شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف التاريخ

حكومة تطوان المنسية وهكذا أقنعتُ عبد الله گنون بالانضمام إليها

حياة في ظِلّ ملِكين

يونس جنوحي

 

نافذة: من جُملة ما قلتُ لسي گنون، في دفاعي عن هذا المشروع، أنني ذكرتُ له وجود الزعيم عبد الخالق الطريس في لائحة هذه الحكومة، وقلتُ له: «لا أظن أن مشروعا فيه اسم سي الطريس، وزيرا، سيكون ذا بُعد سيئ أو مُشين». ووافقني رحمه الله على هذه المسألة وأثنى كثيرا على سي الطريس.

ومن جملة من ذُكروا أيضا في لائحة الوزراء المُقترحين، اسم المقاوم الحداد. وكان شخصية وطنية معروفة في تطوان، ويعرفه الكبير والصغير ويحظى بالتوقير والاحترام.

قال لي سي گنون في النهاية: «إذا كان هذا المشروع فيه المصلحة العامة فليس لدي اعتراض».

عندما يتعلق الأمر بتاريخ المقاومة المغربية في مدينة تطوان، وكواليس تأسيس جيش التحرير في الشمال عموما، فإن الكثير من الوقائع والأحداث لم تنل نصيبها ولم يُسلط عليها الضوء. وكان مؤلما أن نرى، بعد عقود على الاستقلال، كيف أن تاريخا بأكمله أقبر.

ومن الأمور المؤسفة ما سمعناه بأنفسنا عن تقزيم دور جيش التحرير في الشمال، والتقليل من شأن المقاومين الذين كانوا لاجئين في تطوان، بل و«احتقار» ما قدموه من تضحيات في سبيل الوطن والاستقلال..

وهنا أريد أن أشير إلى بعض الحقائق التي عشتُها في تطوان.

 

مقاومون تكوّنوا في مجال المواصلات

بلغت درجة جودة التكوين أن بعثة مكونة من ثلاثة أشخاص ذهبت من تطوان إلى القاهرة، لتلقي تكوين عصري ومكثف في مجال البريد والمواصلات والاتصالات السلكية. وكان فيها كل من المقاوم الفگيگي، والداحوس وإبراهيم الفردوس.

لعب الزعيم علال الفاسي دورا كبيرا في تمكينهم من ولوج التكوين في القاهرة. وقضوا هناك مدة معتبرة، وعندما عادوا إلى المغرب عادوا إلى صفوف جيش التحرير.

الكثيرون ممن كانوا معنا حصلوا بعد الاستقلال على مناصب قياد في عدد من الأقاليم، خصوصا وأن بعض المقاومين كانوا ينحدرون من مناطق مجاورة لمقرات جيش التحرير، واستقر الرأي على اعتمادهم في مناطقهم، لأنهم أدرى بها من غيرهم، مثل المقاوم المكناسي وأيضا الفگيكي.

إذ أن بعض الاشاعات التي انتشرت بعد الاستقلال، خصوصا بعد 1959، كان الهدف منها النيل من بعض الشخصيات من أسرة جيش التحرير، والتقليل من شأنهم واتهامهم بالجهل والأمية.. لكن الواقع أن أغلب أعضاء جيش التحرير كانوا مكوّنين جيدا. وما هذا المثال الذي قدمتُه، هنا، إلا دليل على هذه الحقيقة.

هناك أيضا فوج من الطلبة المغاربة الذين حلوا بتطوان ولعب سي علال الفاسي دورا كبيرا في تسهيل سفرهم إلى الشرق، لكي يدرسوا في جامعات مثل القاهرة ودمشق والعراق أيضا. وأذكر منهم هنا إبراهيم السملالي. فقد كان من جملة من ذهبوا من تطوان إلى المشرق للدراسة.

كان ثمة اهتمام بالشباب المتعلمين الذين جاؤوا إلى تطوان، وخصصت لهم دار بالقرب من المدرسة العسكرية، كانت تسمى «دار الطلبة».

بفضل علاقات الزعماء الوطنيين مع أعضاء جامعة الدول العربية، كان يجري الاتصال لتسهيل سفر هؤلاء الطلبة واستصدار الوثائق اللازمة لقبولهم في هذه الجامعات، وتسهيل إقامتهم هناك.

لكن، للأسف، لم تتحقق كل الأهداف المرجوة من هذه المبادرة ولم تتوسع لكي يستفيد منها المزيد من الشباب المقاومين.

 

 

حكومة تطوان المؤقتة

راجت في أوساط المقاومين فكرة إنشاء حكومة مؤقتة في تطوان. وكان الحديث عن إحداث هذه الحكومة في إطار العلاقات مع شخصيات في الجامعة العربية. بل إن الجامعة العربية تحمست لهذا المشروع، وأعلنت عن دعم إنشاء هذه الحكومة، لكي تكون منصة للتفاوض مستقبلا، وتمثيل مصلحة المغرب، في ما يخص عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى العرش، والاستقلال الكلي التام عن فرنسا.. خصوصا وأن الأمين العام للجامعة العربية، السيد عبد الخالق حسونة، سبق له أن زار تطوان، وكانت زيارته حظيت بأهمية كبرى، أعلن فيها موقف الجامعة العربية ودعمها للقضية المغربية، والتقطتُ له صورا تخليدا للزيارة.

تقرر إذن أن تتكون هذه الحكومة في مدينة تطوان، وأن تتولى بعض الشخصيات الوطنية مسؤوليات فيها ويصبحوا وزراء.

لكن الإخوان صادفوا مشكلا مع عبد الله گنون، العلامة الكبير رحمه الله. وكان هذا العالم الكبير رحمه الله، لاجئا بدوره في تطوان، بعد أن نُفي إليها من طنجة، ويقيم في دار العقلة.

ذهب إليه المقاوم الفقيه المذكوري والحاج العتابي، وعرضا عليه الفكرة، لكنه رفض بلطف واعتذر منهما.

وبحكم أنني كنت أتردد عليه بانتظام في محل إقامته بتطوان، عرض عليّ الإخوان أن أحاول معه بدوري، لعله يقتنع، وفعلا ذهبتُ إليه.

دخلتُ ووجدته منهمكا كعادته في الاطلاع على الكتب والتأليف.

وقبل أن أبدأ في الحديث عن الغرض من زيارتي تلك، أحسستُ بأنه أدرك بنباهته أن زيارتي له لم تكن عادية مثل الزيارات الأخرى. ورفع بصره عن الأوراق فوق مكتبه، وسألني بابتسامة لا تفارقه عن حاجتي في ذلك اليوم.

قلتُ له إن الإخوان أخبروني أنه رفض عرضهم، بخصوص منصب وزير في الحكومة المؤقتة. وطلبتُ منه أن يحاول على الأقل، لعله يقتنع. ومن جملة ما قلتُ له إن هذه الحكومة شأن يدخل في الصالح العام للوطن، وأنها سوف تقام من أجل السلطان، ولا بد أن يقبل منصب وزير فيها. ورد عليّ سي گنون رحمه الله: «لكن الملك لم يأت بعدُ».

فقلتُ له: «عندما يعود السلطان سيكون هناك شأن آخر. وعندها.. سوف تعين حكومة أخرى لن نكون فيها لا أنا ولا أنت». فضحك رحمه الله.

والحقيقة أنني كنت فقط أحاول معه لإقناعه بقبول هذا المشروع، نظرا لأهميته، وأيضا على اعتبار أن الإخوان كان قصدهم من هذه المبادرة، تكوين حكومة في تطوان من شأنها أن تُفاوض سياسيا على عودة السلطان من المنفى.

من جُملة ما قلتُ لسي گنون في دفاعي عن هذا المشروع، أنني ذكرتُ له وجود الزعيم عبد الخالق الطريس في لائحة هذه الحكومة، وقلتُ له: «لا أظن أن مشروعا فيه اسم سي الطريس، وزيرا، سيكون ذا بُعد سيئ أو مُشين». ووافقني رحمه الله على هذه المسألة وأثنى كثيرا على سي الطريس.

ومن جملة من ذُكروا أيضا في لائحة الوزراء المُقترحين، اسم سي الحداد. وكان شخصية وطنية معروفة في تطوان، ويعرفه الكبير والصغير ويحظى بالتوقير والاحترام.

قال لي سي گنون في النهاية: «إذا كان هذا المشروع فيه المصلحة العامة فليس لدي اعتراض».

فأجبته بأنني سوف أنقل كلامه حرفيا إلى الإخوان، وصارحته بأنني أجهل كليا نوع الوزارة التي سوف تكون من نصيبه في هذه الحكومة، فأظهر لي رحمه الله أنه زاهد في المنصب وليست له أي أطماع في التعيين في وزارة بعينها.

بعد أربعة أيام على لقائي بسي گنون، تأسست فعلا تلك الحكومة. وكان من جملة الشخصيات الذين لا زلتُ أذكرهم: سيدي بركة، وزيرا للأحباس. وسي عبد الله گنون، وزيرا للشؤون الاجتماعية إن لم تخني الذاكرة. وسي الطريس، وسي الحداد الذي كان وزيرا أول في هذه الحكومة.. وقد وثقت بآلة تصويري التي لم تكن تفارقني، عملية تنصيب هذه الحكومة لأول مرة، والإعلان عنها، وهو حدث حضره كبار الموظفين والمسؤولين الإسبان في الشمال.

المشكل أن فرنسا لم تتقبل هذه الحكومة. وكان مصيرها أنها وُلدت في تطوان وماتت في تطوان. ولم يتحقق المرجو منها سياسيا، بحكم أن الأحداث اتخذت منحى آخر بعد أحداث 2 أكتوبر 1955.

حاولت بعض الأوساط، لاحقا، أن تقلل من شأن هذه الحكومة التي اعترف بها المقيم العام الإسباني الجنرال ڤالينو. والحقيقة أن الإسبان لم يعارضوا إقامة هذه الحكومة، وكان بإمكانهم أن يعرقلوا المشروع كله، لكنهم لم يفعلوا. بل على العكس، رحبوا بالفكرة، في شخص الجنرال، ولم نصادف معهم أي مشاكل بهذا الخصوص.

لكن سيرة هذه الحكومة أزيلت تماما من الذاكرة الجماعية، ولم يتحدث عنها أحد بعد الاستقلال. والسبب في تقدير الكثير من المقاومين، وليس هذا رأي الشخصي وحسبُ، أن هذه الحكومة وُجهت لها تهمة ثقيلة أنها تأسست للحديث باسم المغرب، وأنها كانت «ضد الملك». والحقيقة أن الفكرة من تأسيسها أصلا كانت من أجل العمل على تأكيد ضرورة عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى العرش، شرطا للتفاوض مع فرنسا على الاستقلال. لكن بعض الأطراف سعت إلى طمس هذه المحطة المهمة، وتقزيمها والتقليل من شأنها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى