شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

أبطال في الخفاء أطباء ورجال أعمال ورياضيون وفنانون يتطوعون سرا

 

 

حين ضرب زلزال رهيب جبال الأطلس بلغت قوته سبع درجات على مقياس «ريشتر»، مخلفا خسائر في الأرواح والممتلكات، وهو الأعنف في تاريخ الزلازل بالمغرب، شرعت السلطات المغربية في التفكير الجاد في إنقاذ ضحايا زلزال استثنائي ركزت ضرباته على نسبة كبيرة من سكان القرى، خاصة التجمعات السكنية التي تعاني من زلزال الهشاشة.

منذ الساعات الأولى، ركزت جهود إنقاذ المنكوبين وانتشال القتلى والمصابين عبر قوات الإغاثة، التي انتقلت إلى بؤر الفاجعة منذ الساعات الأولى من صباح يوم السبت الذي تلا الضربة الموجعة. وما أن أزيل الستار على يوم جديد اتسعت دائرة التضامن في مدن المغرب مع المتضررين من الزلزال وكانت البداية بطوابير المتبرعين بالدم وبالأدوية.

في طوابير المتبرعين بالدم، ومن أمام مراكز تحاقن الدم في ربوع المملكة، بدأت شرارة الأفكار التطوعية الفردية والجماعية، خاصة بعد نداءات الاستغاثة القادمة من المناطق المنكوبة، كان جميع المغاربة يفكرون في صيغ للدعم بكل ما ملكت أيديهم، ولم تنحصر البادرة في أفراد الشعب المغربي بل امتدت لأشخاص آخرين منهم السياح العابرون والرعايا المقيمون والزائرون الذين يكنون حبا خاصا للمغاربة.

المبادرة الثانية، بعد مبادرة التبرع بالدم، هي جمع المواد الغذائية والألبسة والأفرشة والأغطية للمنكوبين، حيث وضع العديد من أفراد الشعب مساكنهم ومحلاتهم رهن إشارة الحملات التضامنية، وحولوها إلى مخازن للمساعدات قبل الإقلاع صوب المناطق المتضررة، بعد فرزها وتلفيفها وتحديد وجهتها.

أتاح الزلزال فرص التضامن والتآزر لكل من يملك في قلبه ذرة عطف، فالتبرع لم يعد مرادفا للثراء، وباب الخير لا يملك مفاتيحه الأغنياء فقط، بل إن الفاجعة قد كشفت عن وجوه تسعى للخير في صمت وبمبادرات تبدو في غاية البساطة.

 

رجل أعمال بريطاني في قلب الفاجعة

صادف وجود رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون حدث الزلزال فعاش عن قرب تبعاته ولمس حجم النكبة التي ضربت مناطق يعرفها صاحب شركة «فيرجن» حق المعرفة.

ما أن استجمع أنفاسه، ووضع رفقة مستشاريه خطة لمساعدة صامتة، حتى انتقل إلى منطقة الحوز للوقوف على حجم الأضرار التي خلفها الزلزال المدمر، وكذلك تقديم يد المساعدة للمتضررين.

كان لمبادرته التضامنية عنوان عريض «مبادرة من اليد لليد»، أي أنه كان يفضل الدعم المباشر، وهو ما كشفه ريتشارد برانسون في فيديو عبر حسابه على موقع إنستغرام، وهو يوثق لزيارته إلى المنطقة المنكوبة في المغرب، كما عبر من خلال تدوينة: «في المغرب، التقيت بالقبائل الأمازيغية الرائعة في جبال الأطلس الكبير وقدمت المساعدة مباشرة للمحتاجين».

وثق ريتشارد برانسون زيارته لإقليم الحوز، وظل يتقاسم مع أصدقائه رجال الأعمال البريطانيين تحركاته في بؤر الزلزال، وهو ينقل احتياجات المنكوبين من المساعدة، داعيا لدعم مباشر لضحايا النكبة التي ضربت المنطقة.

قال برانسون إن تقاسم مقاطع أشرطته جلبت مساعدات وافرة للضحايا، خاصة وأنه يركز على أصدقائه الذين تسكنهم رغبة التضامن، وأضاف في تدويناته اليومية: «لقد كان من المذهل رؤية شجاعة الأشخاص الذين مروا برعب لا يمكن تصوره، تعمل الفرق بجهد لا يصدق لمساعدة المجتمعات المتضررة من الزلزال».

أحدث برانسون منظمة خيرية تابعة لشركته، ودفع بها في زلزال الحوز الرهيب، وأصبحت علامته الشهيرة «فيرغين ميغاستورز» العالمية، مرادفا للخير، بل إنها حظيت بإشادة واسعة من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعد الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون من هواة المغامرات، حيث أصر على دخول مغارة مظلمة في جبال الأطلس، وحول جزءا منها إلى مخزن للمساعدات الغذائية، وحين نبهه أحد الحراس من خطورة المنطقة كشف له عن صور في هاتفه المحمول يظهر فيها رجل الأعمال البريطاني على متن مركبة تابعة لشركته وهو يحلق فوق نيومكسيكو في الولايات المتحدة على متن المركبة التي عملت شركته على تطويرها على مدى 17 عاما، وكشف بأنه سائح غير عادي، إذ يعد أول سائح وصل إلى الفضاء الخارجي، متفوقا على رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، مالك شركة «تسلا»، وجيف بيروس، مالك شركة «أمازون».

ويمتلك برانسون، الذي تضاهي ثروته حوالي 3 مليارات دولار حسب مجلة «فوربس»، منزل تمادوت السياحي الشهير بالمنطقة، والذي لم يتضرر جراء الزلزال حسب ما أكده برانسون. ومن المعروف على المستثمر البريطاني أنه معجب بالمغرب، إذ نشر سابقا صورا له وهو يمارس رياضة ركوب الأمواج بسواحل مدينة الداخلة جنوبي البلاد. كما أنه ظهر في مناسبات عدة وهو يقدم الدعم لتعاونيات نسائية في الأطلس المغربي.

 

الفنان الكونغولي ميتر غيمس يساهم في إعمار أوريكا

لأنه يقيم في مدينة مراكش منذ سنوات، ويملك مسكنا في قرية أوريكا، فإن الفنان الكونغولي ميتر غيمس قد ساهم بدوره في تقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال في صمت، وبالضبط بمنطقة أوريكا، حيث أشرف بنفسه على تقديم مجموعة من المساعدات العينية لسكان المنطقة التي لا يتردد في تقديم العون لفقرائها خاصة فئة الشباب.

وقف غيمس على حجم الفاجعة التي ضربت المنطقة وقضى أياما في الدواوير المحطمة وهو يحصي أضرار الزلزال المرعب، علما أنه انتهى من بناء ملعب لكرة القدم في أوريكا ليفك العزلة الرياضية عن أبناء المنطقة، دون أن يكشف عن تكلفته المالية. وتعتبر المبادرة التفاتة إنسانية لهذه المنطقة المهمشة التي تغيب فيها الملاعب المعشوشبة.

الفنان الكونغولي ظل حاضرا في كل السجالات السياسية، إذ أشاد سابقا بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ونوه بالعمل الذي يقوم به الملك محمد السادس في القارة الإفريقية.

وظلت منصات التواصل الاجتماعي تنشر تعليقات «غيمس» خاصة في لقاءاته مع الملك، إذ نشر تعليقا على إحدى الصور قائلًا: «مع الملك، وهو يبدو في حالة ممتازة».

في العام نفسه، أوضح الفنان الكونغولي، خلال ندوة صحفیة بأحد الفنادق بمدينة مراكش، أن الملك محمد السادس شجعه على اختیار الاستقرار بالمغرب. وأفاد «غیمس» بأنه تلقى دعما كبیرا من طرف الملك منذ فترة استقراره بالمغرب، مبرزا أنه كان وراء تسهیل عملیة تنظیم الحفل الذي أحياه بساحة جامع الفنا، كما كان من بین الأشخاص الذين ساعدوه على إنتاج أعماله الفنية في المغرب.

لم يكتف الفنان بنشر الصورة فقط بل أرفقها بتدوينة تعبر عن مدى حبه للملك وللمغرب قائلا فيها «عاش الملك». مشيرا بأنه التقى الملك عدة مرات بدول مختلفة، وكانت أولها بالمغرب، وبمراكش وفي فرنسا والكوت ديفوار والغابون، وفاجأه أنه يعرفه وعلى علم بما يقدمه في الميدان الفني.

الفنان «غيمس» يعد من أكبر الفنانين العالمين الذين داع صوتهم على مستوى العالم بغناء الهيب هوب، حيث حصدت أعماله الغنائية والفنية متابعة من طرف عشرات الملايين من جمهوره.

 

مهرج فرنسي يزرع البسمة بالدواوير المنكوبة

استغل تواجده في مراكش فقرر المساهمة في مساعدة أطفال الزلزال، تذكر جان لوفيي مهنته السابقة كمدير للمخيمات الصيفية في فرنسا، وقرر استحضار ما تبقى من تقنيات زرع الفرحة في النفوس، لكن تبين أنه أول إكراه سيواجهه في مبادرته هو إشكال لغة التواصل مع أطفال خارجين من نكبة عنيفة.

تقاسمت بعض الصفحات على «أنستغرام»، فيديوهات مؤثرة لجان رفقة بعض الأجانب، الذين جربوا التخفيف عن الأطفال ضحايا الزلزال، من ضمنها فيديو لصديقه الذي تحول إلى مهرج يعزف الموسيقى للأطفال، وهو الفيديو الذي وثق بكاءه الشديد لحال هؤلاء الأطفال، الذين فقد البعض منهم والديه أو أشقائه أو أسرته بأكملها.

قال لوفيي: «لقد كان من المذهل رؤية شجاعة الأشخاص الذين مروا برعب لا يمكن تصوره، تعمل الفرق بجهد لا يصدق لمساعدة المجتمعات المتضررة من الزلزال، لكن دورنا يكمن في الإعمار النفسي».

اشترى جان لوفيي أرجوحة وقرر وضعها في ساحة دوار تحفه الأنقاض، رافقه صديقة وشرعا في صباح يوم حزين في تثبيت الأرجوحة، قبل أن يقوم بدعوة للأطفال للانخراط في اللعب، وحين سئل عن سر هذه المبادرة قال: «لا يمكن للأطفال أن يقضوا سحابة يومهم جالسين يراقبون فرق الإنقاذ وهم ينتشلون أهاليهم، فكرت في نشر السعادة وسط غيوم الكآبة، اللعب هو الذي يجعل الطفل سعيدا حقا».

وأضاف قائلا: «أنا أقطن منذ مدة في مدينة مراكش، أعتبر نفسي مغربيا وعلي مسؤولية التضامن، لكن الطريقة كانت مختلفة عما هو سائد، أقل ما يمكن أن أساهم به هو إسعاد الأطفال وإخراجهم من حزنهم».

نالت هذه البادرة الإنسانية إعجابا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، في المغرب وخارجه. حيث أشاد متابعون بتواضع الرجل الذي أبى إلا أن ينزل بنفسه إلى الأماكن المتضررة للإشراف على إسعاد وملاقاة الضحايا لمواساتهم وتوزيع قطع الحلوى على الأطفال.

 

أطباء بيطريون لنجدة الحيوانات

انتبه أطباء بيطريون إلى ظاهرة نفوق الحيوانات في المناطق المنكوبة، فقرروا شد الرحال إلى البؤر المتضررة في إطار قافلة تضم عددا من الأطباء.

البياطرة المتطوعون بمجموعة من الدواوير في كل من إقليم الحوز وشيشاوة وتارودانت إلى جانب ورزازات، التي تعرضت للهزة الأرضية التي شهدتها بلادنا ليلة الجمعة – السبت ثامن شتنبر الماضي، انكبوا على فحص الدواب والمواشي التي نجت من تبعات الزلزال، والتي تعتبر مورد عيش ووسيلة تنقل وعمل لساكنة هذه المناطق الوعرة.

‎وقطع الأطباء البياطرة العديد من الكيلومترات قبل التنقل إلى المناطق المنكوبة، وجمع الفريق الطبي معلومات حول عدد المواشي والدواب المنتشرة في هذا الربوع قبل الشروع في العمل.

نادرا ما يتحدث هؤلاء البياطرة عن مبادرتهم لكنه الملاحظ أنهم ترجلوا من مختلف وسائل النقل التي نقلتهم إلى هناك لمواصلة السير على الأقدام، وسط الحجارة والأتربة والصخور من أجل الوصول إلى بقايا إسطبلات للكشف عن الأغنام والأبقار وباقي الحيوانات، التي تعيش في هذه الدواوير، بهدف تقديم المساعدة إليها، في صورة ترسخ هي الأخرى لمظاهر الرحمة والإنسانية والتضامن التي حضرت بقوة بعد هذه الفاجعة.

‎وحسب الدكتور بدر طنشري الوزاني، رئيس المجلس الوطنية للهيئة الوطنية للأطباء البياطرة في تصريح صحفي مقتضب، فإن الأطباء المتطوعين قاموا بتدخلات يمليها الضمير بشكل استعجالي.

وانشغل الأطباء بفئة واسعة من المواشي والدواب والحيوانات التي كانت على قيد الحياة بالرغم من الجوع والعطش وتحمل بعضها ساعات تحت الأنقاض مما اُثر على وضعيتها الصحية.

وشرع الأطباء في حقن الدواب والمواشي بلقاحات عبارة عن مضادات للطفيليات إلى جانب فيتامينات، فضلا عن علاج خيول وبغال وغيرها من الحيوانات المختلفة التي تعرضت لكسور وإصابات مختلفة جراء الزلزال. وبفضل جهود السلطات المحلية والساكنة التي دعمت المبادرة وأكدت على ضرورتها، كللت جهود البياطرة بالنجاح.

‎وكان المجلس الوطني للهيئة الوطنية للأطباء البياطرة قد أعلن عقب انعقاد هذا الجهاز التنظيمي عن تخصيص مساهمة مالية باسم المهنة البيطرية في الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية، إلى جانب إحداث أربع وحدات صحية بيطرية ميدانية بكل من أقاليم الحوز، شيشاوة، ورزازات وتارودانت، وذلك بعد التنسيق مع السلطات المحلية، التي سرعان ما تم الرفع من عددها بناء على الاحتياجات الميدانية التي جرى رصدها، وذلك من أجل توفير الإسعافات الأولية للماشية و الدواب التي تضررت بسبب الزلزال.

 

«حديدان» يزور ضحايا دوار شهد تصوير عمل فني

حين علم الفنان كمال كاظمي، بطل مسلسل «حديدان»، بهول الزلزال الذي ضرب دواوير كانت مسرحا للعمل الفني، وتلقى نداء صاحبة المنزل الذي استأجرته لفريق العمل أثناء تصوير مشاهد كثيرة من مسلسل حديدان، بعد أن قام المنتج بصباغة الحائط وجنبات المنزل».

قالت السيدة: «لقد زارنا بطل المسلسل بعد الواقعة، وقدم مساعدات للعديد من سكان المنطقة كما كانت الزيارة فرصة لصلة الرحم والاطمئنان عليهم». وأضافت بأن كاظمي قدم مساعدات لبعض الأسر المكلومة، خاصة وأن كثيرا من الضحايا عملوا ككومبارس في العمل الفني السالف الذكر والذي ساهم في الترويج السياحي للمنطقة.

وكانت سلسلة «حديدان»، واحدة من أشهر الإنتاجات الفنية التي تفاعل معها الجمهور منذ اليوم الأول من طرحها، خاصة وأن تصوير حلقاتها قد تم في منطقة مميزة من مناطق المغرب، بالقرب من أمزميز، لكن المنطقة تضررت بالزلزال الذي دمر العديد من الدواوير التي ارتبط بها الفنانون.

وسبق للفنان عبد الصمد الغرفي أن أعلن عن وفاة معظم سكان المنطقة التي تم فيها تصوير السلسلة الشهيرة «حديدان» و»زهر ومريشة»، في بيان حزين نشره عبر حسابه الشخصي على منصة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، قال فيه: «نشعر بحزن عميق لفقدان أغلب السكان في المنطقة التي كنا نستخدمها كمكان لتصوير أعمالنا الفنية. الكارثة ضربت بقوة، والعديد من الأرواح فقدت، والمنطقة تعرضت لدمار شامل».

وعبر الغرفي عن حزنه وصدمته العميقة إزاء هذا الحادث المأساوي الذي ضرب المنطقة، وأعرب عن قلقه بشأن حالة دوار آخر في المنطقة المتضررة. زيارة تفاعل الجمهور مع تدوينة الفنان وزيارة بطل المسلسل، وقاموا بإعادة نشر العديد من المقاطع المقتطفة من السلسلة، تظهر في مشاهدها بعض الأماكن والأزقة البسيطة من تلك المنطقة، مبرزين جمالها وجمال بناياتها التي تشع بعبق التراب والطين.

 

تبرع بقطعة أرضية وحولها إلى مقبرة لموتى الزلزال

رفض الكشف عن هويته، لكن أبناء الدوار يعلمون أنه وهب قطعة أرضية في ملكيته لفائدة ضحايا الزلزال وحولها إلى مقبرة خاصة بضحايا الزلزال. يقول إمام مسجد بدوار واد انزال، إن وجود مقبرة على سفح الجبل يستعملها أهالي المنطقة لدفن أمواتهم يشكل عائقا خلال الزلزال لصعوبة الوصول إليها في ظل الوضع الطرقي السائد، ولعدم قدرتها على استيعاب كل الموتى. خاصة وأن المقبرة الجديدة التي تبرع بها المحسن عرفت إلى غاية كتابة هذه السطور دفن أزيد من 400 جثة، بعد أن قامت السلطات المحلية بتجهيز الفضاء وحفر القبور.

ولأن المسالك الطرقية وعرة غير معبدة تحبس الأنفاس، وتمتد على عشرات الكيلومترات، فإن الحاجة إلى مقبرة قريبة من القرى والمداشر التي تعرضت للهزة الأرضية على مستوى إقليم تارودانت، باتت ملحة في عملية إزالة آثار الزلزال الرهيب الذي ضرب المنطقة.

رفض السكان الذين لا زالوا متشبثين بإرث أجدادهم الممتد على مدى قرون طويلة، وامتنعوا عن النزول من الجبل والتخلي عن المكان الذي فتحوا أعينهم عليه، بل أصروا على أن يدفن أمواتهم في مقبرة لا تبعد كثيرا عن الدواوير حتى يتسنى لهم زيارة القبور والترحم عليهم دون عناء.

يضيف إمام المسجد، إن عملية الدفن تمت وفق طقوس مختزلة بسبب حجم الموتى، والعمل على تعجيل الدفن خوفا من تعفن الجثث لاسيما في ظل غياب مستودعات للأموات بالمنطقة، مضيفا أن الموت ضرب أيضا العديد من الحيوانات والتي تم دفنها غير بعيد عن الدواوير بعد أن عمت رائحتها المكان.

 

بن الصديق مقاتل الحلبات يخوض معركة التضامن

لم يتردد جمال بن الصديق، بطل العالم السابق في رياضة الكيك بوكسينغ الاحترافية للوزن الثقيل، في حملة دعم ومساعدة العائلات المتضررة من الزلزال الذي ضرب، عددا من المناطق في جنوب المملكة.

وانتقل جمال على وجه السرعة من هولندا إلى المغرب، واختار التبرع لفائدة دواوير منكوبة في منطقة تارودانت. حيث شوهد في أحد دواوير جماعة أولاد عيسى وهو يساهم في حملة مساعدة العائلات المتضررة من الزلزال. فضل جمال القيام بهذه المبادرة في صمت وقال وكيل أعماله إنه ألغى جميع التزاماته الرياضية وانتقل على وجه السرعة إلى المناطق المنكوبة. حيث «شارك جمال بفخر في قافلة التضامن التي نظمتها «مؤسسة دار العطاء» لإغاثة المنكوبين من جراء هذا الزلزال، والذي يعد من المنتسبين لها».

ظل بن الصديق على طول فترة إقامته في المنطقة المنكوبة حريصا على الجمع بين العمل الاجتماعي والحصص التدريبية، حيث لا يمر يوم دون أن يقوم بتداريبه الاعتيادية في المناطق الجبلية حفاظا على لياقته البدنية.

وشوهد جمال وهو يروي لأبناء الدواوير المنكوبة قصة نجاحه، وكيف عاش بدوره هزات عنيفة كان لها أثر عميق على نفسيته، وقال موجها رسالته للأطفال والشباب المكلومين: «إذا كنتم قد فقدتم أعز الناس، فأنا قضيت شهرين ونصف شهر بين أسوار السجن، شعرت خلالها بالانهيار النفسي وأنا في مساحة ضيقة، وقتها ترى العالم مختلفا من حولك، لقد كنت أبكي في الزنزانة وفي الوقت نفسه أشعر بالآلام على مستوى الظهر بسبب الإصابة التي تعرضت لها من قبل، لكن آمنت بأن الحياة تستمر وأن النكبات تزول وقد تترك آثارها حسب درجة الاستعداد لدفن الماضي».

ولد بن صديق ونشأ في أنتويرب، هاجر والداه إلى بلجيكا من قرية آيت حديفة شمال المغرب، تم نقله إلى قاعة ألعاب الكيك بوكسينغ في سن التاسعة من قبل والده ، الذي كان يخشى أن يكون للحياة في الشوارع تأثير سلبي على ابنه. في سن المراهقة أصيب جمال برصاصة بعد قتال في الشارع، وفي عام 2012 تم تشخيص حالته الصحية وتبين بأنه مصاب بسرطان الغدة الدرقية، لكنه نجح في علاجها.

 

حلاقون يهتمون برؤوس الناجين من الفاجعة

في اليوم الموالي لزلزال الحوز، اختار مجموعة من الحلاقين الشباب دون سابق اتفاق المساهمة في عمليات التضامن التي تشهدها المنطقة المكلومة، لا يملك هؤلاء الشباب سوى روحا تطوعية نادرة وأدوات الحلاقة، منهم من جاء من سطات والفقيه بن صالح ومراكش والدار البيضاء، تجمعهم بادرة تنم عن الروح التضامنية التي سكنت المغاربة، أبدوا جميعهم استعدادهم للتوجه صوب المناطق المتضررة من الزلزال لحلاقة الرؤوس بل إن أحدهم كان يجمع بين حلق الرؤوس وتقديم دروس الدعم للتلاميذ بالجماعات التي شملها الزلزال، حتى يتسنى لهم تدارك ما فاتهم من الدروس.

عبر عشرات الحلاقين عن استعدادهم للتطوع وكشفوا عن السعادة التي تغمرهم حين يتلقون إشارة بالالتحاق بأحد الدواوير المنكوبة، والشروع في حلق رؤوس الأطفال والشباب والكبار، مجانا دون مقابل.

يقول سعيد مسامح وهو حلاق شاب قدم إلى منطقة الحوز رفقة صديقه إلى بؤرة الزلزال وشرعا في تقديم خدمة حلق الرؤوس المكلومة: «حين ضرب الزلزال بلدنا قررنا أن ننضم إلى العمليات التضامنية التي شهدتها مدن مغربية عديدة ومنها مدينة سطات، كنت قد استأجرت رفقة أحد أصدقائي محلا لنبدأ مشروعا للحلاقة في أحد أحياء سطات، لكننا قررنا إغلاق المحل والتوجه على وجه السرعة صوب الحوز المنكوب.

الحلاق المعروف بلقب الودادي يجمع بين الحلاقة وتنشيط الأطفال، استنادا إلى عمله السابق ضمن إحدى منظمات الكشفية، في محاولة لرسم البسمة على وجوه الأطفال في الخيام وبالقرب من المباني المنهارة بسبب الزلزال الذي ضرب بلادنا، حين أتخلص من أدوات الحلاقة يتجمع حولي الأطفال من أجل التخفيف من مخاوفهم بعد حالة الذعر التي مروا به.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى