شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

حب أعمى 

شهدت شاشات التلفزيون الأمريكي، قبل ما يقارب عقدين من الزمن، سيطرة أسرة غريبة الأطوار على ساعات البث الأسبوعي من خلال برنامج مثير للجدل يدعى «عائلة الكارداشيان». يجوز لنا القول إن كرونولوجيا عالم الترفيه أصبحت محددة بعصر ما قبل الكارداشيان وما بعدهم بسبب تأثيرهم الهائل على الثقافة الشعبية.

ظلت صناعة الترفيه في أمريكا، لعقود طويلة، حبيسة لقوالب وأنماط بصرية واجتماعية محددة. أنماط تتماهى مع المركزية الغربية البيضاء وتغذي السردية العنصرية المسكوت عنها. روجت هوليود، منذ بداياتها الأولى، لصورة المرأة النحيفة الشقراء ذات العينين الزرقاوين اللامعتين وصورة البطل الأمريكي الأبيض الخارق الذي يحمي أسرته ومدينته من الجواسيس الشيوعيين الأشرار. سيطرت هذه الصور التقليدية على مجال الترفيه الهوليودي لفترة مهمة، إلى أن جاءت عائلة ذات شعر أسود كثيف وتضاريس جسدية سخية ومستوى معيشي متوسط، لتجتاح التلفزة الأمريكية وتقلب كل موازين الجمال وتغير مفهوم العلاقات الأسرية وتقدم أنماطا جريئة من الحب وأساليب المواعدة. اليوم، بعد مرور أزيد من 15 سنة من بث أولى حلقات عائلة الكرداشيان، لازالت هذه الأسرة تعبث بعقول المراهقات الساذجات.

لم ينج المجتمع العربي من اجتياح هذا النوع من تلفزيون الواقع، حيث شاهدنا، في الفترة الأخيرة، تناسل مجموعة من البرامج التي تروج لطرق عيش دخيلة نوعا ما على مجتمعات لازالت تعتبر نفسها تقليدية محافظة. كانت لبنان سباقة لهذا النوع من الترفيه الواقعي في شقه الاستعراضي، حيث نشأ جيل بأكمله من الشباب والمراهقين العرب وهم يتابعون بشغف يوميات «ستار أكاديمي» الذي كان عبارة عن برنامج قدم نمطا اجتماعيا جريئا آنذاك، حين جمع المتسابقين ذكورا وإناثا تحت سقف بيت واحد ولمدة شهور طويلة.

غير أن برامج المسابقات الغنائية ظلت «الموديل» الوحيد الذي سيطر على صناعة برامج الواقع العربية، إلى أن قامت نيتفليكس، قبل سنتين، بتقديم السلسلة الشهيرة «بريق دبي» وهي عبارة عن برنامج يلاحق أثرياء ومشاهير عاصمة البذخ الخليجي ويصور أساليب حياتهم وعيشهم البعيدة كل البعد عن الصورة النمطية التقليدانية لما يجب أن يكون عليه المجتمع في تلك الرقعة من العالم.

لم يلبث أن خفت بريق دبي حتى لمع نجم نوع آخر من تلفزيون الواقع، نوع يمكن لنا أن نصنفه تحت خانة «سطاج الوحش». إنها النسخة العربية من برامج المواعدة التي اتخذت لها أسماء غريبة عجيبة، كالمواعدة السريعة والمواعدة العمياء. يجوز لنا القول إنها برامج تقدم أسلوبا جديدا/قديما للعلاقات العاطفية. تم تعويض شخصية الخطابة التي كانت تلعب دورا مهما في توفيق رأسين في المحاكم.. عفوا في الحلال، بطاقم تصوير ومجموعة من الشباب والشابات الراغبين في إيجاد الشريك المثالي. شاهدنا موجة السخرية الكبيرة التي لاحقت النسخة المصرية من برنامج المواعدة السريعة وكيف انتقد المصريون هذه النسخ الهجينة من الأعراف والتقاليد الغربية.

لم يسلم المغرب من موضة الحب الجديد، إذ شهدنا، في الأسابيع الماضية، ظهور قناة على اليوتيوب تقدم هذا النوع من البرامج المثيرة للجدل والسعار أحيانا. قناة كواليس التي عرت كواليس العقل الجمعي المغربي الذي لازالت مساحة كبيرة منه قابعة تحت رحمة العنف اللفظي والجسدي والكراهية والميزوجينية واحتقار الذات. استطاعت مجموعة من الفيديوهات الترفيهية الساذجة تعرية الوجه القبيح للكائن المغربي الذي يواجه أي نوع من أنواع التغيير بأساليب العنف والدعوة إلى التنكيل والتشهير بالآخر المختلف.

تعالت أصوات الفيسبوكيين الغاضبين بضرورة إلحاق الأذى الجسدي من باب التأديب وإعادة التأهيل السلوكي لمجموعة من المراهقين المشاركين في حلقة المواعدة السريعة، لمجرد أن هؤلاء الشبان اختاروا أسلوبا مختلفا في الملبس وطريقة التفكير. لم نلبث أن تناسينا عبث وتفاهة حلقة المواعدة السريعة، حتى اهتز الواقع الافتراضي المغربي وجن جنونه بسبب «صاية» قصيرة.

أحيانا أتساءل عن جدوى دروس العلوم الطبيعية في المرحلة الثانوية، إذ يبدو أنها فشلت في شرح فيزيولوجيا المرأة للطالب المغربي، وكيف أن الأنثى تتوفر على ساقين وأفخاذ قد تكون مكتنزة أحيانا. كانت ردود الفعل العنيفة تجاه لقطة لفتاة تختار فارس أحلامها من وراء ستار، مثيرة للاهتمام وجديرة بالدراسة والتحليل، إذ لم تثر ثائرة الجمهور المغربي لقضايا أخلاقية أكثر «سخونة» من ميني جيب، كأزمة الماء والمضاربة بالأسعار وآفة الهدر المدرسي أو المهازل الانتخابية وغيرها الكثير من المشاكل المجتمعية الملحة التي تستدعي الاحتجاج.

إن الحق في التعبير عن الامتعاض من ممارسات تعد دخيلة على مجتمعنا يظل مكفولا، لكن ما يدعو للقلق والتوجس هو الدعوات الصريحة لاستخدام العنف اللفظي والجسدي ضد الآخر المختلف. الأصوات نفسها التي دعت في الأمس القريب إلى استغلال مأساة فتيات الحوز والدعوة الحقيرة إلى «اقتناء» زوجات قاصرات من الجبال، ترغد وتزبد اليوم غيرة على شباب بالغين راشدين اختاروا طواعية المشاركة المؤدى عنها في برنامج ساذج. المفارقة المضحكة تكمن في أن سبب الاحتجاج هو تبادل الأدوار بين الرجال والنساء في سوق النخاسة المعاصر. لو بقيت المرأة سلعة تباع وتشترى لما سمعنا ضجيج بعض الذكور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى