
محمد اليوبي
علمت «الأخبار»، من مصادرها، أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، توصل بالمحاضر والنتائج النهائية للأبحاث والتحريات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بخصوص الاختلالات والتلاعبات التي شابت صفقات في إطار البرنامج الاستعجالي للتعليم على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدار البيضاء سطات، في عهد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي الأسبق، أحمد اخشيشن.
اختلالات الصفقات وسندات الطلب
كشفت الأبحاث والتحريات وجود اختلالات على مستوى إعداد وإبرام الصفقات وسندات الطلب، انطلاقا من غياب آليات مضبوطة لتحديد الحاجيات الملحة من الوسائل التعليمية، وخرق بعض المقتضيات القانونية المؤطرة لعملية إبرام الصفقات العمومية من نشر طلبات العروض ونتائج الصفقة، والإخلال بمبدأ المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص، مع تسجيل تواطؤ كبير مع شركتين، واللجوء إلى منافسات صورية لإبرام سندات الطلب، والتلاعب في أثمنة بعض التجهيزات.
وأوضحت المصادر أنه تم توزيع ملفات اختلالات البرنامج الاستعجالي على محاكم جرائم الأموال المختصة بكل من الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش، حسب الأكاديميات التابعة لنفوذ كل محكمة، وعددها 16 أكاديمية وفق التقسيم الجهوي القديم، حيث أصدرت محكمتا فاس ومراكش أحكاما في الملفات التي أحيلت عليهما، وانتهت الأبحاث في الملف الذي أحيل على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، فيما مازالت الأبحاث والتحريات جارية بخصوص الملفات التي أحيلت على محكمة الاستئناف بالرباط.
تسجيلات صوتية لمديرة سابقة
كانت رئاسة النيابية العامة في عهد رئيسها الأسبق، محمد عبد النباوي، توصلت بملف حول الاختلالات المالية للبرنامج الاستعجالي، بعدما تفجرت فضيحة التسجيلات الصوتية لمديرة سابقة لإحدى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وتم توزيع الملفات على الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف المختصة في جرائم الأموال بمدن فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش، وتم تكليف الفرق الجهوية للشرطة القضائية بهذه المدن لإجراء الأبحاث والتحريات القضائية.
وكان المجلس الأعلى للحسابات أصدر تقريرا موضوعاتيا حول تقييم المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية، كشف من خلاله اختلالات خطيرة شابت عملية صرف الاعتمادات المالية المخصصة للبرنامج والتي فاقت مبلغ 43 مليار درهم، كما قام المجلس بمراقبة عدد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين خلص من خلالها إلى ضرورة التحقق من ظروف إعداد وبرمجة وتنفيذ المخطط الاستعجالي وكذا المنجزات التي تم تحقيقها.
وحسب تقرير المجلس، فإن التكلفة المالية الحقيقية للمخطط الاستعجالي، تبقى تقريبية، حيث تم تقييمها من خلال اعتمادات الأداء المفتوحة في قوانين المالية وفي الميزانيات الخاصة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عن السنوات الممتدة من 2009 إلى 2012، وتعهدت الدولة لتنفيذ هذا البرنامج بتخصيص غلاف مالي في حدود 43,124 مليار درهم (دون احتساب نفقات الموظفين)، برمجت على أساسها مشاريع تمخضت عنها التزامات بمبلغ 35,056 مليار درهم، في حين بلغت الأداءات التي تم صرفها فعليا 25,15 مليار درهم أي بمعدل أداء قدره 58 في المائة، وتبقى هذه النسبة أدنى من معدل تنفيذ الميزانيات القطاعية المسجلة على مستوى الميزانية العامة للدولة خلال الفترة نفسها.
ضعف القدرات التدبيرية
سجل حجم الاعتمادات المفتوحة، التي تعكس مجهود الدولة لفائدة قطاع التعليم خلال فترة المخطط الاستعجالي ارتفاعا بنسبة 230 في المائة مقارنة مع الاعتمادات التي تم رصدها لهذا القطاع خلال الأربع سنوات التي سبقت هذه الفترة، غير أن الأداء يبقى ضعيفا سواء على مستوى الالتزام بالنفقات أو على مستوى معدل صرفها، ويرجع ذلك بالخصوص إلى ضعف القدرات التدبيرية لا من حيث تنفيذ المشاريع ولا من حيث التدبير المالي والمحاسبي. وسجل المجلس عدم توفر الإدارات المعنية على حصيلة شاملة ودقيقة في شقيها المالي والكمي لجميع مشاريع وتدابير هذا البرنامج، غير أن المهام الرقابية التي أنجزها المجلس بينت عدم بلوغ كافة الأهداف التي حددها البرنامج.
وسجل التقرير، كذلك، عدم تنفيذ جميع مشاريع القطب البيداغوجي، حيث خصص المخطط الاستعجالي حوالي 12 مليار درهم لتنفيذ عشرة مشاريع ضمن القطب البيداغوجي، لكن، وعلاوة على حجم النفقات الهامة التي صرفت، لم يتم استكمال جميع التدابير المرتبطة بمشاريع هذا القطب، ويتعلق الأمر على الخصوص بالمناهج الدراسية، وإرساء نظام فعال للإعلام والتوجيه، ودعم التمكن من اللغات وتحسين النظام البيداغوجي، كما يلاحظ أن بعض المشاريع تم توقيفها بعد الشروع في تنفيذها وذلك بسبب غياب رؤية مندمجة للإصلاح المنشود. واعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية لم يحقق جميع أهدافه، كما أنه لم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية باعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة.
وكشفت الأبحاث والتحريات وجود اختلالات على مستوى إعداد وإبرام الصفقات وسندات الطلب، انطلاقا من غياب آليات مضبوطة لتحديد الحاجيات الملحة من الوسائل التعليمية، وخرق بعض المقتضيات القانونية المؤطرة لعملية إبرام الصفقات العمومية من نشر طلبات العروض ونتائج الصفقة، وتحديد أعضاء لجان فتح الأظرفة بتعيينات مسؤولة ورسمية، ثم الإخلال بمبدأ المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص، مع تسجيل تواطؤ كبير مع شركتين، من خلال الضغط على المصالح الجهوية والإقليمية عبر توجيه المواصفات التقنية وجعلها تتطابق مع البيانات والعينات الخاصة بالشركتين، وتجزيء الطلبيات إلى سندات طلب عوض تجميعها في صفقة واحدة، واللجوء إلى منافسات صورية لإبرام سندات الطلب، والتلاعب في أثمنة بعض التجهيزات المسلمة من صفقة إلى أخرى.
وحصلت الشركتان على أكثر من 80 في المائة من الصفقات الخاصة باقتناء العتاد الديداكتيكي، أبرمت معهما بشكل منفرد أو هما معا ضمن «تجمع» بين الشركتين. ووقفت لجان التفتيش على معطيات مثيرة تتعلق بإبرام ست أكاديميات لوحدها عددا مهما من الطلبيات العمومية بلغ 173 صفقة وسندا للطلب من أصل 214 ، وهو ما يشكل 80 في المائة من مجموع النفقات.