
حسن البصري
في نهاية الأسبوع الماضي، رافقت ثلة من الزملاء الإعلاميين والرياضيين والفنانين إلى دار الخير بضواحي تيط مليل، هناك سألتقي بكثير من المبدعين الذين رست مراكبهم في ميناء فضاء يؤوي أشخاصا في وضعية صعبة.
لفت نظري وجود عبد الرحيم كنون ضمن نزلاء هذا المرفق الاجتماعي، كان يمتطي كرسيا متحركا ويتابع أطوار مباراة استعراضية في كرة القدم، وقد ابتلع جسده جلباب تقليدي يكاد يخفي ملامحه.
عبد الرحيم هذا الرجل الذي يزحف نحو السبعينات، كان بطلا للمغرب ولإفريقيا في رياضة الكرة الحديدية، وكان عميدا للمنتخب المغربي وأحد صناع أمجاده.
كان عبد الرحيم يتمتع بنفس طويل، فسيطر على ماراثونات هذه اللعبة إلى جانب كمال فريد وأسماء أخرى رفعت راية المغرب خفاقة في المحافل القارية والعربية والعالمية.
كنون «ولد لمعاريف» عاش حياة الرفاه، وأصبح من رجال الأعمال الذين تعلموا التركيز من ممارسة لعبة الكرة الحديدية، كان دقيقا في تسديداته، قبل أن تسدده الحياة خارج محيط الوجاهة ويدخل دهاليز الإفلاس.
قد يكون كنون قد افتقد في مجاله التجاري الدقة في التسديد، ولم يقرأ كف تقلبات الأسواق، فانتقل من منافس على البطولة والوجاهة إلى راغب في الانعتاق، راض بالتعادل في عقر الدار.
انفرط عقد الأسرة وتبين أن الإفلاس المالي يمزق الخيوط المتلاشية، ويزرع بذور الشتات. من قاطن في فيلا محروسة بحي المعاريف، إلى نزيل محروس في المركز الاجتماعي دار الخير بتيط مليل.
ليس عبد الرحيم هو البطل الرياضي الوحيد الذي سددته قدم الزمن إلى دار للرعاية الاجتماعية، حيث يتقاسم الوجبات والعنبر والفسحة مع نزلاء سقطوا في امتحان الحياة، بل هناك عشرات الأبطال الذين ركبوا صهوة المجد فركلهم القدر وداستهم أقدامه.
في هذا المركز الاجتماعي عاش شيشا، لاعب الوداد والجيش في الستينيات، أحيل على المركز، بعد أن اصطادته دورية للتطهير، أدلى بصور فقدت ملامحها مما تبقى من ألبوم بالأبيض والأسود، وكشف عن شارة حارس سيارات في ميناء الدار البيضاء، دون جدوى.
قضى الرجل سنتين في المركز، قبل أن يستيقظ النزلاء على خبر وفاته ذات خريف من سنة 2014، فلم يجدوا شخصا يداعب الكرة والبرتقال في المرقد.
أينما تولوا وجوهكم نحو دور المسنين يصادفكم بطل سقطت نجوميته بالتقادم والتصادم. في دار المسنين بالعرائش قضى نور الدين العامري، اللاعب السابق للنادي القنيطري لكرة القدم، آخر أيامه في حجرة رمادية الطلاء وعلى سرير حديدي يعزف أنغاما مع كل حركة، قبل أن يتوقف عداد الزمن ويحوله إلى جثة هامدة، حينها ضرب القنيطريون كفا بكف وقالوا: «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، وساروا خلف الجثمان.
في دار المسنين بعين الشق، عاش محمد مرحوم، اللاعب الدولي السابق في لعبة «الريكبي»، أوضاعا مأساوية، بعد أن انتقل من صخب الملاعب إلى صمت الجناح الذي لا يخترقه إلا سعال النزلاء. لكن بفضل عزيمة زميلنا محمد أبو سهل انتفض مجتمع الكرة ضد الوضع، وانتشل مرحوم من فضاء المعوزين وأعاده إلى عالم الكرة كإداري في جامعة الريكبي.
شيشا آخر كان يتأهب للانضمام إلى دار المسنين بسلا، على سبيل الإعارة، إنه العربي شيشا الذي احترف في فرنسا وحمل قميص المنتخب الوطني، وأشرف على تدريب كبريات الفرق المغربية، لكن الموت انقض عليه ونجاه من عدسات قناصي الإثارة الإعلامية.
في أيامه الأخيرة امتطى كرسيه المتحرك، وفي حركاته وسكناته يلعن الكرة المحشوة بالهواء الفاسد، التي حولته من نجم إلى اسم ممنوع من الصرف.
«من لا ينتج لا يأكل إلا العجزة»، من أقوال معمر القذافي في كتابه الأخضر.