
حسن البصري
في مقهى لا يبعد كثيرا عن ملعب مركب محمد الخامس، جلس ثلاثة شبان يبدو من خلال نقاشهم المسموع أنهم مواطنون جزائريون، كانوا يتحدثون عن مباراة فريقهم ضد غينيا.
كان النادل الودادي يذكرهم بفضل بادو الزاكي، حين قاد فريق شباب بلوزداد للظفر بكأس الجزائر، وكان أحدهم، العارف بتاريخ العلاقات الكروية بين البلدين، يرد عليه بحماس ويذكره بفضل رابح سعدان الجزائري على الرجاء الرياضي.
تطور النقاش وكاد أن يتحول إلى سجال أشبه «بالاتجاه المعاكس»، قبل أن يتدخل مسير المقهى، وينهي النقاش بالترحيب بضيوف المغرب، ويتحمل فاتورة ما تناولوه من قهوة سوداء وما نثروه من دخان أسود.
لكن حين كان الشبان الثلاثة يهمون بمغادرة المقهى، عاد أحدهم إلى المائدة ليأخذ سيجارته الإلكترونية التي كاد أن ينساها، فكشف عن جنسيته التونسية، وقال للنادل بنبرة الناصح:
«لا تنسوا فضل الكرة التونسية عليكم، في بركان معين الشعباني وفي كازابلانكا لسعد الشابي».
سحب مسير المقهى النادل، وأمره بوقف السجال العقيم، قبل أن يتبين بأن المشجعين جزائريان وثالثهم صديقهم التونسي. كان هذا الأخير يرتدي قميص نجم الساحل التونسي، لكنه مساند لمنتخب الجزائر ضد غينيا، من باب انصر جارك.
قال مسير المقهى، وهو يعاتب نفسه: «تعفيهم من الأداء ولا تسمع منهم كلمة شكر».
لكن، لماذا يحشر التونسيون أنفسهم في قضايا لا تعنيهم؟
لماذا يضعون حناجرهم رهن إشارة الجزائريين؟
لماذا يرافعون بالنيابة عن بلد لا يمثلهم؟
يبدو أن المشجع التونسي اختار لنفسه اتباع ملة رئيسه قيس سعيد، الذي جعل لبلده راعيا رسميا ومستشهرا بعقد مفتوح اسمه غاز الجزائر.
لهذا حشر المشجع التونسي أنفه في سجال ليس على مقاسه، ووضع نفسه رهن إشارة جمهور الجزائر، على سبيل الإعارة، فكل ما تملكه تونس في هذا الحدث، طائرة تابعة لشركة تونسية استأجرتها الاتحادية الجزائرية لنقل منتخبها إلى الدار البيضاء مباشرة لتفادي قرار إغلاق الأجواء المغربية في وجه الطيران الجزائري.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن مدرب نجم الساحل التونسي، لسعد الدريدي، كاد أن يفسد مباراة ودية جمعت، يوم السبت الماضي، فريقه التونسي بالكوكب المراكشي، حين رفض مغادرة الملعب إثر طرده من طرف حكم المباراة، بل وأمر لاعبيه بمغادرة الملعب قبل انتهاء زمن المواجهة «الودية».
أصر المدرب التونسي على «هدم» خيمة العرس الكروي، وكاد أن يحول المباراة الحبية إلى مباراة ثأرية. وحين أطلق الحكم صافرة النهاية طلب من لاعبيه عدم مصافحة لاعبي كوكب مراكش.
لحسن الحظ أن الهيئة المديرة للنجم الرياضي الساحلي التونسي استدركت بالأمس زلة المدرب، ونقلت، في بلاغ رسمي، «عبارات الشكر والامتنان لإدارة الكوكب الرياضي المراكشي لما حظيت به بعثتنا من كرم الضيافة وحسن الاستقبال بمناسبة اللقاء الودي الذي جمع فريقينا بمدينة مراكش الفاضلة، وهو ما من شأنه أن يوطد أواصر الصداقة بين ناديينا».
انتفض جمهور نجم الساحل ضد المدرب/الفتنة، وطالبت فئة واسعة رئيس النادي بإقالته من مهامه، بسبب النقص الحاد في منسوب الروح الرياضية، وإصراره على تصريف ضغينة قيس بن «المدوح» في ملاعب الكرة، كلما تعلق الأمر بمواجهة مغربية- تونسية.
المدرب التونسي، الذي أرغد وأزبد في مباراة ودية، يحمل في قلبه غصة إقالته من تدريب أولمبيك خريبكة قبل عامين، حين عجز عن تحقيق ولو انتصار يتيم في ثماني مباريات متتالية. قال له رئيس «لوصيكا»: «إني خيرتك بين الاستقالة والتقاضي»، فسل الشعرة من العجين وغادر إلى تونس وفي جيبه شيك الترضية السمين وفي قلبه برشا أحقاد.





