
نعيمة لحروري
في الفيلم المصري «محاكمة علي بابا» من بطولة الكبير «يحيى الفخراني»، يسأل طفل بريء اسمه «كوكي» أستاذته سؤالا بسيطا، لكنه مربك: «إذا كان علي بابا سرق كنز الحرامية وما رجّعوش، ليه هو بطل مش حرامي؟». فتطرده الأستاذة من الصف، بتهمة «قلة الأدب»، بدل أن تشرح له أين تنتهي البطولة وتبدأ الجريمة.
في المغرب، نحن كلنا ذلك الطفل. لكننا حينما نسأل. يُطلب منا أن نطأطئ رؤوسنا ونصفق. ونحفظ الدروس الغريبة: علي بابا «رجل طيب»، وكل اختلاس هو اجتهاد في التدبير، وكل فشل هو ضحية مؤامرة الطقس والقدر والمضاربين!
وها هو «علي بابا الكسابة» ببذلته الأنيقة ومواشيه الرقمية، يقف على رأس الجمعية «المعلومة»، يتحدث عن إعادة هيكلة القطيع الوطني، كأنه لم يكن بالأمس حارس المغارة. مغارة الدعم العمومي، والصفقات الغامضة، والإحصائيات المطبوخة على نار المحاباة.
قصة القطيع الوطني اليوم لا تختلف كثيرا عن قصة الكنز في المغارة. كان عندنا، حسب التصريحات الرسمية، أكثر من 25 مليون رأس غنم. قطيع وطني مزدهر، مكتنز، يسرح تحت شمس التفاؤل الحكومي، ونبت عليه الوعد والوعيد. وفجأة، دون مقدمات، استيقظنا على كارثة: لا قطيع، لا دعم، لا أرقام، ولا حتى ذرة خجل.
وكما في الفيلم، لا أحد يُسأل. لا أحد يُحاكم. لا أحد يُحاسب. لأن علي بابا ما زال «رجلا طيبا»!.
هل نحن سذج لدرجة أننا نصدق أن «إعادة هيكلة القطيع» ستكون هذه المرة مختلفة؟ إن نفس اليد التي أهدرت الدعم وضللت الأرقام وتواطأت مع المضاربين، ستعود الآن لترعى القطيع وتغذيه وترجّع له وزنه الوطني!؟ ألا نملك طفلا جديدا يسأل: «فين مشاو الملايين ديال الدعم؟ ومن سرق رزق الكسابة؟!»
يقولون الآن إنهم بصدد إصلاح المنظومة. لا بأس. لكننا نريد أن نسأل سؤال «كوكي»: هل أعاد علي بابا الكنز؟ أم ما زال يحتفظ به في مغارة تقع على حدود الصمت، وتدار مفاتيحها من نوافذ النفوذ؟
تحدثونا عن «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، لكنكم لم تشرحوا لنا لماذا لم يُحاسَب أحد؟ لا الوزير السابق الذي صرح، قبل أشهر، أن الوضع مطمئن، ولا الجمعية التي أكدت أن القطيع بخير، ولا أولئك الذين استلموا الدعم، دون أن نرى رأس غنم واحد على الأرض. لا أحد. فقط نحن، نمشي فوق الرماد، نعدّ رؤوس الخيبة.
كيف يمكن أن نقنع هذا الشعب بالإصلاح، بينما من دمر القطاع لا يزال في موقع القرار، يُوزع الدعم، ويحصي الأكباش، ويوقع على الاستراتيجيات؟ أي مسخرة هذه حين يتم «إعادة هيكلة القطيع» بالتعاون مع نفس الهيئة التي احتكرت الدعم، وسوقت أرقاما مضللة، وأقصت مربي الماشية الحقيقيين؟ هل أصبحنا فعلا نعيد طلاء العفن ونسميه تجديدا؟
ما الفرق بين علي بابا في الحكاية، و«علي بابا الكسابة» عندنا؟ في الحكاية، دخل المغارة وسرق كنز الحرامية، لكن في قصتنا، المغارة مفتوحة، وعلي بابا هو من يملك المفتاح، «ومخرج عينيه!».
نعيد هيكلة القطيع، دون أن نعيد هيكلة الضمير. نزرع مشاريع فوق تربة متعفنة، ثم نتساءل لماذا لا تنمو؟!
فيا من تكتبون خطط الهيكلة، قبل أن ترفعوا منسوب الثقة، ارفعوا ملفات المتورطين للمساءلة.
ويا من تتحدثون عن الأمن الغذائي، أخبرونا: من فَرَّطَ فيه؟ من بدد القطيع؟ من فتح المغارة وسلم مفاتيحها إلى الخواص؟ ومن بارك له ذلك؟
القطيع لم يمت، لقد تمّ التواطؤ على موته. ذبح في كواليس السياسات الغامضة، وسُرب في شاحنات الصفقات، وذُوّب في بيانات مضللة.
والأموال لم تتبخر في الشمس، بل ذهبت حيث تعرفون. وحدهم مربو الماشية الحقيقيون ذبحهم الجفاف، والخداع، والتواطؤ.
نحن لا نريد تكرار الكارثة، لكن ما يُحضر الآن هو موسم ثان من نفس المسلسل، مع نفس البطل، ونفس الصمت. يُعاد توزيع الأدوار، ويُحذف مشهد المحاسبة، ويُطلب منا التصفيق في النهاية.
كيف يمكننا الحديث عن التغيير، بينما لا يزال من أفسد يدبّ في الوزارات والهيئات، يتمشى بيننا كـ«رجل طيب»؟
نريد أكثر من إعادة هيكلة. نريد إعادة حساب. نريد محاكمة حقيقية لعلي بابا، لا تمثيلية تنتهي بصورة مع شرطي وهمي يقول: «قبضنا عليه». نريد اسما، وتاريخا، وعقابا.