شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

أزمة القراءة

يعود بنا المعرض الدولي للكتاب بالرباط إلى نقطة في غاية الأهمية، لها راهنيتها بالنسبة للمجتمع المغربي، تتعلق بتنامي أزمة القراءة في أوساط الشباب المغربي ليحل محلها التصفح الإلكتروني للمنصات الاجتماعية وما تقدمه من تفاهة، فضلا عن تراجع نسبة القراءة الخاصة بقصص الأطفال بشكل خاص، ودورها في التشجيع على الإبداع وتوسيع المخيلة والتشبع بالقيم النبيلة منذ الصغر والتربية على المواطنة وتقدير قيمة العلم.

إن ما نعانيه اليوم مع أجيال تائهة لا تعرف ما تريد وتجهل تاريخها وإلى أين تسير، هو من تبعات غياب التنشئة على القراءة بالمدارس الابتدائية، وغياب البرامج التي تشجع التلاميذ على ذلك، وتهميش دور مكتبات المدارس وتخلي جل المؤسسات التعليمية عنها، فضلا عن تحول مكتبات الأحياء التي تم إنجازها بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى مقرات جامدة لا تغري بالانخراط فيها ولا تقوم بدورها في تقريب خدمة القراءة والتأطير الشبابي، وتشجيع الإبداع في مجالات مختلفة واستقطاب أطفال الأحياء المعنية.

نفور المواطن المغربي من القراءة يظهر من خلال عدم الاهتمام بميزانية شراء الكتب، وتخصيص أقل من 30 درهما سنويا لها، كما أن جل الأحزاب السياسية لا تهتم في برامجها الانتخابية بالتشجيع على القراءة ولا تضع ذلك ضمن مخططاتها، ما يحيل على الجهل الكبير بأهمية القراءة في التوعية وصقل المواهب، وتشكيل رأي عام له القدرة على تحليل ومعرفة ما يدور حوله، واكتساب مهارات جديدة تفيد في تدبير الخلافات بشكل سلمي حضاري والتحلي بالأخلاق والحد الأدنى من الإنسانية.

في هذه المرحلة الدقيقة، التي نعيشها بالذات، نحن في حاجة لبرامج مغرية للشباب والأطفال تشجع على القراءة والاستمتاع بها خلال مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي أيضا، وذلك لأن تنمية المهارات والقدرات وتكوين شخصية متوازنة لا يأتي بين عشية وضحاها، وإنما يتطلب الأمر مجهودات جبارة باعتبار بناء الإنسان من أعقد وأصعب المشاريع، لكن في الأخير تظهر النتائج من خلال ربح أعظم ثروة لبناء مستقبل الوطن على ركائز قوية لا تهزها رياح التقلبات السياسية ولا التحولات المجتمعية المتسارعة.

بدون مبالغة، نقول إن واقع القراءة بالمغرب واقع متأزم وقاتم، بحيث لا يتجاوز معدل القراءة بالنسبة للفرد عشر صفحات في السنة، فيما تتجاوز جل الدول المتقدمة معدل عشرين كتابا في السنة، وهو الأمر الذي يستدعي تحرك كافة الجهات المعنية للتشجيع على القراءة لأنها السبيل الوحيد لكسب الثقافة العامة الواسعة وبناء مجتمع سليم تسهل مخاطبته في إطار السياسات العامة، ويحسن اختيار من يمثله بوعي ويصبح ساعد بناء لا معول هدم في مجال التنمية الشاملة.

إن التشجيع على القراءة لا يتعلق بالزمان ولا المكان، بحيث تصبح كل الفضاءات مناسبة لممارسة الهواية الممتعة من حافلات وقاعات الانتظار ومكتبات الأحياء ومكتبات المؤسسات التعليمية، وداخل المقاهي والنوادي الثقافية، وبالحدائق العمومية والشواطئ..، وهو الشيء نفسه الذي يعاينه كل زائر للبلدان المتقدمة، ويساهم في تدني مستوى الجريمة والعنف بهذه الدول، وإعفاء ميزانيتها من صرف الملايير لمعالجة الأعطاب الاجتماعية الناتجة عن الجهل.

يجب تشجيع الإبداع الأدبي والفني وتحبيب هواية القراءة إلى كافة فئات المجتمع، حتى يصبح بإمكان المبدع والأديب والكاتب العيش من مداخيل مبيعات كتبه دون خوف من الفقر أو الحاجة، وهذا طبعا بعيد المنال في وقتنا الحاضر بالمغرب، لكنه ليس مستحيلا إذا توفرت الإرادة الحقيقية لاحتضان المواهب الصاعدة وصقلها بواسطة المواكبة والتتبع والتشجيع، عوض المبادرات المحتشمة التي تعتبر القراءة ترفا زائدا وعادة خاصة بفئة قليلة من الناس بعضها محظوظ، والبعض الآخر يكون محط سخرية من فئة جاهلة للأسف بمعنى نوافذ القراءة والإبداع والثقافة التي تشكل أوكسيجين الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى