شوف تشوف

الافتتاحية

افتتاحية

المتتبع للنقاشات البرلمانية التي عرفتها جلسة المناقشة العامة لمشروع قانون تقنين القنب الهندي، يكتشف بالملموس أن برلماننا لا زال بعيدا كل البعد عن الخطاب العقلاني للسياسات والقوانين ذات الرهانات الكبرى. فالكثير ممن تدخلوا من النواب من مختلف ألوان الطيف السياسي يشعرون بأن البرلمان مجرد فضاء منبري للحديث كثيرا دون قول أي شيء، والبعض يرى فيه، كما وصفه الملك الراحل الحسن الثاني، “سيرك” يصلح فقط لممارسة الحركات البهلوانية التي تخلق نوعا من الفرجة السياسية و”البوز” الإعلامي، وآخرون يرون فيه حلبة مصارعة حرة حيث يتبادل البرلمانيون الاتهامات ويتراشقون بالبوليميك حتى أصبح هذا الوضع شبه مألوف، وعاديا جدا لدى الرأي العام، بل أن هذا الأخير قد يتساءل إذا مرت جلسة برلمانية في هدوء تام.

مقالات ذات صلة

الغائب الأكبر في جلسة المناقشة البرلمانية التي تطلبت حوالي سبع ساعات، هو غياب التقييم الموضوعي لقانون القنب الهندي والجدوى منه على المستوى الحقوقي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وضعف اطلاع النواب على التجارب الدولية في مجال تقنين الكيف للاستئناس بها، وهذا بالطبع مشكل مرتبط بطبيعة النخبة البرلمانية المحدودة المعارف. فالرافض للمشروع، ونقصد هنا حزب العدالة والتنمية، لم يقدم أي حجج تثبت تهديد القانون للنسق الاقتصادي والاجتماعي، بل اختزل رفضه في مقاربة أخلاقوية تحاول اللعب على وتر التحذير من الانحلال الأخلاقي وتشجيع تعاطي المخدرات بينما نفس الفريق البرلماني يصوت منذ عشر سنوات متتالية على ملايير الدراهم المتأتية من الخمور والجعة والسجائر ورسومات الكازينوهات وعائدات اليانصيب والقمار والشيشة، دون أن يضع في حسبانه مخاطر تلك الأموال على أخلاق المواطن، بينما انبرى الفريق الآخر للدفاع عن المشروع دون رؤية واضحة وربما يدافع عنه فقط لأن واضعه هو وزارة الداخلية وليس لأنه سيحقق النفع العام.

في الحقيقة فإن قانون تقنين القنب الهندي يعد ثورة قانونية واقتصادية واجتماعية من شأنه أن يقدم فرصا استثمارية ضخمة في المناطق الشمالية التي تضررت كثيرا من سياسات وطنية بفعل عوامل تاريخية وسياسية وجغرافية، وإلى أن يصل هذا المشروع إلى حيز النفاذ، فدور المشرع يبقى حاسما في إخراج نسخة قانونية قادرة على إنتاج الخير العام، لكن في نفس الوقت إغلاق المنافذ التي يمكن أن تزيغ بالقانون عن مقاصده النبيلة وتحوله إلى مصدر للاتجار غير المشروع، وبدل أن تدفع الحسابات السياسية والرهانات الانتخابية البعض إلى تعطيل القانون بحيل قانونية بالية من مثيل تأخير المصادقة إلى حين استصدار تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو ما ستسفر عنه المهمة الاستطلاعية، فإن الأولى أن يبحث كيف تمنح الأولوية لسكان المناطق الشمالية للاستفادة من خيرات المشاريع التي سيخلقها المشروع للتخفيف من ثقل البطالة والإقصاء الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى