
لا أحد ينكر التقدم الذي حققته المملكة في مجموعة من الميادين، ولا أحد أيضا من المؤسسات الرسمية والفعاليات الجمعوية والحقوقية والقطاعات الوزارية المعنية، ينكر أن المناطق القروية ما زالت تعاني من التهميش والإقصاء والحاجة إلى التنمية الشاملة، وتجويد الخدمات الصحية، وضمان الحق الدستوري في التعليم وفق تكافؤ الفرص، والحرص على الحكامة في التسيير، وتتبع صرف المال العام، والمحاسبة في الصفقات العمومية وبرامج الدعم الفلاحي ومشاريع فك العزلة.
ومن المشاكل المستعصية التي تعانيها المناطق القروية النائية، عدم التزام المجالس المعنية وبعض الجهات المتدخلة بالوعود الانتخابية المعسولة، والتأخر في تنفيذ مشاريع فك العزلة لتعثر التمويل، وتبعات الصراعات الانتخابوية الفارغة التي تعطل التنمية، وفشل المنتخبين في التسيير وتحولهم إلى عبء ثقيل على الدولة، وتزعمهم المسيرات والاحتجاجات، وكأن مسؤولية السلم الاجتماعي لا تعنيهم، وتجويد الخدمات والاجتهاد في البحث عن حلول للتنمية ليس من صميم مهامهم.
لا يمكن القفز على معاناة سكان المناطق النائية، مع اختلالات الصحة، وقطعهم مسافات طويلة طلبا للعلاج لدى طبيب عام فقط دون اختصاص، وانتشار البطالة وغياب التكوين، والمعاناة مع العزلة والنقل السري، والأنشطة الفلاحية المعاشية التي لا تكفي حتى لسد الحاجيات الضرورية، واختلالات النقل المدرسي، وغياب التغطية الجيدة لشبكات الاتصالات، وضعف الميزانيات المرصودة لتشجيع الاستثمارات وتطويرها.
وعندما نأتي على سرد جزء من معاناة سكان المغرب العميق، فإننا لا نفعل شيئا جديدا، لأن هناك العديد من التقارير الصحافية والرسمية التي تحدثت عن ذلك، والمفروض الآن هو تحديد المسؤوليات لربطها بالمحاسبة، في كافة اختلالات الصفقات العمومية وتأخرها والغش في مشاريع فك العزلة، والصرامة في تتبع الملايير التي صرفت من قبل مجالس الجهات ومجالس الجماعات والقطاعات الوزارية المعنية، لتخفيف حدة الفقر وتجويد التعليم والصحة وتحقيق العدالة المجالية، وكذلك الدعم الذي شمل تطوير القطاع الفلاحي لتوفير فرص الشغل.
إن الجماعات الترابية ومجالس الجهة كمؤسسات دستورية، وجدت لخدمة السكان عن قرب والبحث عن شراكات واتفاقيات للتنمية، والاجتهاد في إيجاد حلول للمشاكل التي تعانيها المناطق المعنية، والتجاوب مع الشكايات التي ترد من المواطنين وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، أو تقديم الاستقالة، في حال الفشل والعجز عن تقديم قيمة مضافة للشأن العام المحلي والجهوي.
لقد دقت تقارير صحافية ناقوس إنذار يشير إلى سير المغرب بسرعتين، الأولى تتعلق بالمشاريع العملاقة التي تبهر الدول الكبرى بالعالم، والثانية المتعلقة ببطء وتيرة التنمية القروية، وتعثر قطاعات الصحة والتعليم والشغل، وتراكمات فشل المجالس الجماعية، وتأخر مشاريع فك العزلة، وعدم الالتزام بالجدولة الزمنية لعدد من البرامج التنموية، وهو الشيء الذي يتطلب من الجميع العمل على معالجته وخلق توازنات، تمكن البلاد من تحقيق التقدم والازدهار في ظل الاستقرار وحماية السلم الاجتماعي.
إن معاناة ومشاكل المغرب العميق لا تستحمل مزايدات انتخابوية فارغة، ولا المتاجرة السياسية بمآسي الفئات الهشة والفقيرة، بقدر ما يتطلب الأمر العمل الجاد، للبحث عن الحلول الناجعة لتجويد الحياة بالمناطق النائية، والصرامة في تتبع المشاريع التنموية، والتنسيق بين كافة الجهات المعنية لتنزيل التعليمات الملكية السامية، بتنمية المناطق القروية بروح وطنية عالية، وتقدير المسؤولية أمام الله والوطن والملك.





