الاقتصاد الوطني واستدامة المالية العمومية
التحكم في المديونية والتضخم والتقشف في النفقات

على غرار كل دول العالم، عرف الاقتصاد الوطني ركودا بسبب تداعيات الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية- الأوكرانية، لكن، خلال هذه السنة، بدأت تظهر بوادر انتعاش اقتصادي، رغم إكراهات السياق الدولي واستمرار ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم. ويظهر، من خلال تصريحات المسؤولين الحكوميين، أن الحكومة متفائلة بخصوص وضعية الاقتصاد الوطني، وتطمح بالنسبة للسنوات 2026 و2027 و2028 إلى تحقيق نسب نمو في الناتج الداخلي الخام تبلغ على التوالي 4,1 و4,2 و4,4 في المائة، وذلك بنسبة نمو تقدر بـ4,2 في المائة كمتوسط سنوي، مع حصر العجز الميزانياتي، برسم السنوات نفسها، في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، والتحكم في متوسط معدل التضخم، على مدى هذه الفترة، في حوالي 2 في المائة.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
وجه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورا إلى الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين والمندوب العام، حول إعداد المقترحات المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات من 2026 إلى 2028 مدعومة بأهداف ومؤشرات نجاعة الأداء، دعاهم من خلاله إلى التقشف في صرف النفقات، عبر تقليص الميزانية المرصودة لكراء واقتناء السيارات والسفريات داخل المغرب وخارجه.
هشاشة الآفاق الاقتصادية العالمية
أفادت دورية رئيس الحكومة بأن الاقتصاد العالمي يتسم، منذ بداية هذه السنة، بهشاشة الآفاق الاقتصادية العالمية بسبب زيادة عدم اليقين الجيو – اقتصادي والتوترات التجارية، سيما في ما يتعلق بتدابير التعريفات الجمركية وإلغاء القيود التنظيمية في السوق، مما من شأنه تهديد النمو الاقتصادي العالمي على المديين القريب والمتوسط، وكذا الجهود المبذولة حتى الآن في ما يتعلق بخفض التضخم.
وتتباين توقعات المؤسسات الدولية بخصوص معدل النمو العالمي، فبينما رجح صندوق النقد الدولي أن يظل هذا المعدل مستقرا، وإن كان ضعيفا محددا معدل النمو العالمي المتوقع سنتي 2025 و2026 في 3.3 بالمائة، يتوقع البنك الدولي أن يظل معدل النمو العالمي ثابتا عند 2.7 في المائة برسم هاتين السنتين مع استمرار الانخفاض التدريجي للتضخم وأسعار الفائدة.
وأجمعت المؤسستان الدوليتان على أن استدامة أوضاع المالية العمومية والاستقرار المالي الدولي تقتضي اتخاذ إجراءات على مستوى السياسات المالية على الصعيدين العالمي والوطني لتشجيع بيئة خارجية أكثر ملاءمة وتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط من خلال الإصلاحات الهيكلية المكثفة وتعزيز الاستقرار الماكرو – اقتصادي وتخفيض القيود الهيكلية، وتعزيز القواعد وأواصر التعاون متعدد الأطراف ومعالجة آثار تغير المناخ.
ومن المتوقع، كذلك، أن يواصل اقتصاد منطقة اليورو انتعاشه التدريجي، بتحقيق معدل نمو يبلغ 1 في المائة سنة 2025 و1,4 بالمائة سنة 2026 بعد تحقيق 0,8 في المائة سنة 2024 مستفيدا بذلك من التأثير الإيجابي للتسيير النقدي وتعزيز القدرة الشرائية جراء ارتفاع الدخل على الاستهلاك والاستثمار. ويتوقع، أيضا، أن تنخفض معدلات البطالة وكذا التضخم. وعلى الرغم من الانخفاض التدريجي للعجز الميزانياتي العمومي، إلا أن مستويات الاستدانة ستظل مرتفعة.
تقليص عجز الميزانية والتحكم في التضخم
أفادت دورية رئيس الحكومة بأنه، على المستوى الوطني، عرفت بداية الموسم الفلاحي 2024- 2025 وضعا هيدرولوجيا صعبا اتسم بضعف التساقطات المطرية المسجلة مقارنة مع متوسط التساقطات خلال الثلاثين سنة الماضية، ما يؤشر على ظروف مناخية صعبة بالنسبة لأنشطة الزراعات النباتية، في حين مكنت التساقطات المهمة التي عرفتها المملكة خلال الفترة الأخيرة، من تخفيض نسبة عجز التساقطات ليصل إلى حوالي 20 في المائة مقارنة مع متوسط التساقطات خلال الثلاثة عقود الأخيرة.
وفي هذا الإطار، أوردت الدورية أنه فضلا عن تدابير مواكبة الموسم الفلاحي 2024- 2025، وعملا على إعادة تكوين القطيع الوطني، تم إطلاق برنامج شامل لدعم قطاع الإنتاج الحيواني، يشمل التغذية الحيوانية، من خلال توفير الأعلاف المدعمة للمربين، والتأطير التقني لتحسين إنتاجية الأغنام والماعز على المدى المتوسط، والصحة الحيوانية، والفلاحة التضامنية الموجهة نحو تربية الماشية مع دعم الحفاظ على الإناث.
وفي المقابل، تضيف الدورية، يتوقع أن تواصل الأنشطة غير الفلاحية نتائج جيدة، سيما بفضل انتعاش أنشطة قطاعات البناء والأشغال العمومية والمعادن، وكذا دينامية أنشطة الصناعات التحويلية. ودعا رئيس الحكومة إلى ضرورة مواصلة التعبئة وتضافر الجهود لتنزيل استراتيجيات طموحة للقطاع الثانوي تتيح تحسين أداء الميزان التجاري الوطني بما يضمن الاستدامة المالية والتجارية وتوفر شروط «ولوج عهد صناعي جديد، يتخذ من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة» كما أكد على ذلك جلالة الملك.
وعلى مستوى القطاع الثالث، يتوقع أن ينعكس انتعاش أنشطة القطاع الثانوي على مردودية قطاع التجارة موازاة مع استمرار الانتعاش غير المسبوق للقطاع السياحي بفضل احتضان التظاهرات والفعاليات الدولية والمجهودات المبذولة للترويج للواجهة السياحية المغربية. كما يرتقب أن تتحسن القيمة المضافة للخدمات العقارية نتيجة انتعاش أنشطة قطاع البناء والأشغال العمومية. وفي هذا الصدد حث رئيس الحكومة على مواكبة المنظومة الإنتاجية والخدماتية الوطنية بمشاريع استراتيجية كبرى للبنية التحتية.
وستمكن هذه الدينامية الاقتصادية، حسب الدورية، من استمرار النمو المضطرد للمداخيل الجبائية على المدى المتوسط، مما يساهم في توفير الهوامش الميزانياتية الضرورية لتمويل مختلف السياسات والاستراتيجيات القطاعية، وفي مقدمتها بناء الدولة الاجتماعية موازاة مع تقليص حجم المديونية وتعزيز التوازن المالي، وذلك وفقا لمقارية شمولية ترتكز على التكامل والانسجام بين الأبعاد المالية والرهانات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية ومتطلبات مواجهة السياقات والتأثيرات الظرفية بما يضمن التوفيق بين تنزيل الأوراش التنموية وضرورة ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية.
وأفاد رئيس الحكومة بأنه تحصينا لمسار استدامة المالية العمومية، واستنادا إلى رهانات الظرفية الاقتصادية الدولية والوطنية وعلى أساس تسريع وتيرة إنجاز البرامج الاستثمارية ومواصلة تنزيل الإصلاحات الكبرى، تطمح الحكومة بالنسبة للسنوات 2026 و2027 و2028 إلى تحقيق نسب نمو في الناتج الداخلي الخام تبلغ على التوالي 4,1 و4,2 و4,4 في المائة، وذلك بنسبة نمو تقدر بـ4,2 بالمائة كمتوسط سنوي، مع حصر العجز الميزانياتي، برسم السنوات نفسها، في حدود 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، والتحكم في متوسط معدل التضخم، على مدى هذه الفترة، في حوالي 2 بالمائة.
التحكم في مستوى المديونية
أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أن البرمجة الميزانياتية للسنوات الثلاث 2025- 2027، تروم مواصلة مسلسل تخفيض عجز الميزانية، للحفاظ على استدامة الدين على المدى المتوسط واستعادة الهوامش الميزانياتية. وقالت فتاح، في عرض حول «استدامة المالية العمومية والهندسة المالية المعتمدة لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية»، قدمته أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، إن الحكومة تعمل على تخفيض مؤشر مديونية الخزينة إلى أقل من 67 بالمائة في أفق 2027.
وسجلت الوزيرة أن استدامة المديونية تبقى رهينة بمدى ضبط مسار المالية العمومية على المدى المتوسط، مشيرة إلى أن مشروع إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية، الذي يتم تحضيره، يتضمن اعتماد قاعدة مالية ترتكز على تحديد مستوى مستهدف للمديونية على المدى المتوسط يلزم السلطات العمومية بالتحكم في النفقات وتعزيز المداخيل، وبالتالي المساهمة في بناء الهوامش المالية التي تضمن الاستدامة المالية.
وأضافت الوزيرة أن السياسة الميزانياتية الفعالة والتحكم في مستوى المديونية يشكلان اللبنة الأساسية لضمان الاستدامة المالية التي تعد «إحدى أهم ركائز العمل الحكومي لضمان تمويل مستدام للسياسات العمومية، خصوصا في ظل الالتزامات التي اتخذتها الحكومة والأوراش التي انخرط فيها المغرب». وفي هذا السياق، سجلت فتاح أن الاستراتيجية التمويلية المتبعة مكنت من تحقيق هوامش مالية مهمة ساهمت في تمويل مختلف مكونات ورش الحماية الاجتماعية، مشيرة إلى أنه تم توفير قرابة 15 مليار درهم نتيجة إصلاح وعقلنة أكثر من 100 برامج اجتماعي، وتعبئة حوالي 11 مليار درهم من المداخيل الجبائية وتخصيص تحويلات من الميزانية العامة لتعزيز صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي.
وأضافت وزيرة الاقتصاد والمالية أن الاستراتيجية التمويلية مكنت كذلك من توظيف الهوامش المالية الناتجة عن إصلاح صندوق المقاصة، وتعزيز موارد صندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي عبر تفعيل المساهمة الإبرائية برسم الممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج.
وأكدت الوزيرة على أهمية ضمان ديمومة وجودة الخدمات مع الحفاظ على التوازنات المالية، لافتة إلى أن الحكومة خصصت أزيد من 71 مليار درهم من الميزانية العامة خلال الفترة الزمنية 2023- 2025 لتمويل ورش الحماية الاجتماعية. وأوضحت فتاح أن تحصيل المداخيل الجارية في متم 2024 أسفر عن نتائج إيجابية مقارنة مع توقعات قانون المالية 2024 أو سنة 2023، مضيفة أن تنفيذ النفقات في سنة 2024 تميز بمواصلة تعزيز الاستثمار وتنفيذ النفقات الجارية وفقا لتوقعات قانون المالية، مشيرة إلى أن عجز الميزانية انخفض سنة 2024 بمقدار 0,5 نقطة من الناتج الداخلي الخام مقارنة مع سنة 2023.
التقشف وترشيد النفقات العمومية
شدد رئيس الحكومة، في دوريته الموجهة إلى الوزراء، على أن البرمجة المثلى لنفقات القطاعات الوزارية والمؤسسات تقتضي ترشيد النفقات العمومية والتخصيص الأمثل للموارد وفقا للحاجيات والأولويات، ويجب أن تأخذ مقترحات القطاعات الوزارية والمؤسسات في الاعتبار الإمكانات المالية للدولة، داعيا، في هذا الصدد، إلى ضبط نفقات الموظفين عبر التحديد الدقيق والمبرر للحاجيات الفعلية من الموارد البشرية، استنادا إلى المتطلبات الضرورية لضمان تنزيل الأوراش الإصلاحية الملتزم بها وما هو ضروري لضمان سير وجودة خدمات المرافق العمومية، مع العمل على إرساء الآليات التدبيرية الكفيلة بالرفع من المردودية والنجاعة الوظيفية خاصة عبر التكوين والتقييم؛ فضلا عن إعمال الإمكانات المتاحة المتعلقة بإعادة الانتشار على مستوى القطاع أو المؤسسة وبين القطاعات أو المؤسسات من أجل سد الحاجيات على المستويين المجالي والقطاعي.
وحث أخنوش على تعزيز ترابط تحديث تسيير الإدارة وترشيد الإنفاق المرتبط به من خلال اعتماد مقاربة متجددة ترتكز أساسا على تحديث وظائف الدعم والمساندة والعمل على عقلنتها وتنميط معايير تدبيرها، وكذا الحرص على إتاحة الاستغلال والتشغيل المشترك بين مختلف الإدارات العمومية لهذه الوظائف (البنيات التحتية الرقمية، الأرشيف، حظيرة السيارات…)، وترتكز كذلك على ملاءمة وتحيين الهيكلة الإدارية على ضوء تطور الحاجيات والاختصاصات الوظيفية والرهانات القطاعية بما يضمن التناسب بين حجم المهام وطبيعتها مع البنية الإدارية والموارد المخصصة لها، وتفادي الازدواجية والتداخل في المهام والاختصاصات المسندة لمختلف البنيات الإدارية، بالإضافة إلى تعزيز اعتماد الحلول التقنية والتكنولوجية وتوسيع مجالها الوظيفي.
ودعا أخنوش، الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين الساميين والمندوب العام، إلى عقلنة نفقات المعدات والنفقات المختلفة من خلال التحكم في النفقات العادية وحصرها في المتطلبات الضرورية لتحسين فعالية تدخلات الدولة، سيما عبر التقليص من النفقات المتعلقة خصوصا بالماء والكهرباء وكراء السيارات وكراء وتهيئة المقرات الإدارية، وكذا النفقات المرتبطة بالنقل والتنقل، مع الحرص على التقيد بأهداف ميثاق مثالية الإدارة، كما حثهم على حصر إعانات التسيير لفائدة المؤسسات العمومية في تغطية النفقات الخاصة بالموظفين والنفقات الضرورية لسيرورة المرافق الإدارية، مع ربطها بموجودات خزينة هذه المؤسسات.
وأكد رئيس الحكومة على تحسين فعالية الاستثمار عبر إعطاء الأولوية لبرمجة الالتزامات المتعلقة بالمشاريع موضوع تعليمات ملكية سامية أو المندرجة في إطار اتفاقيات موقعة أمام الملك أو مبرمة مع المؤسسات الدولية أو الدول المانحة، مع الحرص على تسريع المشاريع طور الإنجاز. وبصفة عامة، يتعين أن تستند مقترحات نفقات الاستثمار إلى القدرات الفعلية للقطاعات الوزارية والمؤسسات على تدبير المشاريع الاستثمارية، وكذا إلى مستويات التنفيذ الميزانياتي لهذا الفصل، بما فيها معدلات ترحيل الاعتمادات من سنة لأخرى، واللجوء إلى آليات التمويل المبتكرة، سيما من خلال تفعيل الإطار القانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وشدد رئيس الحكومة على ترشيد إعانات الاستثمار الممنوحة للمؤسسات والمقاولات العمومية، وإعطاء الأولوية في تخصيصها للمشاريع التي توجد في طور الإنجاز، مع ربط وتيرة تسديد هذه الإعانات بمدى تقدم تنفيذ هذه المشاريع وبمستوى السيولة النقدية المتوفرة لديها، والتسوية المسبقة للوضعية القانونية للعقارات المخصصة للمشاريع الاستثمارية الجديدة، وذلك في إطار احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، بالإضافة إلى التقليص إلى أقصى حد من نفقات اقتناء السيارات وبناء وتهيئة وتجهيز المقرات الإدارية.
وأبرز أخنوش أن عنصر التغيرات المناخية أصبح محددا هاما وعامل هشاشة للتخطيط التنموي بصفة عامة، والتخطيط والبرمجة الميزانياتية بصفة أخص، إذ أضحت قنوات انتقال المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية إلى المالية العمومية تشمل المداخيل بسبب تداعيات هذه الظاهرة الكونية على الاقتصاد ككل، وكذا النفقات، اعتبارا لحاجيات برامج الحد من آثار التغيرات المناخية، كما ارتقى إلى صدارة المخاطر طويلة الأمد بالنسبة للفرضيات ونماذج التوقع الاقتصادي والمالي. وأشار أخنوش إلى أن الطابع البنيوي لتغير المناخ وتأثيره الشمولي على النظم البيئية والاقتصادية والاجتماعية يفرض اعتماد هذه الظاهرة كمعطى أساسي ضمن مسلسل بلورة السياسات التنموية، بما يضمن التخفيف من تأثيره واستغلال الفرص المرتبطة به في الوقت نفسه.
وأضاف منشور رئيس الحكومة أنه تم إطلاق برنامج «المناخ – دعم المساهمة المحددة وطنياً »، الذي يشمل إجراءات تروم المواءمة بين الالتزامات الواردة في إطار المساهمة المحددة وطنيا والبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات، ولهذا الغرض، دعا أخنوش القطاعات الوزارية والمؤسسات إلى مراعاة هذه المواءمة مع الحرص على أن تتوافق التزامات ميزانية الدولة في إطار المساهمة المحددة وطنيا برسم سنوات 2026 و2027 و2028 مع البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات، موازاة مع استجابة التخطيط الاستراتيجي القطاعي على المديين البعيد والمتوسط، ومخططات التنمية المجالية للرهانات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، مشددا على إرساء يقظة استراتيجية من أجل ملاءمة السياسات القطاعية حسب تطور وتغير الهشاشة القطاعية والمجالية.
التضخم.. حجر عثرة الاقتصاد في مواجهة المواطن
يُعتبر التضخم من القضايا الاقتصادية البارزة التي تؤثر على الاقتصاد المغربي، حيث يعكس الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، والاستثمارات، والاستقرار الاقتصادي بشكل عام. ويعد التضخم نتيجة لعوامل متعددة تشمل التغيرات في العرض والطلب، والسياسات النقدية والمالية، والتغيرات الخارجية مثل تقلبات أسعار النفط والمواد الأولية.
ويتأثر معدل التضخم في المغرب بعدة عوامل، من أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة، حيث يعتمد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على الواردات، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. كما أن التغيرات في سعر صرف الدرهم قد تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الواردات، مما ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات.
وعلاوة على ذلك، تؤثر السياسات النقدية والمالية التي تعتمدها الحكومة على معدلات التضخم، حيث قد يؤدي التوسع في الإنفاق العام وزيادة المعروض النقدي إلى ارتفاع الأسعار. إلى جانب ذلك، تشكل الأزمات الاقتصادية العالمية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا تحديات إضافية تساهم في ارتفاع التضخم من خلال اضطراب سلاسل التوريد وزيادة تكاليف الإنتاج.
وللتضخم آثار واسعة على الاقتصاد المغربي، حيث يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، مما يقلل من مستوى الاستهلاك ويؤثر على معيشة الأفراد، خاصة الطبقات ذات الدخل المحدود. كما أن التضخم يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج بالنسبة للشركات، مما قد يقلل من تنافسيتها ويؤثر على النمو الاقتصادي.
ومن جانب آخر، ينعكس التضخم سلبًا على الاستثمارات، حيث يؤدي عدم استقرار الأسعار إلى تردد المستثمرين في ضخ رؤوس الأموال، مما قد يبطئ من وتيرة التنمية الاقتصادية. كما أن التضخم يؤثر على معدلات الفائدة، حيث قد تلجأ البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، مما يزيد من كلفة الاقتراض ويؤثر على تمويل المشاريع الاقتصادية.
واتخذت الحكومة المغربية عدة إجراءات للحد من آثار التضخم، من بينها ضبط الأسعار من خلال دعم بعض المواد الأساسية، وتقديم مساعدات مالية للفئات الهشة لمساعدتها على مواجهة ارتفاع الأسعار. كما تعمل الحكومة على تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة.
وعلى المستوى النقدي، يعمل بنك المغرب على ضبط السياسة النقدية عبر التحكم في معدلات الفائدة وتحسين السيولة النقدية للحفاظ على استقرار الأسعار. كما تسعى الحكومة إلى تحسين مناخ الاستثمار لزيادة الإنتاجية وتوفير فرص العمل، مما يساعد في التخفيف من حدة التضخم.
وفي ظل التغيرات الاقتصادية العالمية، يتوقع أن يظل التضخم تحديًا مستمرًا في المغرب، خاصة مع استمرار التقلبات في الأسواق الدولية. ومع ذلك، فإن السياسات الحكومية الرامية إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين بيئة الاستثمار، وضبط السياسة النقدية قد تساهم في احتواء التضخم على المدى المتوسط والبعيد.
وبشكل عام، يبقى التضخم ظاهرة اقتصادية معقدة تتطلب استراتيجيات متكاملة لمواجهتها، تجمع بين السياسات النقدية والمالية، وتعزيز القطاعات الإنتاجية، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، لضمان استقرار الأسعار والحفاظ على النمو الاقتصادي.
ويعتبر بنك المغرب الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية في البلاد، حيث يلعب دورًا حيويًا في التحكم في معدلات التضخم من خلال عدة آليات. من بين الأدوات الأساسية التي يعتمدها البنك، نجد تحديد سعر الفائدة الرئيسي، والذي يتم استخدامه للحد من التضخم عن طريق رفع تكلفة الاقتراض، مما يؤدي إلى تقليل السيولة النقدية المتداولة في الأسواق.
كما يقوم بنك المغرب بمراقبة الكتلة النقدية وضبط العرض النقدي عبر أدوات مثل عمليات السوق المفتوحة، التي يتم من خلالها شراء وبيع السندات الحكومية لتنظيم السيولة. إضافة إلى ذلك، يعتمد البنك على تعزيز استقرار سعر صرف الدرهم لتجنب تقلبات حادة في أسعار الواردات، مما قد ينعكس سلبًا على الأسعار المحلية.
وعلاوة على ذلك، يتخذ بنك المغرب إجراءات لضمان استقرار القطاع المالي والمصرفي، من خلال مراقبة معدلات التضخم والتوقعات المستقبلية، واتخاذ تدابير استباقية لتفادي الارتفاعات المفرطة في الأسعار. كما يعمل على تعزيز التنسيق مع الحكومة لضمان تحقيق توازن بين السياسات النقدية والمالية بما يخدم استقرار الاقتصاد الوطني.
بنك المغرب يتوقع تزايد معدل النمو وتراجع التضخم
قرر بنك المغرب، خلال الاجتماع الفصلي الأول لمجلسه خلال سنة 2025، خفض سعر الفائدة الرئيسي، للمرة الثانية على التوالي والثالثة منذ يونيو الماضي. وأفاد البنك بأنه «أخذا بالاعتبار التطور المرتقب للتضخم عند مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار، وبغية تعزيز دعمه للنشاط الاقتصادي والتشغيل، قرر مجلس بنك المغرب خفض سعر الفائدة الرئيسي بما قدره 25 نقطة أساس إلى 2,25 في المائة».
وأكد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن قرار خفض سعر الفائدة الرئيسي يروم تعزيز مواكبة النمو والتشغيل في آن واحد. وأوضح خلال ندوة صحفية عقدت، عقب الاجتماع الفصلي الأول لمجلس بنك المغرب برسم سنة 2025، أن هذا الإجراء يندرج في إطار سياسة نقدية تتسم بالفعل بطابعها المتكيف، سيما في ما يتعلق بالتمويل البنكي.
وشدد، في هذا السياق، على ضرورة تقديم دعم أكبر إلى المقاولات الصغيرة جدا، التي تمثل نحو 88 بالمائة من النسيج الاقتصادي، مبرزا أن بنك المغرب أطلق برنامجا جديدا لدعم التمويل البنكي لهذه المقاولات، يشمل على الخصوص، إعادة تمويل البنوك المشاركة بسعر تفضيلي منخفض بـ25 نقطة أساس من سعر الفائدة الرئيسي.
من جهة أخرى، ذكر الجواهري أن هذا القرار يأتي في سياق يتسم بتباطؤ ملحوظ في معدل التضخم. وأوضح بنك المغرب أنه «بعد سنتين من المستويات المرتفعة، شهد التضخم تباطؤا جد ملموس سنة 2024، متراجعا إلى 0,9 بالمائة في المتوسط. ومن المرتقب، وفقا لتوقعات البنك، أن يتسارع خلال السنتين المقبلتين، مع بقائه في مستوى معتدل حول 2 بالمائة».
وأضاف أن مكونه الأساسي قد بلغ 2,2 بالمائة في 2024، ويرتقب أن يتطور أيضا عند حوالي 2 بالمائة على المدى المتوسط، مبرزا أن هذه الآفاق تبقى محاطة بشكوك قوية ترتبط أساسا، على الصعيد الخارجي، باستمرار التوترات الجيو-اقتصادية وتداعياتها على التضخم العالمي، وعلى الصعيد الداخلي، بتطور عرض المنتجات الفلاحية.
وسلط والي بنك المغرب الضوء أيضا على استدامة المالية العمومية، والحفاظ على احتياطات قوية من الصرف تغطي أكثر من خمسة أشهر من الواردات، إضافة إلى النمو الموطد للقطاعات غير الفلاحية، الذي من المتوقع أن يتجاوز 4 بالمائة.
وأفاد بنك المغرب بأن نمو الاقتصاد الوطني يرجح أن يكون قد بلغ 3,2 بالمائة في 2024، ويتوقع أن يتسارع تدريجيا ليصل إلى 3,9 بالمائة في 2025، و4,2 بالمائة في 2026، موضحا أنه من المرتقب أن يظل النمو غير الفلاحي قريبا من 4,2 بالمائة على المدى المتوسط، مدفوعا أساسا بانتعاش الاستثمار في البنيات التحتية. وأورد أن القيمة المضافة الفلاحية، في المقابل، ما زالت رهينة بالظروف المناخية، ويرجح أن تكون قد تراجعت بنسبة 4,7 بالمائة في 2024.
عجز الميزانية.. الهاجس الأكبر للحكومة
يُعد عجز الميزانية من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الوطني، حيث يعكس الفرق بين النفقات العامة وإيرادات الدولة. ويتأثر هذا العجز بعدة عوامل، من بينها تراجع الإيرادات الضريبية، وارتفاع النفقات العمومية، بالإضافة إلى تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، مما يفرض على الحكومة اتخاذ تدابير وإصلاحات مالية للحد منه.
ويعود عجز الميزانية إلى عدة أسباب رئيسية، من بينها التراجع في المداخيل الضريبية، نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض الإيرادات الجمركية. كما أن ارتفاع نفقات الدعم الاجتماعي يشكل عبئا إضافيا على المالية العامة، حيث تتطلب برامج الحماية الاجتماعية والمساعدات الموجهة إلى الفئات الهشة ميزانيات ضخمة. إلى جانب ذلك، يؤدي ارتفاع كتلة الأجور في القطاع العام إلى زيادة المصاريف الحكومية، خاصة مع توسع عدد الموظفين وارتفاع التعويضات. ويضاف إلى هذه العوامل التأثير السلبي لتقلبات الأسواق العالمية، خصوصا في ما يتعلق بأسعار الطاقة والمواد الأولية، مما يزيد من كلفة الواردات. كما أن لجوء الحكومة إلى الاقتراض لسد العجز، يؤدي إلى ارتفاع حجم الدين العمومي وأعباء خدمته.
وفي مواجهة هذا التحدي، وضعت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات للحد من عجز الميزانية، من أبرزها تعزيز الإيرادات الضريبية، عبر تحسين الامتثال الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي، للحد من التهرب الضريبي، كما تعمل الحكومة على ترشيد النفقات العمومية، من خلال تقليص الإنفاق غير الضروري، وتحسين كفاءة إدارة الموارد المالية. وفي هذا الإطار، تم إصلاح نظام صندوق المقاصة، بهدف توجيه الدعم مباشرة إلى الفئات الأكثر احتياجا، بدلا من الدعم العام للمواد الأساسية، مما يساعد في تقليل الضغط على الميزانية.
وإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة إلى تشجيع الاستثمارات، لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي، الأمر الذي من شأنه أن يرفع من حجم الإيرادات الضريبية. كما تعمل على تعزيز الرقمنة والشفافية في تدبير المالية العامة، لضبط النفقات وتحسين إدارتها، إلى جانب اتباع سياسات اقتراض مدروسة تضمن تمويل العجز بأقل التكاليف، وتقلل من أعباء خدمة الدين على المدى الطويل.
وفي إطار جهودها لضبط العجز، أطلقت الحكومة برامج لإصلاح المؤسسات العمومية وتحسين حكامتها المالية، حيث تهدف هذه الإصلاحات إلى تعزيز كفاءة المؤسسات وتحقيق مردودية أفضل للإنفاق العام، مما يسهم في تقليل العجز وتحسين الأداء الاقتصادي. كما تعمل على مراجعة طرق تمويل المشاريع الكبرى لضمان استدامتها، دون التأثير السلبي على الميزانية العامة.
إلى جانب ذلك، تعمل الحكومة على تحفيز القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والفلاحة والسياحة، حيث توفر دعما مباشرا وغير مباشر لهذه القطاعات، لزيادة الإنتاج وتحقيق قيمة مضافة، مما يساهم في رفع مستوى الصادرات وتقليل العجز التجاري، وبالتالي تحسين المداخيل العامة للدولة. كما تواصل الحكومة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لتنفيذ مشاريع تنموية كبرى، دون تحميل الميزانية أعباء إضافية، وذلك من خلال تشجيع الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، عبر آليات تمويل مبتكرة تقلل من الضغوط المالية على الخزينة العامة.
في هذا السياق، تعمل الحكومة على تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير الحوافز الضريبية والمالية لجذب المستثمرين، حيث تهدف هذه الإجراءات إلى تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، مما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة المداخيل الضريبية.
كما تسعى الحكومة إلى دعم المقاولات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال تسهيلات مالية وتمويلات موجهة، إذ تلعب هذه الفئة من الشركات دورا مهما في تنشيط الدورة الاقتصادية وتحقيق التوازن المالي، مما يساعد في تقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي وزيادة الاستقرار الاقتصادي.
ورغم أن عجز الميزانية لا يزال يشكل تحديا كبيرا، إلا أن الإجراءات الحكومية الرامية إلى تعزيز الإيرادات وترشيد النفقات، تساهم في تقليص آثاره على الاقتصاد الوطني. ومع استمرار الإصلاحات المالية والاقتصادية، يمكن للمغرب تحقيق توازن مالي مستدام، يدعم الاستقرار الاقتصادي ويعزز مناخ الاستثمار والتنمية.
ثلاثة أسئلة لمحمد جذري * :
“المؤشرات الاقتصادية صعبة ويجب حل إشكالات كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي تصاعدي”
– ما هي سمات الوضعية الاقتصادية الحالية في ظل المتغيرات الأخيرة؟
تجب الإشارة أولا إلى أن المغرب اليوم يتوفر على رؤية اقتصادية واضحة المعالم، يبتغي من خلالها مضاعفة الناتج الداخلي الخام الوطني من 130 مليار دولار إلى 260 مليار دولار في أفق سنة 2035. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، يجب على الاقتصاد الوطني أن يحقق معدل نمو سنوي بين 6 و7 في المائة، غير أنه للأسف اليوم، ما زال الاقتصاد الوطني يجد صعوبة في تحقيق معدل نمو بهذه النسبة، حيث لا يتجاوز النمو الاقتصادي معدلي 2 أو 3 في المائة على أبعد تقدير. وهذا راجع إلى مجموعة من الأسباب الأساسية، وعلى رأس هذه الأسباب، هو أن الاقتصاد الوطني لم يتمكن بعد من فك معادلة ارتباطه بالقطاع الفلاحي، وإن كان صحيحا أن القيمة المضافة غير الفلاحية في تزايد مستمر، وتحقق أكثر من 4 في المائة من النمو كل سنة، وهي المرتبطة بمجالات مثل صناعة السيارات والألبسة والنسيج والجلود والصناعة التقليدية والخدمات وغيرهاـ إلا أنه مازال القطاع الفلاحي مرتبطا ارتباطا وثيقا بسخاء السماء، وفي السنة الماضية تم تضييع عدد من الفرص بسبب ضعف التساقطات المطرية، واعتقد أنه خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، سيتواصل هذا الارتباط الوثيق للاقتصاد الوطني بالمجال الفلاحي، والجانب المتعلق بالماء، وهذا ما يفسر معدل النمو الاقتصادي لا يتعدى 3 في المائة خلال السنوات الأخيرة، وهي التي مازالت بعيدة عن 6 و7 في المائة التي يوصي بها النموذج التنموي الجديد.
– وماذا بخصوص آثار الاستراتيجية الحكومية في الرفع من معدل النمو؟
صحيح أن الحكومة اليوم تعتبر أن إشكالية التشغيل هي إشكالية حقيقية، على اعتبار أن نسبة البطالة تلامس معدلات قياسية وتقترب من نسبة 14 في المائة، بعدما جاوزت 13 في المائة، وهي نسبة مرتفعة جدا لم يصلها المغرب منذ عدة سنوات. وهذا ما يترجم أن جل الأسر المغربية تعاني من انتشار البطالة خصوصا لدى أبنائها الشباب، وبالتالي فالحكومة أعدت وأعلنت عن خارطة طريق ستشتغل على ضوئها في إطار محاولة بلوغ نسبة 9 في المائة في أفق 2030، وهي خارطة تتضمن العديد من المحاور الرئيسية، على رأسها دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، والتي ستحصل على دعم مباشر عن طريق ميثاق الاستثمار الجديد، والذي سيصل إلى 12 مليار درهم خلال سنة 2025، وكذلك الأمر في ما يتعلق بدعم القطاع الفلاحي من أجل الحفاض على اليد العاملة الفلاحية. وهذا أمر أساسي من أجل ضمان استقرار هذه الفئة، حيث سيصل هذا الدعم إلى 2 مليار درهم، بالإضافة إلى عنصر ثالث يتعلق بالشباب الذين لا يتوفرون على دبلومات، والذين سيستفيدون من معايير دمجهم في الحياة العملية، والذين تم تخصيص مبلغ 2 مليار درهم لهم من أجل هذا الغرض، وبالتالي فإن كل هذه الإجراءات التي تدخل ضمن خطة عمل الحكومة من أجل التقليص من نسبة البطالة، من شأنها أن تنتج آثارا بداية من نهاية هذه السنة وبداية العام المقبل، حيث ينتظر أن يتراجع معدل البطالة مع نهاية هذه السنة بنصف نقطة إلى نقطة على أبعد تقدير، لكن هذه الخطة لا ينتظر منها أن تحل إشكالية البطالة بصفة نهائية بل فقط ستخفف من ارتفاعها بنصف نقطة إلى نقطة سنة 2025.
– ما هي انعكاسات قرار بنك المغرب في خفض سعر الفائدة؟
إن قرار بنك المغرب هو قرار مفاجئ، على اعتبار أن أغلب التوقعات الاقتصادية كانت تشير إلى أنه سيكون توجه لبنك المغرب نحو تثبيت سعر الفائدة في 2.5 في المائة، غير أننا لاحظنا كيف أن بنك المغرب خفض السعر إلى 2.25 في المائة، ومن هنا يمكن اعتبارهذا القرار إشارة قوية إلى الاقتصاد الوطني، بأن بنك المغرب يريد تحفيز الاستثمار و الولوج إلى التمويلات البنكية. وأكثر من ذلك، فإن المبادرات التي يقوم بها بنك المغرب في طريقة دعم المقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة والصغيرة، من خلال منحها سعر تفضيلي بـ(-25) في المائة مقارنة مع نسبة الفائدة الرئيسية لبنك المغرب، تبقى إشارة إيجابية يمكن أن يبدأ أكلها مع النصف الثاني من سنة 2025، لكن هذا لا يمنع من أن النمو في المغرب مرتبط بحل عدد من الإشكاليات التي طالما تحدثنا عنها، والغرض من هذا هو الوصول إلى نسبة نمو 4 أو 5 أو حتى 6 في المائة، يجب العمل بكل ما يتعلق بحل إشكالية الماء من خلال تنزيل المخطط الاستراتيجي للري والشرب والذي يستمر إلى 2027، ونتائجه الحقيقية ستظهر في 2028، زيادة على الإشكال الثاني المرتبط بالطاقة، حيث إن عددا من المقاولات تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة على المستوى العالمي، وبالتالي وجب الذهاب بعيدا في إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. وهناك خارطة طريق في هذا السياق في أفق 2030 و2050، بالإضافة إلى النقاط المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال، من خلال إعادة النظر في منظومة الريع، وإصلاح مدونة الشغل، وإصلاح منظومة العدالة بالتوجه أكثر نحو نظام الوساطة بدل المحاكم، مع الإصلاح في المنظمات النقابية، ومعالجة مشكل الوسطاء والمحتكرين، و عدم التناسق والارتباط بين سوق الشغل والمنظومة التكوينية، وهذا من الإشكالات الكبيرة التي تواجه اقتصادنا الوطني.
*محلل اقتصادي