حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

البرامج الحكومية الموجهة للشباب 4,3 ملايين شاب بدون تعليم ولا عمل والحكومة رصدت 15 مليار درهم لخطة التشغيل

ظهرت مؤخرا تعبيرات شبابية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بوضع برامج حكومية خاصة بالشباب، وانتقلت هذه التعبيرات إلى الشارع في شكل حركات احتجاجية من أجل مطالب اجتماعية من قبيل التعليم والصحة والتشغيل، ما يفرض فتح نقاش سياسي حول فشل السياسات العموميـة الموجهة للشباب، في ظل الأرقام المقلقة الصادرة عن المؤسسات الرسمية، التي تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في أوساط هذه الفئة، بالإضافة إلى استمرار ظاهرة الهدر المدرسي، حيث كشفت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن مليون ونصف من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، لا ينتمون إلى فئة التلاميذ أو الطلبة أو المتدربين في التكوين المهني، ويوجدون في وضعية بطالة أو خارج الساكنة النشيطة، وحسب التقرير فإن عدد العاطلين بدون عمل ولا تعليم، يصل إلى 4.3 ملايين، إذا تم اعتماد السن بين 15 و34 سنة، وهو عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

1,5 مليون شاب بين 15 و24 سنة لا يدرسون ولا يشتغلون

 

أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في إطار إحالة ذاتية، تحت عنوان «شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين «NEET»: أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي؟»، ويرصد التقرير وضعية فئة شباب، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل، وأوصى المجلس بعدد من مسالك العمل التي من شأنها الارتقاء بهذه الفئة من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وأثار هذا التقرير جدلا بين المجلس والحكومة.

ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تبني مقاربة مندمجة من أجل تسريع الإدماج السوسيو- اقتصادي للشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين، وأكد المجلس أن إشكاليات الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب تحظى باهتمام متزايد على مستوى التوجهات الكبرى للسياسة العامة للدولة، مسجلا أنه تم التأكيد على ضرورة معالجتها في عدد من الخطب الملكية، وضمن التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد، كما تم التشديد عليها كهدف عرضاني في جملة من التدابير الواردة في البرنامج الحكومي (2026-2021).

ويأتي هذا الرأي في إطار مواصلة اشتغال المجلس على قضايا الشباب، من خلال تسليط الضوء بشكل خاص على فئة الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين، باعتبارها فئة تتسم بالهشاشة، وتواجه أشكالا متعددة من الإقصاء ببقائها خارج منظومة الشغل والتعليم والتكوين المهني.

وأشار إلى أن الأمر يتعلق بحوالي 1.5 مليون من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، لا ينتمون إلى فئة التلاميذ أو الطلبة أو المتدربين في التكوين المهني، ويوجدون في وضعية بطالة أو خارج السكان النشيطين، وأبرز أن هذه الفئة معرضة في حياتها لثلاثة انقطاعات حاسمة، ويتعلق الانقطاع الأول بالهدر المدرسي ما بين مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي (أزيد من 331 ألف تلميذ وتلميذة كمعدل سنوي)، لأسباب تتعلق أساسا بالرسوب المدرسي والصعوبات المرتبطة بالوصول إلى المؤسسات التعليمية، سيما في الوسط القروي، بالإضافة إلى العجز الهام المسجل على مستوى العرض المتعلق بالتكوين المهني، والتي تنضاف إليها حواجز أخرى سوسيو- اقتصادية تزيد من حدة الوضع (إكراهات اجتماعية، ثقافية وعائلية، الزواج المبكر للفتيات، تشغيل الأطفال، وضعية الإعاقة، وغيرها).

وأوضح التقرير أن الانقطاع الثاني يتعلق بالانتقال من الحياة المدرسية إلى سوق الشغل، حيث يصطدم الباحثون عن أول فرصة شغل (6 من كل 10 شباب عاطلين) بالعديد من الإكراهات، وفي مقدمتها عدم ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، والفعالية المحدودة لخدمات الوساطة في مجال التشغيل، وأضاف أنه بالنسبة إلى العنصر النسوي الذي يشكل حوالي 73 في المائة من شباب هذه الفئة، فتبرز عوامل أخرى مثل التمييز بين الجنسين في بعض الأحيان، وضغط الأعباء المنزلية.

وتابع أن الانقطاع الثالث في مسار الشباب يتعلق بالفترة التي يتطلبها الانتقال من وظيفة إلى أخرى، حيث يكون هذا الانقطاع إما نتيجة لفقدان الشغل، بسبب تقلبات الظرفية وهشاشة النسيج المقاولاتي، أو نتيجة التخلي الاختياري لعدم احترام شروط الشغل اللائق، أو تدني مستويات الأجور بالمقارنة مع الدبلومات والكفاءات.

وانطلاقا من هذا التشخيص، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتبني مقاربة دامجة، ترتكز على خمسة محاور أساسية يهم أولها تعزيز قدرات هذه الفئة من خلال إنشاء نظام معلوماتي وطني له امتداد جهوي لرصد وتتبع مساراتها، ويضم هذا النظام معطيات متقاطعة من مصادر متعددة (السجل الاجتماعي الموحد، إحصائيات مستمدة من القطاعات المعنية، وغيرها).

وأبرز أن المحور الثاني يتجلى في إرساء منظومة موسعة لاستقبال وتوجيه شباب هذه الفئة إلى حلول ملائمة لوضعياتهم المختلفة، وذلك من خلال تطوير شبكة مكثفة من بنيات الاستقبال والاستماع والتوجيه في مختلف الجماعات الترابية، وتخضع لميثاق موحد يحدد أدوار وأنشطة ومسؤوليات مختلف الفاعلين المعنيين.

أما المحور الثالث، فيتمثل في تحسين خدمات وبرامج الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب من هذه الفئة من حيث الجودة والفعالية، وذلك من خلال إعادة إدماجهم في منظومة التعليم أو التكوين، والرفع من قدراتهم المهنية وقابليتهم للتشغيل، ومساعدتهم على إيجاد فرص الشغل، مع إرساء إطار تعاقدي يتلاءم مع القطاع الخاص أو القطاع الثالث، فضلا عن توفير المواكبة القبلية والبعدية لإنشاء المقاولات.

كما يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع تدابير وقائية، تفاديا لوقوع فئات جديدة من الشباب في وضعية الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين، وذلك من خلال ضمان فعلية إلزامية التعليم حتى سن السادسة عشرة، وتوفير خدمات الدعم المدرسي، ومدارس وأقسام الفرصة الثانية الضرورية للتأهيل وإعادة الإدماج، مع دعم الأسر المعوزة، وتعميم التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة، وتعزيز أدوار الفاعلين العموميين والمجتمع المدني المعني على المستوى المحلي.

وتهم هذه التدابير أيضا تعميم المدارس الجماعاتية في العالم القروي لمحاربة الهدر المدرسي، مع تحسين مستوى تجهيزها بالمرافق الضرورية، وتوسيع نطاق خدمة الإطعام والنقل المدرسي، وتعزيز العرض العمومي في التكوين المهني بالمناطق القروية، مع ملاءمة التخصصات مع الاحتياجات الخاصة بكل جهة وبكل مجال ترابي.

ويتعلق المحور الخامس والأخير بوضع إطار للحكامة يرتكز على تقوية التقائية وتكامل البرامج القطاعية الموجهة إلى هذه الفئة من الشباب، فضلا عن التنسيق المستمر بين مختلف الفاعلين المعنيين.

من جانب آخر، لفت المجلس إلى أن إعداد هذا الرأي تم باستثمار مخرجات الاستشارة المواطنة التي أطلقها المجلس عبر منصته الرقمية «أشارك»، التي بلغ عدد التفاعلات معها 35.396، منها 1266 إجابة عن الاستمارة على صفحات المجلس على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأوضح من خلال تقاسم أهم الخلاصات المستمدة من هذه الاستشارة، أن 83 في المائة من المشاركات والمشاركين صرحوا أنهم يعرفون عددا من الشباب المنتمين إلى هذه الفئة في محيطهم الاجتماعي، وأن 61 في المائة اعتبروا أن وضعية الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين تمس بالأساس شباب الوسط الحضري، مضيفا أن 60 في المائة من الإجابات اعتبرت أنها تهم الشباب الذين لم يحصلوا على شهادات دراسية، فيما أرجع 75 في المائة منهم أسباب هذه الظاهرة إلى صعوبات الإدماج المهني وغياب فرص الشغل، كما أن 60 في المائة منهم يرون أن الهدر المدرسي يؤدي إلى هذه الوضعية. وأشار حوالي واحد من كل خمسة مشاركين إلى أن الزواج المبكر للفتيات يشكل أحد أسباب هذه الظاهرة، بينما لا يعلم 78 في المائة منهم بوجود برامج عمومية، أو مبادرات من المجتمع المدني موجهة إلى دعم هذه الفئة من الشباب.

وفي ما يتعلق بالتدابير المقترحة لتسهيل عملية الإدماج الاجتماعي والمهني لهذه الفئة، اقترح 67 في المائة من المشاركات والمشاركين إعطاء الأولوية لوضع سياسة عمومية مندمجة تستهدف هذه الفئة، في حين اقترح 64 في المائة منهم دعم المقاولة والتشغيل الذاتي، بينما يرى حوالي 35 في المائة أنه من الأنسب تشجيع الإدماج من خلال مجالات الفنون والرياضة.

15 مليار درهم لتمويل خطة التشغيل وتقليص معدل البطالة إلى 9 في المائة

 

 

أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورًا يتعلق بتنزيل خارطة الطريق لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال التشغيل، التي تعتبرها الحكومة أولوية وطنية كبرى نظرًا لدورها الأساسي في صون كرامة المواطن، وضمان العيش الكريم للأسر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنشدها المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس.

وأكد المنشور التزام الحكومة بتنفيذ سياسات فعالة للحد من البطالة وتوفير الشغل اللائق، عبر وضع أهداف طموحة قريبة ومتوسطة المدى، تشمل تقليص معدل البطالة إلى 9 في المائة وإحداث 1,45 مليون منصب شغل إضافي بحلول عام 2030، شريطة عودة التساقطات المطرية إلى مستوياتها الطبيعية. ولتحقيق هذه الغايات، خصصت الحكومة، عبر قانون المالية لسنة 2025، غلافًا ماليًا إضافيًا يقدر بحوالي 15 مليار درهم، وُجهت 12 مليار درهم منه لدعم الاستثمار وخلق فرص الشغل، فيما تم تخصيص مليار درهم للحفاظ على مناصب الشغل في الوسط القروي، وملياري درهم لتحسين نجاعة برامج إنعاش التشغيل.

ويعتمد نجاح خارطة الطريق على ثماني مبادرات رئيسية تهدف إلى تعزيز إدماج الشباب في سوق العمل وتحفيز الاستثمار. وتتمثل المبادرة الأولى في دعم استثمار المقاولات الصغيرة والمتوسطة، عبر تفعيل مقتضيات ميثاق الاستثمار وتمكينها من الولوج إلى أنظمة الدعم وتحسين كفاءتها التدبيرية. أما المبادرة الثانية فترتكز على تعزيز السياسات النشيطة للتشغيل وتعميم نظام التدرج المهني، خصوصًا لفائدة غير الحاصلين على شهادات، لتمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة لسوق الشغل وإحداث 422 ألفًا و500 منصب شغل بحلول 2025.

وفي إطار جهود تقليص فقدان مناصب الشغل في القطاع الفلاحي، تهدف المبادرة الثالثة إلى وضع برنامج خاص لدعم المشاريع المحدثة لفرص العمل في المناطق القروية المتضررة من الجفاف، إلى جانب إطلاق منصة إلكترونية لتنسيق العرض والطلب في مجال اليد العاملة الفلاحية. وتشمل خارطة الطريق مبادرة رابعة تهدف إلى إدماج السياسات النشيطة للتشغيل ضمن برنامج موحد، بغية تحسين استغلال موارد الدولة ورفع عدد المستفيدين إلى ما بين 400 ألف و500 ألف مستفيد سنويًا.

ومن بين المبادرات الرئيسية، تعزيز مهام الوكالة الوطنية للتشغيل بهدف الرفع من وتيرة الإدماج المهني، من خلال مسار مندمج للوساطة في التشغيل يمتد منذ مرحلة التعليم، لتوجيه الباحثين عن العمل وتأهيلهم بشكل فعال. وتسعى الحكومة، كذلك، إلى إزالة العوائق التي تحول دون ولوج النساء إلى سوق الشغل، عبر تحسين ظروف عمل المرأة وتعزيز النقل الخاص بالعاملات، وتوسيع شبكة الإنارة العمومية في المناطق شبه الحضرية وتوفير مزيد من حضانات الأطفال والتعليم الأولي.

وتتضمن خارطة الطريق، أيضًا، مبادرة للحد من الهدر المدرسي، عبر تقليص عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة من 295 ألف تلميذ خلال 2024 إلى 200 ألف تلميذ بحلول 2026. وسيتم، كذلك، تحسين منظومة التكوين بملاءمة المسارات التكوينية مع حاجيات سوق الشغل، لضمان توفير كفاءات مؤهلة تلبي متطلبات القطاعات الإنتاجية المختلفة.

ولتأمين نجاح تنفيذ هذه المبادرات، تم إرساء نظام حكامة جديد يقوم على إحداث لجنة وزارية للتشغيل تُعنى بتتبع تنزيل البرامج المختلفة، وتقييم أثرها على مؤشرات التشغيل، إلى جانب إحداث وحدة متخصصة في جمع وتحليل المعطيات المرتبطة بسوق العمل، بغية توفير بيانات دقيقة تساعد على اتخاذ القرارات المناسبة وتعزيز نجاعة السياسات العمومية.

 

بطالة الشباب.. هاجس الحكومة الأول

 

تُعد البطالة إحدى الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تواجه الحكومة، حيث تؤثر بشكل مباشر على استقرار المجتمع وتطوره، على اعتبارها تمس فئة عريضة من الشباب، وتشير الأرقام إلى أن معدل البطالة في المغرب بلغ 13 في المائة خلال سنة 2024، مع تسجيل نسبة مرتفعة تصل إلى 31.8 في المائة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، وهي نسبة تفوق المعدل الوطني بكثير. كما يعاني خريجو الجامعات من صعوبة كبيرة في ولوج سوق الشغل، حيث تصل نسبة البطالة في صفوفهم إلى 19.6 في المائة، ما يعكس فجوة بين التكوين الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل. ويتركز العاطلون عن العمل في المناطق الحضرية، حيث يصل معدل البطالة إلى 16.3 في المائة، مقابل 5.7 في المائة فقط في المناطق القروية، وذلك نتيجة عدم توازن التنمية الاقتصادية بين المدن والقرى. بالرغم من تحسن النمو الاقتصادي، حيث سجل الناتج الداخلي الإجمالي نموا بنسبة 3.2 في المائة سنة 2023، إلا أن هذا النمو لم يكن كافيا لخلق فرص شغل تتماشى مع عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

ويرجع تفاقم البطالة إلى عدة أسباب، أبرزها ضعف المواءمة بين التكوين المهني ومتطلبات سوق العمل، حيث إن 61 في المائة من المشغلين يعتبرون أن الخريجين الجدد يفتقرون إلى المهارات اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تعتبر أكبر مشغل في المغرب، حيث تمثل 95 في المائة من النسيج الاقتصادي، تحديات كبرى تتعلق بالتمويل والإجراءات الإدارية المعقدة، ما يحد من قدرتها على التوسع وخلق فرص شغل جديدة. كما أن التحول التكنولوجي السريع قلص الحاجة إلى بعض الوظائف التقليدية، مما زاد من صعوبة إدماج بعض الفئات في سوق الشغل. أما على المستوى الاجتماعي، فإن البطالة تؤثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي للأسر المغربية، حيث إن 70 في المائة من العاطلين يعتمدون على دعم عائلاتهم لتلبية احتياجاتهم اليومية. كما أن البطالة تساهم في ارتفاع نسب الهجرة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 46 في المائة من الشباب المغربي يرغبون في الهجرة بحثا عن فرص أفضل. وفي سنة 2023، سجل المغرب خروج أكثر من 100 ألف مغربي إلى الخارج سعيا وراء فرص عمل أفضل، مما يعكس حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

لمعالجة هذه الأزمة، يجب التركيز على تشجيع الاستثمار من خلال توفير تحفيزات ضريبية، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة، حيث تشير البيانات إلى أن استثمارات القطاع الخاص تسهم بنسبة 60 في المائة من إجمالي فرص العمل المستحدثة سنويا. كما يجب إعادة النظر في منظومة التعليم والتكوين المهني، لضمان تكوين يستجيب لحاجيات السوق، خاصة في القطاعات الصاعدة مثل التكنولوجيا والصناعات التحويلية، التي تمثل حاليا 15 في المائة من فرص الشغل الجديدة. دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة يعد كذلك من الحلول الفعالة، إذ يمكن من خلال تسهيل التمويل وتقليل البيروقراطية، مساعدة هذه المقاولات على التوسع وتوظيف المزيد من اليد العاملة. كما أن تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعد من بين الحلول المهمة، حيث يمكن دعم التعاونيات والمشاريع الذاتية لخلق فرص شغل مستدامة، وقد سجل هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة توفير أكثر من 250 ألف فرصة عمل جديدة. إصلاح سوق الشغل عبر سياسات تشغيل فعالة تركز على تشغيل الشباب والنساء، حيث إن نسبة البطالة بين النساء بلغت 17.5 في المائة، مقابل 10.1 في المائة لدى الرجال، بالإضافة إلى إدماج القطاع غير المهيكل في الدورة الاقتصادية الرسمية، الذي يمثل حاليا حوالي 30 في المائة من إجمالي الأنشطة الاقتصادية، سيتيح تحسين أوضاع سوق العمل وتقليص معدلات البطالة. البطالة ليست مجرد إشكالية اقتصادية، بل هي تحدٍ اجتماعي يتطلب تنسيقا محكما بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لضمان حلول مستدامة تساهم في تحقيق تنمية متوازنة وشاملة.

 

50 في المائة من الطلبة يغادرون مؤسسات التعليم العالي بدون شهادات

 

 

كشفت أرقام صادمة صادرة عن وزارة التعليم العالي بخصوص الهدر الجامعي،  أن نسبة الهدر لدى الطلبة في الجامعات تصل إلى 50 في المائة، حيث هناك 75 في المائة من الطلبة من يقضي 4 أو خمس سنوات في الإجازة، مقابل 25 في المائة فقط ممن يحصلون على الإجازة في ثلاث سنوات، بالإضافة إلى تسجيل معدل البطالة عال بين صفوف حاملي الشهادات الجامعية، وذلك يعود إلى ثغرات عديدة، أولها ضعف الكفاءات اللغوية، والمهارات الذاتية.

وكان المجلس الأَعلى للتربية والتكوين، وجه انتقادا قويا لاعتماد الوزارة سابقا لسلك البكالوريوس في الهيكلة البيداغوجية الخاصة بالتعليم العالـي، ونبه المجلس إلى غياب تصور وعدم وضوح الرؤية والغاية من التغيير في النظام التعليمي الجامعي، وأَشار المجلس في رأي لَه حول الموضوع إلى أَن إضافة سلك البكالوريوس يطرح مجموعـة من الصعوبات التنظيمية والتدبيرية، منها أن إضافة سلك جديـد ومـواز لا يضمن تحقيق أهداف جودة التكوين بمؤسسات الولوج المفتوح، وهو ما تؤكده تجارب سابقة مثل “الإجازة التطبيقية”، و”الإجازة المهنية”، غير الناجعة، حسب تقرير المجلس، الذي نبه إلى أَن تمديد مدة السلك بسنة لا يوازيه تعزيز علـى مسـتوى اكتساب المعارف والكفايات الأكاديمية، وهو التقرير الذي دفع الوزارة الوصية إلى إلغاء اعتماد هذا النظام بشكل مطلق ابتداء من الموسم الجامعي الحالي.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب اعتمد منذ سنة 2003 إصلاحا بيداغوجيا ارتكز على نظام إجازة -ماستر –دكتوراه في إطار تدويل تعليم العالي. إلا أنه وبعد مرور أكثر من 20 سنة بالعمل بهذا النظام كشفت خلاصات دراسات وتقارير المؤسسات الرسمية، خاصة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الأعلى للحسابات وكذا التقارير المنجزة من طرف الجامعات على ضرورة تطوير هذا النظام نظرا للإكراهات المتعددة التي تم الوقوف عليها.

ومن بين هذه الإكراهات، وجود طلب اجتماعي في تزايد مستمر، حيث إن عدد الحاصلين على شهادة الباكالوريا في ارتفاع مستمر حيث بلغت نسبة 22+ في المائة ما بين سنتي 2015 و2019 مما شكل ضغطا كبيرا على المؤسسات ولاسيما ذات الاستقطاب المفتوح التي عرفت تسجيل 87 في المائة من مجموع الطلبة الجدد بها.

بالإضافة إلى إشكالية التوجيه وعدم ملاءمة المدخلات مع العرض البيداغوجي لسلك الإجازة، فعلى مستوى التعليم الثانوي تستحوذ شعب العلوم والتقنيات على أكبر عدد من التلاميذ بنسبة تفوق 60 في المائة، في حين لا يوجد أي انعكاس لبنية حاملي شهادة الباكالوريا على بنية المسجلين الجدد بسلك الإجازة، حيث المسجلون بمسالك العلوم لا تتعدى نسبتهم 15 في المائة، بالمقابل 35 في المائة من مجموع الحاصلين على باكالوريا علمية أو تقنية يفضلون التسجيل في ميادين العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والآداب والعلوم الإنسانية.

كما رصدت التقارير مردودية داخلية ضعيفة لسلك الإجازة، حيث 16,5 في المائة من عدد الطلبة الجدد في سلك الإجازة ينقطعون عن الدراسة في السنة الأولى، كما تقدر النسبة الإجمالية للانقطاع عن الدراسة بدون الحصول على أي شهادة وبدون احتساب عدد السنوات المستهلكة ب 47,2 في المائة، في حين أن 13,3 في المائة فقط من مجموع الطلبة الجدد المسجلين بمؤسسات الولوج المفتوح، يحصلون على دبلوم الإجازة في مدة ثلاث سنوات، كما يبلغ متوسط عدد السنوات للحصول على دبلوم الإجازة ما بين 5 – 4,5 سنة، دون احتساب الهدر.

وتشير التقارير إلى أن هذه المعطيات المترتبة عن الانقطاع أو التكرار لها تكلفة تسيير إضافية تقدر ب 746.3 مليون درهم، من جهة أخرى، أبانت مختلف تقارير المؤسسات الوطنية والدراسات الميدانية واللقاءات التشاركية التي قامت بها الوزارة عن ضعف مستوى التحصيل البيداغوجي بسبب اختلاف لغة التدريس بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي العالي، خاصة في الشعب العلمية والتقنية، بالإضافة إلى تسجل ضعف المستوى المعرفي في مواد أساسية، خصوصا بالنسبة لبعض شعب البكالوريا، وعدم تملك الطلبة مجموعة من الكفايات الأفقية المتعلقة بالمهارات الحياتية والذاتية؛ كالريادة، العمل بالفريق، الحس النقدي، وعدم استثمار الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية لتطوير التعليم العالي خاصة التعليم عن بعد، وضعف انخراط الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين في تحديد الحاجيات والمساهمة في بلورة وتأطير التكوينات.

كما سجلت التقارير وجود ضعف على مستوى المردودية الخارجية للمنظومة مما ينعكس على صعوبة الولوج والاندماج في سوق الشغل، حيث تشير إحصائيات سنة 2018 المتوفرة لدى المندوبية السامية للتخطيط إلى نسبة بطالة مستقرة في 20 في المائة، في ما يخص خريجي الكليات ذات الولوج المفتوح.

 

الشباب في عيون الحكومة.. برامج مختلفة بهدف واحد

 

تلعب البرامج الحكومية الموجهة للشباب دورا محوريا في محاولة استيعاب تطلعات هذه الفئة التي تمثل أكثر من ثلث المجتمع، باعتبارها طاقة بشرية هائلة يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة للتنمية أو إلى مصدر للاحتقان الاجتماعي إذا لم تُواكب بالسياسات العمومية الملائمة. ومنذ سنوات، عملت الحكومات المتعاقبة على إطلاق عدد من المبادرات التي تستهدف تشغيل الشباب وتأهيلهم وتوفير فضاءات للابتكار والإبداع، غير أن الحصيلة ما تزال محل نقاش واسع بين من يرى فيها خطوات مهمة لكنها متعثرة، وبين من يعتبرها مجرد شعارات لم ترتق إلى مستوى انتظارات الشباب المغربي.

من أبرز هذه البرامج هناك “أوراش” الذي أطلق في إطار خطة وطنية للتشغيل. يقوم هذا البرنامج على توفير فرص عمل مؤقتة لفائدة آلاف الشباب في مختلف الجهات عبر إدماجهم في مشاريع ذات منفعة عامة أو في إطار جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات. ورغم الانتقادات التي وجهت إليه بدعوى أنه لا يضمن استقرارا مهنيا، إلا أن الحكومة تعتبره آلية انتقالية لتوفير دخل للشباب العاطل ومنحهم تجربة مهنية أولية قد تساعدهم في الاندماج اللاحق بسوق الشغل. وإلى جانب “أوراش” برز أيضا برنامج “فرصة” الذي يهدف إلى تمويل مشاريع الشباب المقاولين عبر قروض صغيرة بدون فائدة ودورات تكوينية في مجال ريادة الأعمال. وقد تمكن الآلاف من الشباب من الاستفادة من هذا البرنامج، غير أن بعض الأصوات تعتبر أن مواكبته تبقى محدودة وأن نسبة المشاريع التي تنجح في الاستمرار ضعيفة بسبب غياب المتابعة والإطار الداعم.

الحكومة سعت كذلك إلى تعزيز البنيات التحتية الموجهة للشباب، من خلال إطلاق مبادرة “دور الشباب الجديدة” التي تقوم على إعادة تأهيل الفضاءات التقليدية وتزويدها بوسائل رقمية ومكتبات متعددة الوسائط وقاعات للتدريب على المهارات الحياتية. الفكرة هي تحويل هذه المؤسسات إلى منصات قادرة على استقطاب الشباب وتنمية قدراتهم بدل الاقتصار على أنشطة كلاسيكية. ورغم أن التجربة ما تزال في بداياتها، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن الشباب يتفاعلون معها بشكل إيجابي متى توفرت التجهيزات والموارد البشرية الكافية.

من جانب آخر، أولت الحكومة أهمية خاصة لقطاع التعليم والتكوين المهني باعتباره أساس تأهيل الشباب. فتم توسيع عرض التكوين عبر إنشاء معاهد جديدة للمهن، خصوصا في مجالات الصناعة الرقمية والطاقات المتجددة واللوجستيك. وتطمح هذه المعاهد إلى سد الخصاص الكبير في الكفاءات الذي يعيق الاستثمار في بعض القطاعات الاستراتيجية. كما جرى إطلاق برامج لتعليم اللغات الأجنبية وتطوير المهارات الرقمية للشباب داخل المؤسسات الجامعية والتكوينية، في محاولة لربط مساراتهم التعليمية بحاجيات سوق العمل. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو ضعف التنسيق بين هذه البرامج ومتطلبات المقاولات، حيث يشكو العديد من المشغلين من أن التكوين لا يواكب التطور السريع للمهن الجديدة.

كما أن المبادرات الحكومية لم تغفل الجانب الثقافي والرياضي، إذ تمت برمجة مشاريع لبناء مركبات رياضية وثقافية في مختلف المدن، وإدماج الشباب في أنشطة الجمعيات المحلية. هذه البرامج تسعى ليس فقط لتوفير فضاءات للتسلية، بل أيضا لترسيخ قيم المواطنة والانخراط المجتمعي، وتقليص مظاهر الانحراف الاجتماعي التي تتفاقم عادة في أوساط الشباب المهمش. ورغم ذلك، فإن ضعف الميزانيات المخصصة للثقافة والرياضة يجعل هذه المشاريع غير قادرة على تلبية حاجيات جميع الفئات، خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق القروية.

إلى جانب الجهود الحكومية، لا يمكن إغفال دور الشراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية في دعم البرامج الموجهة للشباب. فقد تم إبرام عدة اتفاقيات مع مؤسسات مالية لتمويل مشاريع ناشئة، إضافة إلى تعاون مع منظمات أممية في مجالات التكوين والتشغيل. هذه الشراكات تمنح زخما للبرامج لكنها في الوقت نفسه تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على صياغة سياسة وطنية متكاملة ومستقلة للشباب بعيدا عن إملاءات الخارج.

رغم كل هذه المبادرات، يظل الإشكال الحقيقي مرتبطا بضعف الأثر الملموس لهذه البرامج على واقع الشباب اليومي. فما زال معدل البطالة في صفوفهم مرتفعا، وما تزال الهجرة نحو الخارج حلما يراود آلاف العقول والكفاءات. كما أن فقدان الثقة في المؤسسات يجعل الشباب يتعاملون أحيانا بنوع من اللامبالاة مع هذه البرامج، معتبرين إياها وعودا انتخابية أكثر منها سياسات مستدامة.

إن التحدي المطروح اليوم أمام الحكومة لا يكمن فقط في إطلاق برامج جديدة، بل في ضمان استمرارية البرامج القائمة وتقييمها بصرامة وربطها بحاجيات فعلية للشباب في التعليم والعمل والاندماج المجتمعي. كما أن إشراك الشباب أنفسهم في صياغة هذه البرامج وتنفيذها يعد خطوة ضرورية لإعادة الثقة بينهم وبين المؤسسات. فإذا أُحسن تدبير هذه الطاقات الهائلة، يمكن أن تتحول إلى رافعة للتنمية وركيزة لبناء مغرب أكثر عدالة وازدهارا، أما إذا استمر هدرها، فقد تتحول إلى قنابل اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة.

غير أن البرامج الحكومية الموجهة للشباب، رغم تنوعها وأهميتها، ما تزال في حاجة إلى مراجعة عميقة وآليات مواكبة فعلية حتى تحقق الغايات التي أُطلقت من أجلها، أي ضمان اندماج هذه الفئة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وصون آمالها في مستقبل أفضل.

 

ثلاثة أسئلة لعتيق السعيد* :

 

 «إحداث المجلس الاستشاري للشباب أولوية استراتيجية للتمكين والنهوض بقضايا الشباب»

 

 

 

1  – ما مكانة الشباب في السياسات العمومية؟

 

بداية لا بد من الإشارة إلى أن تمكين الشباب في مختلف المجالات حظي باهتمام بالغ ضمن التوجهات الكبرى للدولة، حيث تعد أولوية كبرى في مضامين الخطب والرسائل الملكية السامية التي تشدد باستمرار على ضرورة الانكباب على إيجاد حلول جادة وسريعة، تتسم بالفعالية والاستدامة بهدف توسيع الفرص أمام الشباب وتسهيل مشاركتهم، باعتبارهم المدخل الأساسي والمحوري للنهوض بالمسار التنموي وتحقيق الازدهار والرخاء في البلاد.

وبالرجوع إلى تصورات النموذج التنموي الجديد، يتضح أن التقرير العام قدم مقاربة متعددة الأبعاد، جعل منها توجهًا استراتيجيًا للنموذج. فقد دعا، أولًا وقبل كل شيء، إلى ضرورة منح الفرص للجميع من خلال تعزيز الاستقلالية الذاتية وتنمية القدرات لدى جميع المغاربة، نساءً ورجالًا، مع إيلاء أهمية خاصة لحماية الفئات الهشة. وأكد التقرير، كذلك، على متطلبات الإدماج الشامل، موليًا عناية خاصة لفئة الشباب باعتبارهم رصيدًا ديمغرافيًا استراتيجيًا للبلاد. وفي هذا السياق يبرز البعد الثقافي كرافعة مهيكلة أساسية، ليس فقط لتكريس قيم التنوع والتعدد وتعزيز الروابط بين الفئات الاجتماعية والأجيال، بل أيضًا كوسيلة فعالة للمساهمة في خلق الثروة.

أما بخصوص الشباب وموقعهم في السياسات العمومية، فإن العديد من هذه السياسات، في جانبها التدبيري- الحكومي، ما تزال تفتقر إلى خارطة طريق واضحة ودقيقة مبنية على رؤية قصيرة المدى. فضلا عن أن القطاعات المعنية مدعوة إلى مواصلة برامجها الإصلاحية بشكل متواصل ودون توقف، من أجل تحقيق وتيرة أسرع لآليات الإدماج الاقتصادي والاجتماعي، بما يضمن الاستجابة الفعلية لاحتياجات الشباب وتطلعاتهم.

وتحظى فئة الشباب بمكانة بارزة في المجتمع المغربي، حيث تمثل القاعدة الأساسية في النسيج الديمغرافي للساكنة، وتشكل ثروة حقيقية لمواجهة تحديات استكمال بناء المغرب الحديث، ومن ثَمّ يقتضي الأمر استثمار هذه الطاقات البشرية عبر تطوير سياسات مندمجة تُعنى بحاضر الشباب ومستقبلهم، والبحث عن أنجع السبل للنهوض بأوضاعهم وتجويد نمط عيشهم. ولتحقيق ذلك يصبح من الضروري اعتماد رؤية استشرافية تراعي مختلف الشروط الكفيلة بتمكين الشباب من الاندماج الفعّال في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

2-  أي دور للتعليم والتكوين المهني في الرقي بمكانة الشباب وتجويد نمط عيشه؟

تجويد التعليم يشكل محوراً رئيسياً لمعظم الانتظارات المجتمعية، ومن ثَمَّ جرى التأكيد على ضرورة إعادة تأهيل المدرسة العمومية، من خلال تحسين جوهري لجودة التعلمات وتكييفها مع احتياجات سوق الشغل، وتشجيع الانفتاح على اللغات الأجنبية وإرساء نظام توجيه ناجع للرفع من فرص النجاح المدرسي، على اعتبار ان إصلاحاً شاملاً وفعلياً لمنظومة التعليم يظل من أولويات المرحلة، بحيث يستوجب الرفع من مستوى التأهيل المهني للموارد البشرية، سواء في ما يتعلق بالمهارات الذاتية أو ما يخص القدرات التقنية، بهدف ضمان التأطير والخبرة الضروريين لعملية التحول الاقتصادي.

إن الانخراط القوي للقطاع الخاص وتعزيز مشاركته في عملية تنمية القدرات، في إطار شراكات مع الدولة والجهات وتوطيد الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تسيير مؤسسات التكوين المهني، على غرار ما جرى اعتماده بنجاح في بعض القطاعات الصناعية، يجب أن يخضع لملاءمة خاصة قصد القيام بثلاث وظائف أساسية غير متوفرة حاليا بالنسبة لأغلب القطاعات بالمغرب، تتمثل أولا في تخطيط الحاجيات من الموارد البشرية من خلال التحديد الدوري للمهن والكفاءات المطلوبة من قبل المقاولات على المستوى الوطني والجهوي والقطاعي، ثانيا مراقبة جودة التكوينات المهنية باعتماد التقييم المستقل للكفاءات المكتسبة من طرف المستفيدين مباشرة وقياس نسب الإدماج في سوق الشغل بكيفية ممنهجة، وثالثا تحسين تدبير التكوين المستمر الذي يتعين فصل تمويله عن مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل وإسناده إلى جهاز يتم إحداثه لهذا الغرض، يتولى أيضا الإشهاد على الكفاءات والتصديق على المهارات المهنية المكتسبة.

ولأجل تنزيل أمثل لمختلف الإصلاحات البنيوية المرتبطة بقطاع التعليم وتعزيز ورش التكوين المهني، لابد من الوقوف على حرص جلالة الملك، في العديد من الخطب الملكية، على الدعوة المستمرة لتأهيل شامل لهذا القطاع الحيوي، من خلال تنويع وتثمين المهن وتحديث المناهج البيداغوجية، بالإضافة الى تطوير برامجه العملية والتقنية، عناية ملكية تؤكد على ضرورة تأهيل قطاع التكوين المهني وتعزيز مناهجه من خلال إنشاء مؤسسات جديدة، من قبيل مدن المهن والكفاءات تمتاز بتعدد الأقطاب والتخصصات، مندمجة مع المنظومة البيئية الاقتصادية الجهوية، ومحتضنة لتكوينات في قطاعات واعدة، تساهم في ضمان تكوين ذي جودة عالية يتأقلم مع المتغيرات المتسارعة والاحتياجات المتجددة داخل المجتمع، وتشكل، أيضا، عاملا أساسيا وحاسما لإنجاح الإدماج الاقتصادي للشباب، وتحصينهم من المخاطر والانحرافات الاجتماعية ومن مختلف أساليب وأشكال استغلال الفقر والهشاشة.

3 – ماذا بخصوص مآل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي؟

إن دسترة مجلس استشاري معني بقضايا الشباب شكلت قيمة مضافة هامة لمختلف مكونات المجتمع عامة، وللشباب على وجه الخصوص، بالنظر إلى أهمية السياقين الوطني والإقليمي اللذين جاء فيهما، خاصة في ظل المطالب المتزايدة بتمكين الشباب من المساهمة الفعلية في صناعة القرار. وتحقق ذلك من خلال إقرار مؤسسة دستورية تُعنى بفئة الشباب والعمل الجمعوي، في إطار تكريس مبادئ الديمقراطية التشاركية وتوسيع فضاءات إشراكهم في تدبير الشأن العام.

غير أن الإشكال المطروح، سيما بعد تعاقب ثلاث حكومات إثر تعديل دستور 2011 ومرور عقده الأول، يتمثل في التأخير الذي عرفه إحداث المجلس الاستشاري للشباب على أرض الواقع، والانتقال به من مستوى النص الدستوري إلى مستوى التفعيل العملي. ويزداد هذا الإشكال وضوحًا إذا قورن بمؤسسات دستورية أخرى تمكنت، خلال الفترة نفسها، من تحقيق إضافات نوعية أسهمت في تجويد أداء الحكومات وتعزيز فعالية المؤسسات والقطاعات الحيوية بالدولة. ويُنتظر من المجلس الاستشاري، خاصة في ظل هذا السياق السياسي والاجتماعي، أن يضطلع بدور محوري في الارتقاء بالطموح الدستوري من جهة، وفي الدفع بمختلف الأوراش التنموية من جهة ثانية، بما يعكس الحضور الفاعل للشباب وحركيتهم وكفاءاتهم العلمية والعملية، ويساهم في جعل قضاياهم في صلب اهتمامات التدبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

وتبرز الحاجة الملحّة إلى إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي بشكل متزايد في ظل سياق تتسع فيه الفوارق الاجتماعية والمجالية، إلى جانب ما يطرحه من معيقات وإشكالات تعيق التمكين الفعلي لهذه الفئة المحورية داخل المجتمع في مختلف المجالات. وتزداد أهمية ذلك مع تجاوز الوثيقة الدستورية لعشريتها الأولى، بعدما فتحت آفاقًا واعدة لجعل الشباب العمود الفقري للتنمية ومكونًا استراتيجيًا في بناء المستقبل.

 

*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش، محلل سياسي

 

 

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى