شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الحكامة الغائبة

مع توالي فضائح اختلاس المال العام ونهب الملايير في الصفقات العمومية والدعم المقدم للفئات الفقيرة وتلك التي تعيش الهشاشة، وفوضى التعويضات واستغلال سيارات الدولة واستنزافها للميزانية دون مردودية واضحة على الصالح العام، والاتجار في سندات المحروقات، واختلالات الصفقات العمومية وتهالك المشاريع والبنايات والمنشآت الفنية بعد مدة وجيزة من التسليم.. مع كل ذلك، يظهر بشكل جلي أننا نعاني من أزمة حكامة وليس أزمة ضعف تمويل المشاريع كما يحاول البعض ترويجه للتغطية على مظاهر الفساد.

الحكامة في التسيير تعني التدبير الأمثل للميزانيات المرصودة من المال العام، وتحقيق النتائج المطلوبة بأقل الإمكانيات المرصودة والاقتصاد في المصاريف والتقشف، وليس المناداة بشكل مستمر بمضاعفة المداخيل والنفخ في الفواتير وتزويرها بتواطؤ مع جهات متعددة واللعب الكبير في سندات الطلب، وتكرار أسطوانة إكراهات نقص الموارد المالية والبشرية عند فتح تحقيق في هشاشة مشاريع أو اختلالات وعيوب تنفيذها.

إن غياب الحكامة يُكلف الدولة الملايير من الميزانيات العامة، التي ينتهي جزء منها بجيوب لوبيات متحكمة خارج الجودة المطلوبة، ودون التزام بمدة انتهاء أشغال المشاريع وتاريخ تسليمها إلى الجهات المعنية، والشروع في استغلالها ما يعود على المواطنين بالمنفعة، ويساهم في التنمية ومواكبة التوسع العمراني وتجويد الخدمات العمومية.

يجب العمل على توفير كافة الظروف التي يُمكن من خلالها القطع مع مظاهر الاستغلال الانتخابوي للمال العام والصفقات العمومية وسندات الطلب والدعم الجمعوي، من أجل ضمان استمرارية تحالفات المجالس الهجينة، وبذلك يضمن رؤساء الجماعات الترابية استمرارهم في المنصب وما يتبعه من امتيازات وسلطة التوقيع والأمر بالصرف.

لقد حذرت العديد من التقارير الرسمية التي أصدرتها مؤسسات الرقابة، من تبعات غياب الحكامة في تسيير الشأن العام، والفوضى التي تعيشها قطاعات مهمة بمؤسسات عمومية، فضلا عن هدر الزمن في المشاريع الاستراتيجية وتأثيره الكارثي على التنمية الشاملة، وكذا ضرورة الصرامة في تنزيل البرامج الاجتماعية والدقة بالنسبة للفئات التي تستحق الدعم خارج العلاقات الشخصية والتلاعب في اللوائح والكذب في التصريحات التي تنقل للمنصات الإلكترونية لتحديد المستفيدين.

إن النتائج الكارثية لفشل مسؤولين على رأس مؤسسات عمومية مثل الوكالات الحضرية ووكالات التنمية وكل المؤسسات التي لها ارتباط كبير ومباشر بتحريك عجلة الاقتصاد المحلي والوطني، يستدعي وقفة تأمل للصرامة في اعتماد الكفاءة والقدرة على العطاء في اختيار الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية قبل المصادقة على أسمائهم بالمجالس الحكومية.

وفي ظل التحولات العالمية والإقليمية، على مستويات التجارة والصناعة والاستثمارات، وهدف التشغيل الذي تسعى إليه الدولة، لابد من آليات الصدمة لمعالجة كسل وخمول عدد من المجالس الجماعية وتخلفها الواضح عن ركب مبادرات الإصلاح بسبب غياب الكفاءات والفساد الانتخابي، ومنطق “الهمزة” في تولي مسؤوليات لها علاقة مباشرة بخدمة المواطن وتوفير البيئة المناسبة للعيش الكريم، ومنها تبدأ الحكامة في التسيير وعلى أساسها تُقاس درجة الاهتمام بالصالح العام بالميدان، وليس في التجمعات الخطابية الحزبية وأمام الميكروفونات لاستعراض الإكراهات والاستغراق في التشخيص وكأن حجم الفساد المستشري يتطلب مجهودا لكشفه وليس واقعا يتطلب التغيير بمسؤولية وروح وطنية عالية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى