الافتتاحيةالرئيسية

إعلان الرباط

سيحتفظ التاريخ الدبلوماسي الوطني والدولي، بمراسيم توقيع الإعلان الثلاثي بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ودولة إسرائيل. ولا شك أن هذا الإعلان سيشكل تحولا جيوسياسيا عميقا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وسيجعل من المغرب لاعبا أساسيا في المرحلة المقبلة، التي تتسارع متغيراتها وتتبدل تحالفاتها. ويخطئ من يظن أن المغرب وقع الاتفاق تحت الضغط الأمريكي، أو دفعته إلى ذلك صفقة مقايضة، أو لجأ إلى ذلك في لحظة ضعف بسبب الاستفزازات اللامتناهية لجار غير متوازن، بل بالعكس تماما فإن الاتفاق الثلاثي الذي من شأنه أن يعيد التوازنات، ولد بعد مخاض طويل وعسير، وخرج إلى العلن بعدما نضجت كل شروطه السياسية والدبلوماسية، ليشكل لحظة فاصلة في العلاقات الدولية.
إن قراءة سريعة لإعلان الرباط تضعنا أمام عدد من الرسائل الواضحة:
الرسالة الأولى، أن الإعلان الثلاثي ليس شيكا على بياض وقعه المغرب للولايات المتحدة وإسرائيل تفعل به ما تشاء، بل هو التزام قانوني ثلاثي يفرض على الأطراف الموقعة احترام بنوده وضمان حسن تنزيلها، وهذا يعني أن نجاح الاتفاق أو فشله ليس رهينا بإرادة المغرب لوحده، بل هو مشروط بمدى التزام الأطراف الثلاثة بالاحترام الكامل للعناصر المتضمنة في هذا الإعلان، والنهوض بها والدفاع عنها. وبدون شك فإن هاته الرسالة ستسمح في المستقبل للمغرب بالتراجع عن التزاماته تجاه أي إدارة أو حكومة، تحاول التغيير أو التراجع عن مضامين الإعلان الموقع.
الرسالة الثانية، التدرج في عودة العلاقات الدبلوماسية بالتزامن مع نضج الشروط التي تسمح بذلك، صحيح أن الإعلان قرر الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة بين المسؤولين الإسرائيليين والمغاربة وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، لكنه اكتفى في خطوة أولى بإعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب، في انتظار توفير الشروط المطلوبة لعلاقات دبلوماسية على مستوى السفارات. وهذه رسالة بكون إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل مرتبطة بالتناسب مع التقدم الحاصل في ملفات بينية أخرى، تتعلق بالاقتصاد والاستثمار والتفاوض الفلسطيني والتقدم الدبلوماسي.
الرسالة الثالثة، تتعلق بكسب المغرب بشكل رسمي اعترافا من إسرائيل بمغربية الصحراء، من خلال ترحيب الإعلان باعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء، والالتزام المعلن من طرف الولايات المتحدة بفتح قنصلية في الداخلة.
الرسالة الرابعة، تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية عبر فتح قنوات للتعاون الاقتصادي دينامي وخلاق، ومواصلة التعاون في مجالات التجارة، والمالية والاستثمار، والابتكار والتكنولوجيا، والطيران المدني، والتأشيرات والخدمات القنصلية؛ والسياحة؛ والماء والفلاحة والأمن الغذائي؛ والتنمية؛ والطاقة والمواصلات السلكية واللاسلكية.
الرسالة الخامسة، أن إعلان الرباط وما سبقه من اتصالات بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي ترامب، بشأن إعادة العلاقات بين الرباط وتل أبيب، لا يمكن أن يتم خارج ثوابت المغرب في تعاطيه مع القضية الفلسطينية، التي رهنت الحل في خيار الدولتين، والانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وبدون شك فإن هناك قناعة لدى الملك محمد السادس، باعتباره رئيس لجنة القدس، بكون الاتفاق سيخدم في نهاية المطاف المصالح طويلة الأمد للفلسطينيين في الحصول على حقوقهم الوطنية.
وبصرف النظر عمن اطمأنوا وارتاحوا لمحتوى ورسائل الإعلان الثلاثي، ومن قلقوا وغضبوا من إشاراته، فهو وضع الكثير من النقاط على الحروف حيال دور المغرب في المستقبل، لأن زمان ومكان الإعلان كان لهما دلالات لدى من يهمهم الأمر، وبدون شك سيكون لها ما بعدها.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى