الافتتاحيةالرئيسيةتقاريرسياسية

القوانين وحدها لا تكفي

صادقت الحكومة في مجلسها الأسبوعي على خمسة نصوص قانونية مرتبطة بتنزيل قانون الإطار، الذي أشر عليه الملك محمد السادس الصيف الماضي، ولا نبالغ إذا قلنا إن اجتماع مجلس الحكومة الذي صادق على هاته الترسانة القانونية يعد أهم مجلس انعقد خلال العشرين سنة الأخيرة، بالنظر إلى ثقل القوانين الاستراتيجية التي صادق عليها والتي تهم إحداث الهيئة العليا للصحة، وإحداث المجموعات الصحية الترابية، ووضع الضمانات الأساسية الممنوحة للموارد البشرية بالوظيفة الصحية، وإنشاء الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، بالإضافة إلى إحداث الوكالة المغربية للدم ومشتقاته.

وإذا كانت مشاريع قوانين الصحة المصادق عليها أمر لا بد منه، لإعادة تنظيم هذا القطاع الاستراتيجي الذي تعرض للإفلاس والانهيار، لكنها ليست هدفا في حد ذاتها، إذا لم تصلح تلك المشاريع لتكون ضابطا لتجويد الخدمة العمومية في مجال الصحة، وأن تكون سلطانا على الظاهر والباطن، وسلاحا في وجه المتحايلين على القوانين، وتطويع نصوصها لتحقيق أهواء اللوبيات الصحية والدوائية.

وإذا كانت تلك المشاريع عاجزة عن أن تكون زاجراً ورادعاً للفساد وقلة الحكامة والممارسات اللامشروعة في قطاع الصحة، وإذا كانت الأهداف النبيلة لتلك المشاريع لا تصل إلى مستشفيات المواطنين البسطاء، فإنها ستكون مجرد إنشاء كتب على أوراق نشرت في الجريدة الرسمية.

ومهما افترضنا في مشاريع قوانين الصحة من عدالة اجتماعية ومجالية وإنصاف في ممارسة حق دستوري وتنزيل لشعارات انتخابية وبرامج حكومية، فإنها على كل حال ليست لها قوة ذاتية وإنما قوتها تكمن في حسن تطبيقها لتؤتي نتائجها، وهذا بصراحة دور الحكومة القائمة على توفير شروط التطبيق وإظهار «العين الحمرا» تجاه من يحاول إفراغ كل الإصلاحات من مضمونها وجعلها بدون أثر على حياة المواطنين.

وللأسف أضحت ثقافة مقاومة الإصلاح منهجا منظما وجزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وعاملا مؤثرا سلبيا في مصير قوانين وقرارات عمومية، ولا نحتاج إلى تدليل ذلك، لأننا عشنا وتعايشنا مع قوانين واستراتيجيات ومخططات بأهداف نبيلة، ورأينا كيف تحولت إلى سراب وكوابيس بل تحولت فقط إلى ثقب في ميزانية الدولة.

وإذا كانت مصادقة الحكومة على قوانين وازنة في مجال الصحة تعد مؤشرا على مدى التزامها السياسي في تنفيذ الشعارات التي رفعتها في الانتخابات، فإنه لا يمكنها تغيير عقلية الإدارة الطبية ومواردها البشرية وبنياتها التحتية وكلفتها المالية بقوانين، بل لا بد من الإرادة والحزم الحكوميين لتحقيق تغيير جوهري وعميق للمنطق الفاشل الذي يهيمن على المجال الصحي. وهنا نؤكد أنه لا يمكن إصلاح الصحة بأدوات فاسدة ومسؤولين عديمي الكفاءة، كما لا يمكن للمواطن أن يقتنع بقيمة القوانين ما لم تتم ترجمتها إلى إجراءات وقرارات ترى بالعين المجردة وتلمس بالمكان والزمان، فمادام المواطن يعاني من انقطاع أدويته وطول مواعيد استشفائه ومركزة المؤسسات الاستشفائية العامة والخاصة بين الرباط والدار البيضاء، فسيترسخ في ذهنه أنه لا طائل من القانون مهما كانت مضامينه وأهدافه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى