
في ظل السجال السياسي الفارغ والمعارك الهامشية، يغفل البعض عن برميل بارود اجتماعي ترتفع حرارته يوما بعد يوم، ويتعلق الأمر بالهوة التي تزداد اتساعا بين الفقر المدقع والغنى الفاحش بالمغرب، حيث تتضاعف أرباح الطبقات الغنية بالاستفادة من الوضع الاقتصادي والمشاريع والاستثمارات العمومية وغلاء الأسعار والمضاربات والفساد، وتزداد وضعية الفئات الفقيرة تعقيدا نتيجة تفشي البطالة وغياب السكن اللائق وعدم القدرة على توفير أساسيات الحياة.
ومن أبرز التحديات التي تواجه حكومة المونديال تقليص الهوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، وذلك من خلال تنزيل إجراءات تتسم بالفعالية والنجاعة، بالإضافة إلى الإرادة القوية لتخفيض نسبة الأمية والفقر، لأنه لا إقلاع اقتصادي قوي بدون مجتمع متماسك يتشكل من أسر تعيش بكرامة وقادرة على توفير الحد الأدنى من الأجواء المناسبة لتربية الأطفال دون عقد نفسية.
إن تبعات التفاوت الطبقي بالمغرب، تظهر على مستوى ارتفاع نسبة الحقد الاجتماعي، وتصريف الاحتجاج بشكل خاطئ على شكل أعمال التخريب الذي يستهدف الممتلكات الخاصة والعمومية، وإحداث الشغب والعنف والتعبير عن عدم الرضا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بممارسة أعمال يجرمها القانون، وهو الشيء الذي يدق ناقوس خطر انقسام المجتمع لشطرين، ويعرقل أهداف الالتحام لبناء مجتمع متماسك ومتحضر يواجه التحديات العالمية، ويقف أمام طوفان التفكك الأسري وضرب القيم ومحاولات طمس الهوية المغربية بطرق ملتوية.
ومن الإيجابيات التي نجدها في صف المغرب، أنه لا يعاني من أزمة غياب الثروة، وإنما المعاناة تتجلى في غياب التوزيع العادل لها، ما يحيل مباشرة على فشل السياسات العمومية الحالية، وضرورة نهج استراتيجية جديدة لخلق التوازن في توزيع الثروة من قبل الحكومة المقبلة كأولوية ضرورية، ولكي يتمكن المغرب من السير بسرعة واحدة متوازنة عوض السير بسرعتين الأولى للفئة الغنية وبحبوحة العيش والمداخيل والمصاريف المرتفعة التي تنافس البلدان المتقدمة، والثانية للفئة الفقيرة التي تفتقد أبسط شروط العيش الكريم وليست أمامها أي مقومات للنهوض ودخول نادي الطبقة المتوسطة.
وأمام التحولات المجتمعية المتسارعة، نحن في حاجة ماسة لسياسات عمومية جوهرها الجدية، تعيد التوازن بالنسبة لتكافؤ الفرص بين الجميع في العمل والاستثمار وخلق الثروة، والاستفادة من خيرات الوطن وانعكاس مؤشرات تقدم المملكة في جميع الميادين، على مستوى عيش المواطن وتجويد الخدمات ولمس التغيير الحقيقي ميدانيا من قبل كل مواطن.
وعندما نقول الطبقات الغنية فإن ذلك لا يعني توجيه السهام نحوها واتهامها بتفقير الناس، باعتبار أن كل المجتمعات في حاجة إلى الطبقة البورجوازية التي تقود الاقتصاد والاستثمار والتشغيل والتنمية الشاملة، لكن الفارق الأساسي هو الشفافية ومؤشرات مدى غياب أو حضور روح المواطنة والقوانين التي تؤطر الأرباح والضرائب، لتفادي الجشع والفساد واستغلال الوضع الاجتماعي.
إن ما نعيشه باستغراب من مشاكل اجتماعية معقدة، وتفشي مظاهر السرقة والعنف بأشكاله وتراجع التربية وانتشار الإدمان وكافة الظواهر المشينة، ليس سوى نتائج طبيعية لأسباب تتعلق بغياب الشغل والأمية والهدر المدرسي والسكن العشوائي والتفكك الأسري وانعدام المداخيل لتلبية الحاجات الأساسية أو عدم كفايتها، وهو الشيء الذي يدفعنا للتركيز على معالجة الأسباب بالرفع من المداخيل كأول إجراء لضمان العيش الكريم وبعدها تختفي مجموعة من الظواهر المشينة تدريجيا وتصبح من الاستثناءات التي لا يقاس عليها.
وختاما فقد قيل لرجل أعمال كبير في اجتماع مع زملائه، أن طبقة الأغنياء بالمنطقة يرغبون في تسييج وتأمين فيلاتهم السكنية، وتوفير مساحات خضراء ومرافق عمومية وكافة وسائل العيش مع منع ارتياد المكان من قبل الطبقات الفقيرة تفاديا لكافة مشاكلها، فما كان منه إلا أن استمع بإمعان للجميع، قبل أن يجيبهم بحكمة بأن كل ما عليهم فعله هو تخصيص الميزانية الضخمة المرصودة للتسييج والتأمين لتحسين ظروف العيش بالأحياء الهامشية والتشغيل وضمان الكرامة وفتح باب الأمل لتحقيق الأحلام، وآنذاك لن تكون هناك حاجة لعزل الطبقات الاجتماعية عن بعضها أو الشعور بأدنى إحساس بالخوف من الحاضر والمستقبل.