
يونس جنوحي
مع بداية السبعينيات، عاد مولاي المهدي العلوي إذن إلى باريس، مثقلا بالتجارب التي عاشها «ميدانيا» في إطار اهتمامه بالقضية الفلسطينية، وحضوره في إطار مؤتمرات الاشتراكية العالمية.. وظل قضية اختفاء المهدي بن بركة لا يزال يلاحقه.
في باريس، عاش العلوي قضايا السبعينيات، أولاها المحاولتان الانقلابيتان، صيف سنتي 1971 و1972، وقبلهما عاش «شظايا» ما وصل إليه بشأن محاكمة مراكش الكبرى سنة 1970، والتي ذُكر فيها اسمه من بين المتهمين بالتخطيط لقلب النظام الملكي في المغرب، وإدخال الأسلحة لإطلاق ثورة مسلحة.
من المهم، فعلا، الاطلاع على رواية أحد من كانوا قريبين من عبد الرحمن اليوسفي، المعارض المنفي، وعبد الرحيم بوعبيد المعارض من الداخل. وهنا، في هذه المذكرات، يحكي العلوي عن ذكرياته مع محاكمة مراكش، ثم المحاولتين الانقلابيتين. يقول:
«عدت إلى باريس، وكان عملي منصبا على تبعات ما يجري في المغرب بعد أن فتحت معركة جديدة بين حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والنظام، والتي كان من نتائجها إلقاء القبض على العديد من الإخوان في القيادة، كمحمد اليازغي وعمر بنجلون والفقيه محمد الحبيب الفرقاني، وهو ما مهد لما سيعرف بمحاكمة مراكش أو مؤامرة 1970 التي كان المتهم الرئيسي فيها هو المرحوم محمد الحبيب الفرقاني (الغيغائي)، ووصلني لظى هاته المحاكمة حين ذكر الفرقاني في استنطاقه أنه التقى بالفقيه البصري في بيتي بباريس.
لهذا الغرض اتهمت، من جديد، في هذه القضية وطالب ممثل الاتهام من جرائها بإعدامي، غير أن المحاكمة توقفت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 1971.
في هذه الظروف عشنا سيطرة مطلقة للجنرال أوفقير وجماعته على الوضع وعلى دواليب الحكم، ذلك أن همّه الأوحد كان هو تصفية المعارضة ثم التسلط والاستفراد بالحكم.
ونذكر هنا أن عدة محاولات فشلت من أجل محاصرة الملك، ولكن الظروف والملابسات على الصعيد الداخلي والخارجي ساهمت في تشكل قناعة لدى بعض الضباط ليقوموا بمحاولة تغيير بدعوى أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في المغرب غير لائقة، خاصة أن الرشوة المتفشية أصبحت قاعدة للحكم والتسيير، ولكن الأقدار الإلهية أنقذت المغرب من مغامرة انقلاب 1971 بالصخيرات التي قادها عسكريون، وعلى رأسهم امحمد عبابو والمذبوح.
فقد رأى المغاربة بأعينهم كيف تصرف قادة هذه المحاولة مع المواطن المغربي بمختلف فئاته داخل أو خارج المعارضة، سواء كان زعيما سياسيا، أو عالما، أو سفيرا أو موظفا.
كانت مجزرة الصخيرات التي شاهدها العالم من خلال ما تسرب عنها من صور وأحداث القتل والفتك نموذجا لما كان يخبئ هؤلاء لبلدهم بعد سيطرتهم على الوضع. إذ لم يكن هناك أي توجه فكري أو مخطط إصلاحي أو رؤية، بل حتى الخلافات الشخصية والجانبية كانت تترجم بعض سلوكاتهم، إذ عمدوا، بعد ذلك، إلى تصفية بعضهم البعض. ولعل هذا ما دفع بالمهدي بن بركة قبل اختطافه إلى القول، في تصريح لجريدة الأهرام المصرية:
الجيش المغربي عقبة في طريق أي تطور ديمقراطي في بلادنا، وبالأحرى هو ضد كل محاولة ثورية. فالجيش المغربي مختلف عن كل الجيوش الأخرى في أنه جيش محترف، لم يؤسس للخدمة الوطنية، إضافة إلى أن بعض عناصره الموجهة على المستوى الأعلى في قياداته ذوي ماضٍ مشبوه، أُعِدُّوا ودُرِّبوا وخدموا وتميزوا وكُوفِئُوا في حروب الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية، التي خاضت آخر معاركها في «ديان بيان فو» والجزائر. وولادة دولة المغرب المستقلة لم تغير رأي هذه العناصر حول كفاح الشعوب».
بعد ذلك انتقل العلوي في هذه المذكرات إلى سرد تفاصيل المحاولة الانقلابية لسنة 1971، والتي سُميت باسم قصر الصخيرات حيث دارت رحى أحداثها الأليمة. ونقل ما نُشر في الصحافة وما تناقله الشهود، الذين كان العلوي يعرف بعضهم معرفة وثيقة..
ثم انتقل إلى وصف تفاصيل المحاولة الانقلابية الثانية التي استهدفت طائرة الملك الراحل الحسن الثاني، صيف 1972، في طريق عودته إلى المغرب.. والتي كان مهندسها هو الجنرال أوفقير نفسه. وختم العلوي شهادته: «وفي ظني، لقد اعتقد الجميع، حكومة ومعارضة، بعد هذه الهزة الثانية، بأن إيجاد حل للتفاهم السياسي هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلد من المغامرات الطائشة، من خلال حل ديموقراطي يُخرج المغرب ونظامه من هذه الدوامة التي لا أفق لها والتي كان يديرها ضباط الجيش المقربون من الملك».





