
حسن البصري
اختار منظمو مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي تكريم الفنان المصري أحمد حلمي، تقديرا لإسهاماته في الساحة الفنية العربية، وإشادة بأعماله سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، وللحس الفكاهي الذي يعالج به قضايا المجتمع، من خلال مجموعة من الأفلام التي لامست المعاناة اليومية للبسطاء في علاقة التماس التي تجمعهم أحيانا بالنبلاء، على غرار «عسل إسود» و«جعلتني مجرما» و«زكي شان» «وإكس لارج» وغيرها من الأعمال.
ليس المهرجان موضوعنا، بل الفيلم الساخر الذي شاهده الحاضرون في حفل الافتتاح، وكان بطله عبد اللطيف الناصري، نائب عمدة الدار البيضاء، المسؤول عن قطاعي الثقافة والرياضة بالمدينة.
قبل أن يجف مداد بلاغ لجنة الأخلاقيات التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والذي قضى بتوقيف نائب العمدة بصفته رئيسا لفريق الشباب الرياضي، لمدة ثلاث سنوات، على خلفية «التلاعب بنتيجة مباراة جمعت فريقه بالاتحاد البيضاوي»، وهو حكم استئنافي مؤكد للحكم الابتدائي، قبل أن يصبح الحكم نافذا «بقوة الشيء المقضي به»، كان نائب العمدة فوق الخشبة يلقي كلمة ترحيبية بالمشاركين في مهرجان الفيلم العربي، ويسلم تذكارات للمكرمين إلى جانب سفير مصر في المغرب.
يا إلهي، هل نحن أمام فيلم ساخر يحول المدان بفضيحة التلاعب في «ماتش» إلى بطل للأمسية، يقف أمام الحاضرين وأمام سفير مصر ليقدم دروسا حول أهمية السينما في تهذيب الأخلاق، ويتحدث عن الدار البيضاء وسخائها الثقافي وصخبها الاقتصادي، وكأن قرار لجنة الأخلاقيات الذي أدانه وغرمه وأبعده عن مزاولة أي نشاط رياضي لمدة ثلاث سنوات مجرد حبر على ورق.
استمرار نائب العمدة في منصب القائم على شؤون الثقافة والرياضة في مجلس المدينة، استخفاف بعقول البيضاويين، واستهانة بقرارات قضاة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، و«استبلاد» لعقول أهل الثقافة والرياضة، وانتهاك صريح لمبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة».
حين أصدرت لجنة الأخلاقيات حكما في حق مدرب مغربي وأعلنت توقيفه عن ممارسة نشاطه الرياضي بسبب شبهة التلاعب، أقيل من منصبه كدركي وأصبح في اليوم الموالي مدنيا.
لكن حين يتعلق الأمر بمنتخب يرتدي قبعة حزب سياسي فإن المساطر تتمدد والكولسة تنشط والتنفيذ يبحث عن منفذ.
في مثل هذه الواقعة، يفترض أن يعقد مجلس أخلاقيات الحزب اجتماعا طارئا، يستمع فيه لدفوعات المعني، ويتم تجميد مهام السياسي المدان حفظا لماء وجه الهيئة السياسية، رغم أن نائب العمدة يملك قدرة خارقة على تغيير الألوان ولو على سبيل الإعارة.
لماذا تأخرت العمدة في إنهاء التفويض الذي يملكه نائبها المدان؟
كيف يقبل مجلس جماعة الدار البيضاء استمرار شخص موقوف من طرف لجنة الأخلاقيات في ممارسة إشرافه على قطاعي الثقافة والرياضة في المدينة؟
أليس منكم رجل رشيد، أيها المستشارون المعارضون، يحث على إعادة التوازن الأخلاقي إلى مجلس الجماعة؟
ألا يوجد من بين أعضاء المكتب الجماعي شخص يجمع بين الثقافة والرياضة، ليدخل الملعب بديلا لزميله الموقوف؟
هل يفعل محمد مهيدية والي الدار البيضاء اختصاصات الوصاية، ويطالب بتحرير المجلس من كائنات تصر على الصمود ضد عاديات الزمن، بنفس حماس مهيدية في تحرير الملك العمومي وإبادة البنايات الآيلة «للهبوط»؟
أسئلة عديدة تنتصب في أذهان القائمين على الشأن الجماعي بالمدينة، لكنها تشغل بال ساكنة الحي المحمدي، التي لا تهمها معارك التفويض، ولا إشكالية التعويض، أملها الوحيد إلغاء نتيجة المباراة موضوع التلاعب، وضمان «الطاس» البقاء في قسمها، انسجاما مع منطق الأشياء.
في الدار البيضاء فقط، يمكنك أن تتعايش مع المسؤوليات وتراكم التفويضات وتراوغ مذكرات التنافي، لأنك كائن «إكس لارج».