شوف تشوف

الرئيسية

بودريقة وبوتفليقة

عاد مشجعا الرجاء البيضاوي، ياسر وسلمان، إلى المغرب مساء الجمعة الماضي، بعد شهرين ونصف من الاعتقال في سجن الحراش بالعاصمة الجزائرية. كان الاستقبال في مطار محمد الخامس حاشدا، والتعبئة الأمنية في أعلى درجات الاستنفار وصور العائدين تملأ الفضاء، أما الأمهات فكانت دموعهن متحجرات في الجفون تنتظر لحظة الخروج لتنساب على مجاري الخدود.
اصطف مشجعون رجاويون من رفاق العائدين من المعتقل الجزائري في صمت، وانتظروا إلى حين ظهور المفرج عنهما للشروع في نظم قوافي وأهازيج المدرجات، والتغني بأمجاد الرجاء، ولولا زغاريد نسوة من أهالي العائدين لتحول بهو مطار محمد الخامس إلى جزء من المدرجات الجنوبية لمركب محمد الخامس..
سألت سيدة في الأربعين من عمرها عن سر الاستقبال الحاشد، فقيل لها إن القضية تتعلق بشابين اعتقلا في الجزائر، فرددت «على سلامتهم»، قبل أن تضيف وهي تهم بمغادرة المكان: «شدوهم بوليزاريو؟» واختفت في زحمة المكان.
كذب المشجعان المزاعم التي ذهبت إلى حد اتهام السلطات الجزائرية بسوء معاملة مناصري الرجاء البيضاوي، ووجها شكرا لإدارة سجن الحراش من المدير إلى البواب، وعتابا لرئيس الرجاء الذي وعد فنفى، واختار التعامل في قضية معتقلي الحراش بخطة «كم حاجة قضيناها بتركها»، مكتفيا بمتابعة الوضع من الديار المقدسة والدعوات الصالحة لياسر وسلمان ولقمان وكل الذين تعذبوا من شدة عشقهم للرجاء.
يفضل بودريقة، رئيس الرجاء، تغيير المنكر بتدويناته الفايسبوكية، وبوعوده التي تموت فور ولادتها، لذا بدت ملامح التذمر والاستياء على أهالي المفرج عنهما كلما ذكر اسم بودريقة، الذي تعهد بانتداب محاميين للدفاع عن ياسر وسلمان، وحين اقترب موعد الجمع العام حول منخرطيه إلى مدافعين أشاوس عن أطروحة الكساد.
حين أخفى بودريقة رأسه في الرمال، وقف محام جزائري وابنه يدافعان عن المشجعين، اللذين حبسهما عشق الرجاء، قال دفاع الضنينين، إن مؤسس الرجاء جزائري الأصول، وكشف عن مشاهد تكشف حب الجزائريين لـ»النسور»، واقتسام اللون الأخضر بين الجارين، لافتا النظر إلى أن فريق الحراش، حيث يوجد المعتقل، أشرف على تدريبه المدرب مزيان إيغيل الذي اقترن اسمه بالرجاء، وخلصت المرافعة إلى قدرة الرياضة على ترميم كسور السياسة. وفي الجلسة الموالية كان اسم ياسر وسلمان ضمن لائحة المستفيدين من العفو الرئاسي، بعد تقرير من إدارة سجن الحراش يقول إن المعتقلين يتميزان بخلق نبيل وبعشق رهيب للأخضر، وأنهما من طينة المحبوسين الذين لا يترددون في وضع «جيم» على «اللي يسوا واللي ما يسواش».
رغم أن إدارة سجن الحراش فصلت بين ياسر وسلمان طيلة فترة الاعتقال، إلا أنهما كانا يلتقيان في باحة الاستراحة يوميا، فيدعوان للرجاء بحسن الخاتمة، ويتبادلان الود مع عشرات المغاربة الذين قدر لهم أن يمزجوا بين الاغتراب والاعتقال، وعند كل لقاء «يبارطاجيو» مع كل معتقل معاناتهم ويأسف الجميع لقضاء شهر رمضان بين أسوار سجن رهيب.
ليس العفو الرئاسي على المعتقلين المغربيين هبة من عبد العزيز بوتفليقة للمشجعين في ذكرى عيد استقلال الجزائر، بل رسالة مشفرة لمن يهمه أمر العلاقات المغربية- الجزائرية، التي تمر بمرحلة فتور، وردا ضمنيا على رفض السلطات المغربية إطلاق سراح إسلام خوالد الفتى الجزائري، الذي حل بأكادير للمشاركة في بطولة عربية للتجديف، لكنه أدين في قضية تحرش جنسي حوكم من أجلها وقضى سنة كاملة رهن الاعتقال.
لو كان العفو الرئاسي صافي النية سليم الطوية، لأفرج عن مغاربة آخرين يقبعون في سجون الجزائر بسبب تهم تافهة، كاجتياز الحدود و«التسرب السري» إلى الأراضي الجزائرية، لكن السياسة تفضل اقتحام عوالم الرياضة وكرة القدم على الخصوص لشعبيتها وقدرتها على استمالة القلوب ودغدغة المشاعر.
حين كان الجميع يهم بمغادرة المطار، أعلن أحد أقارب ياسر أمام الملأ عزمه على مقاضاة رئيس الرجاء بتهمة «عدم تقديم مساعدة لأشخاص في حالة خطر»، فرد عليه أحد المشجعين بنبرة ساخرة: «الاتهام يجب أن يشمل المنخرطين الذين لم يقدموا المساعدة للرجاء وهي في حالة خطر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى