
الطبيعة تخشى الفراغ، وساحة المعارضة الرسمية والحزبية بالمغرب أصبحت للأسف شبه خالية، إلا من أصوات معدودة لا تُغطي الفراغ، لذلك فإنه من الطبيعي أن تظهر المعارضة الرقمية بالمواقع الاجتماعية لتنبت كالفطر، ثم تتحول بسرعة إلى فوضى عارمة للحديث من قبل العامة في كل شيء والتحليلات الهجينة التي تضاعف من أزمة غياب التواصل الرسمي، وتدغدغ العواطف عوض ملامسة العقل، وتمارس الشعبوية وخطر تمييع دور المؤسسات، عوض دعم توفير الأرضية المناسبة للتفعيل الأمثل للقانون.
إن دور المعارضة الدستوري لا يمكن تعويضه بالمعارضة الرقمية في كل الأحوال، لأن الأخيرة أصبحت ترتبط بتجارة المواقع الاجتماعية الرائجة بقوة خلال الفترة الأخيرة ونقرات الإعجاب ومداخيل “الأدسنس” وجرائم الابتزاز والتشهير التي يجري التطبيع معها بسرعة تحت مبررات واهية، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالهموم اليومية الحقيقية للمواطن والإصلاح السياسي والاجتماعي، ومؤشرات السلم الاجتماعي التي أصبحت لعبة في يد بعض منعدمي الضمير والوطنية.
لابد من رجة قوية بواسطة القانون لوقف فوضى المعارضة الافتراضية المفتوحة على المجهول بما يعرقل تطوير العمل المؤسساتي، وذلك بالعودة الحتمية لممارسة المعارضة من خلال القنوات الرسمية التي من أبرز أهدافها تقوية دور المؤسسات وتأثيرها القوي في محيطها، والتنافس السياسي المبني على الأرقام والمؤشرات الميدانية والآثار القانونية التي تترتب عن ذلك.
إن تبعات توسع المعارضة الافتراضية والفوضى والارتباك الذي تخلقه لدى شريحة واسعة من المواطنين، تُظهر على مستوى تيه الرأي العام داخل أدغال مواقع التواصل الاجتماعي تتلقفه شبكات التشهير وطرح الحلول السهلة ودغدغة العواطف والسب والشتم، ما يساهم في تبليد الذوق العام ويدمر صورة المؤسسات بأذهان شريحة واسعة من المواطنين ليست لهم القدرة على التحليل ولا يمتلكون قواعد النقد والتمحيص في كل ما ينشر ويُداع.
في كل البلدان الديمقراطية المعارضة الرسمية هي التي تقود الانتقادات وتطرح البدائل وتؤطر الرأي العام في عملية ديمقراطية سلسة وواضحة، لذلك فإن تخلف المعارضة عندنا عن القيام بدورها، أنتج لنا مسخ المعارضة الرقمية الشعبوية التي تسمح بقول كل شيء ولاشيء في الوقت نفسه، وتحتمل أكثر من أجندة وقراءة، مع سهولة اختراقها وتوجيهها حسب حاجة الجهات الداخلية والخارجية التي تقف خلف الكواليس وتحرك الفزاعات.
علينا جميعا الانتباه قبل فوات الأوان، إلى تبعات أخطار تعدد الأجندات في فوضى المعارضة الرقمية، وإمكانية الاختراق الدائمة واستهداف السلم الاجتماعي بطرق ملتوية تحت مسميات الحق في التعبير والانتقاد، ومحاولة التطبيع مع جرائم التشهير والسب والقذف والإهانة لإدراجها ضمن حرية التعبير والانتقاد، ودفع القضاء للتساهل معها تحت الضغط الشعبي التائه في صحراء قاحلة من غياب الوعي والتأطير، لأنه ما من عاقل يسمح في ظل التحولات العالمية والإقليمية المتسارعة بتمييع دور المؤسسات الرسمية ومصيبة التسامح مع الهدم اليومي لصورتها في أذهان المواطنين.