته الصحافية الأمريكية في مقالها الذي نشر في الصحافة الأمريكية في السنة نفسها، والذي كان بمثابة استطلاع عن الحفل.

تؤكد مارفين هاو أن ولي العهد الأمير مولاي الحسن حمل الدف بنفسه وشرع يضرب وفق الإيقاع الذي تلعب به فرقة أحيدوس، وأمر نسوة من الفرقة أن يسايرن الإيقاع وتقلدهن الممثلة الأمريكية الشهيرة.

وحسب «هاو» دائما، فإن الممثلة الأمريكية لم تستغرق سوى دقائق فقط لكي تلحق بالإيقاع وتساير النساء في الرقص.

وكانت المفاجأة التي حضرتها لولي العهد أنها عرضت أن تصمم رقصة من رقصاتها الشهيرة في السينما، وتدخل عليها تعديلات لفن أحيدوس المغربي، لتصنع مزيجا تقدمه هدية إلى ولي العهد وضيوفه.

كان صدى اهتمام المشاهير الأمريكيين بالمغرب كبيرا في الصحافة الأمريكية، خلال خمسينيات القرن الماضي. والمثير أن الترويج للمغرب وقتها كانت له أهداف عسكرية، باعتبار وجود قواعد أمريكية في المغرب، وهو ما جعل آلة الدعاية الأمريكية لهذه القواعد تتقوى باستعمال صور مشاهير السينما والاستعراض في هوليوود.

تشي غيفارا.. عندما وصلت «الرباط» إلى كل جرائد العالم

زار «تشي غيفارا» المغرب في صيف سنة 1959. وكان وصوله إلى الرباط حدثا كافيا لكي تنقل كل صحف العالم، بدون مبالغة، كواليس سفر أيقونة «الثورة» وتوقفه في المغرب.

كان «تشي» كما يحب مناصروه أن ينادوه في أمريكا اللاتينية، على صداقة متينة مع الوزير الأول المغربي عبد الله إبراهيم.

وكان وصول «تشي» إلى دولة ملكية إسلامية محافظة مثل المغرب حدثا مهما، خصوصا وأن موقفه من أنظمة الحكم في العالم، ومعاداته لأمريكا ودعوته إلى الاشتراكية، كل ذلك كان لا يخفى على أحد.

وجد «تشي» في استقباله عبد الله إبراهيم، الذي كان وقتها زعيما سياسيا كبيرا وقائد تجربة حكومية في المغرب، وإلى جانب عبد الله إبراهيم كان عشرات الصحافيين يرابطون قرب المطار في انتظار فرصة طرح الأسئلة على غيفارا.

طيلة الطريق من المطار إلى فندق «باليما» في قلب العاصمة الرباط، كانت أعين الفضوليين تلاحق «تشي»، أشهر متمرد وثائر في العالم خلال سنوات الخمسينيات.

بينما نشرت الصحف الناطقة بالفرنسية في المغرب، مقالات تتخوف من تداعيات زيارة هذا الثائر إلى بلادنا وإمكانية تحريضه لقدماء المقاومة على حمل السلاح ضد النظام، أو أن يدعوهم إلى التخلص من الأمريكيين والفرنسيين الذين كانوا يعيشون في المغرب.

بل إن بعض الصحف كتبت وقتها عن إمكانية اغتيال السفارة الأمريكية في الرباط لـ«تشي غيفارا»، على اعتبار أنه أشهر أعداء أمريكا في العالم.

لكن شيئا من هذا لم يقع، بل إن غيفارا استمتع بأيام راحة في فندق «باليما»، حيث التقى بأبرز اليساريين المغاربة من حزب المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وآخرين. والتقى الطلبة المغاربة اليساريين الذين كانوا متحمسين لأفكار اليسار ويؤمنون بالمشروع الاشتراكي.

ظهر، منذ الساعات الأولى لوصول غيفارا إلى المغرب، أن صحف العالم كله تسعى وراء أخباره وتتصل بمراسلين مقيمين في المغرب لتحصل منهم على مقالات وصور حصرية، بخصوص رحلته من التقاهم في المغرب، وما إن كان مبرمجا أن يلقي محاضرة ما، وتوقع موقف السلطات المغربية. إذ كان متوقعا أن توقف الأنشطة التي قد تتم برمجتها احتفالا بوصول غيفارا إلى المغرب، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

إذ كان الرحلة إيجابية وروجت لصالح المغرب في الصحافة العالمية، دون الحاجة إلى شراء أي مساحات إعلانية.

بل إن بعض الصحف الأمريكية هاجمت «غيفارا» ودعت الأمريكيين إلى رؤية الوجه الآخر لزعيم الثوار في العالم، واتهمته بأنه مجرد انتهازي يدغدغ أحلام الفقراء حول العالم، خصوصا في أمريكا اللاتينية، وفي الوقت نفسه يستغل سمعته لكي يقضي «أحسن عطلة في حياته، مستمتعا بشمس المغرب وهدوء العاصمة الرباط».

هذه العبارة لوحدها كانت أكبر دعاية للسياحة في المغرب.

بعد مقتل «غيفارا» سنة 1968، حج آلاف معجبيه إلى المغرب لكي ينزلوا في فندق «باليما»، ويبحثوا عن الغرفة التي نزل فيها «تشي» الثائر، بالضبط لكي يحجزوا ليلة داخلها، إكراما لذكراه.

نُشرت أخبار بعد مغادرة «غيفارا» للمغرب، مفادها أن الملك الراحل الحسن الثاني، وكان وقتها وليا للعهد، كان قد أعطى تعليمات لاعتقال «غيفارا». حيث راج أن مدير الأمن المغربي وقتها، محمد الغزاوي، كان تلقى تعليمات باعتقال غيفارا.

لكن عبد الله إبراهيم، الوزير الأول وقتها، وضح الأمر قائلا إنه كان وراء توجيه الدعوة إلى «غيفارا» لزيارة المغرب، وإنه من المستحيل أن يتم اعتقال ضيف الوزير الأول. إذ إن الدعوة لم تكن لتوجه إليه أصلا إن كانت هناك احتمالية لاعتقاله.

والمرجح أن يكون مدير الأمن قد شدد الحراسة حول غيفارا، بسبب ملاحقة المعجبين له في الرباط، وهو ما جعل بعض الصحف الدولية تكتب أن الأمن المغربي قد اعتقل غيفارا في شوارع الرباط.

وتحدث عبد الله إبراهيم في مذكراته عن الواقعة، لكنه لم ينف حدوث الاعتقال، وقال إنه اتصل بمدير الأمن الذي حاول أن يفسر له اعتقال غيفارا، الذي لم يدم إلا لساعات قليلة، على أنه إجراء أمني فقط مخافة أن يتعرض لاعتداء في الشارع.

وإلى الآن لا يزال معجبو «غيفارا» يعتبرون زيارته إلى الرباط حدثا يستحق الاحتفاء. إذ إن نضاله ومواقفه كانت وراء تقييد تنقلاته حول العالم، سيما في السنوات الأخيرة التي سبقت مقتله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى