شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

عيد العمال

يشكل عيد العمال الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، مناسبة مهمة لتقييم العمل النقابي وتقدم الحوار في الملفات الاجتماعية بين النقابات والحكومة، فضلا عن مراجعة مدى الالتزام ببنود مدونة الشغل واحترام حقوق العمال من قبل الجهات المشغلة، إلى جانب تحديد نسبة احترام الحد الأدنى للأجور المتفق عليه، وتقييم عمل لجان التفتيش التي تشرف عليها مفتشية الشغل، والسهر على الاستثمار في اليد العاملة، لتحقيق التنمية المنشودة وتطوير التكوين وملاءمته لسوق الشغل.

هناك إكراهات ومعيقات بالجملة ما زالت تواجه تحقيق مطالب الطبقة الشغيلة بالمغرب، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها ارتفاع سقف الانتظارات نتيجة النفخ في الوعود السياسية، وترهل العمل النقابي وتحول بعض النقابات إلى تجمعات مصالح شخصية ولوبيات للضغط على الباطرونا، عوض البحث عن تحقيق الصالح العام والدفاع بنزاهة عن مصالح وحقوق العمال، وضمان حماية كرامتهم وعدم تعرضهم للتعسف أو الانتقام بسبب الأنشطة النقابية.

وفي إطار التتبع الميداني لجدل الملفات الاجتماعية، يُسجل غياب الوسطية في النقاش العمومي الخاص بوضعية الطبقة الشغيلة، بين من يطرح صورة قاتمة لوضع العمال بالمغرب ويكرس لسياسة العدمية، ومن يتحدث بالمقابل عن صورة وردية بخصوص حقوق العمال، والحال يقتضي الواقعية في التقييم، والأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومؤشرات الاستثمار والتحولات العالمية المتسارعة، نتيجة تبعات الحروب الطاحنة وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

يجب الاعتراف باستمرار خروقات تهم حقوق العمال بالمغرب، ويتعلق الأمر بغياب التصريح لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي، أو التلاعب في التصريح بخفض عدد أيام وساعات العمل، وغياب احترام الحد الأدنى للأجور المصرح به من الحكومة، وعدم احترام ساعات العمل وغياب التعويض عن الساعات الإضافية، والتشغيل بعقود مؤقتة غامضة يضطر العمال إلى توقيعها تحت الضغط، بسبب ارتفاع نسبة البطالة والحاجة إلى الشغل لتوفير الحاجات الأساسية للعيش.

وعندما نتحدث عن خروقات التشغيل، فإن الحديث يقودنا مباشرة لمفتشية الشغل ودورها في ردع المخالفين، غير أن الأخيرة ثبت أنها لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية للقيام بمهامها كما يجب، فضلا عن كون العمل بالقطاع غير المهيكل يشكل عائقا أمام التنزيل الأمثل للقوانين، إلى جانب اختلالات شركات المناولة التي تناسلت كالفطر بجل القطاعات العمومية والخاصة، وتتواصل وعود معالجتها من قبل القطاعات الحكومية المعنية دون جدوى.

إن أي مرحلة انتقالية من فوضى القطاعات غير المهيكلة إلى فضاء الهيكلة، تواجهها مطبات وعراقيل وتخوفات من الانتقال من المعاملات السوداء إلى احترام القانون ودفع الضرائب، غير أن هذه المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تشكل سجنا أبديا يعرقل مشاريع الإصلاح بالنسبة إلى كافة القطاعات وعلاقة المشغل بالطبقة الشغيلة يجب أن يطبعها الوضوح والتعاون، لما فيه الصالح العام ومصالح المقاولة وحقوق العمال.

هناك مكتسبات واضحة لا يمكن إنكارها بخصوص تطور الحوار الاجتماعي بين النقابات والحكومة وذلك على مر السنوات، لكن مطالب بتسريع وتيرة الإصلاح تبقى واقعية ومقبولة، وتتحمل مسؤوليتها مجموعة من الأطراف المتدخلة، والتقدم في الحوار الاجتماعي يتطلب دعم الاستثمار أكثر وتوفير فرص الشغل، وتسهيل ولوج المقاولات الشبابية إلى السوق والفوز بالصفقات العمومية، وتوفير المناخ المالي والاقتصادي المناسب لتشجيع الباطرونا على التنافس في الإنتاج وفق معايير تكافؤ الفرص، وبناء نقابات بقواعد عمالية صلبة تمارس مهامها في حفظ حقوق العمال وحماية المكتسبات، دون مزايدات فارغة، أو قتل للديمقراطية الداخلية، والسعي إلى استمرار الوجوه المستهلكة بالمناصب إلى أجل غير مسمى، ورفع الشعارات التي لا تشغل عاطلا ولا تحمي عاملا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى