الرئيسية

كارلوس «المدلل» تدرب على حرب العصابات في الأردن وهكذا تعرف على «باريس»

ما الذي سوف يجعل طالبا للفيزياء «قاتلا مأجورا»؟ كارلوس نفسه كان يرفض من خلال المحاضر الموثقة لاستجوابه من طرف المخابرات الفرنسية في السودان لحظة توقيفه سنة 1994، أن يُلقب بالقاتل المأجور، واصفا نفسه بروبن هود العصر الحديث. فقد كان يربط بين العمليات التي نفذها والاغتيالات التي كان وراءها، بما هو إنساني من أجل دعم الحركات التحررية عبر العالم.
عندما شاع خبر اعتناق كارلوس الإسلام في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كان داعمو الحركة التحررية بفلسطين، مُنتشين بانضمام اسم كارلوس إلى نادي الداعمين الكبار لقضية فلسطين، بينما كان الموساد متوجسا من أي عملية قد ينفذها «كارلوس» ضد أحد رموزه.

«كارلوس» العربي
عندما أصبح كارلوس مبحوثا عنه بعد أحداث ميونيخ، وبعد انكشاف مخطط اختطاف وزراء النفط أثناء أحد اجتماعات «أوبك»، كان في المقابل يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين والحركات اليسارية في الدول العربية، من بينها المغرب أيضا. فقد كان ينظر إليه الثوريون على أنه بطل قومي يستحق فعلا أن يُخلد، وليس إرهابيا أو «قاتلا مأجورا» كما تروج عنه الآلة الإعلامية الغربية.
ورغم أنه كان مُعجبا كبيرا بالحركات المسلحة، خصوصا في أمريكا اللاتينية، وفي فنزويلا تحديدا، مسقط رأسه، إلا أنه كان يتجه نحو تنظيم محكم لمسار حياته، وهو ما جعله مختلفا عن البقية.
في ستينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1964 كان «كارلوس» أو «إيليتش» اسمه الحقيقي الذي عرف به في فنزويلا قبل أن يصل إلى العالمية، عضوا نشيطا جدا في تجمعات الشباب الشيوعي الفنزويلي، ولا يزال قدماء التنظيم يحتفظون للشاب «إيليتش» بذكريات ضبابية، بحكم أنه وقتها لم يكن لامعا ولم يكن من مشاهير التنظيم، إلى أن ارتبط اسمه بجبهة التحرير الفلسطينية وصار مبحوثا عنه بمذكرات دولية في فرنسا وبعض الدول الأوربية الحليفة لها.

شخصية أسطورية
قبل أن نصل إلى ارتباط كارلوس بقضية المغرب والجزائر، لا بد أولا أن نقف عند بعض النقاط التي شاعت عنه، واختلط فيها الصحيح بالأسطوري. لقد كان بعض أنصاره، خصوصا في الشرق، يروجون عنه عددا من المغالطات الأسطورية.
صحيح أنه درس الفيزياء في موسكو، لكن بعض المعلومات تؤكد أنه لم يكن يحفل بمساره الأكاديمي كثيرا، وأنه استفاد فقط من إمكانيات أسرته المادية، بحكم انتمائه إلى عائلة فاحشة الثراء في فنزويلا. ولولا قدرة أسرته على تغطية تكاليف دراسته وإقامته الجامعية، لما حظي أساسا بتلك الفرصة. وهو ما يقطع الطريق أمام فرضية النبوغ الدراسي والتميز لدى «إيليتش».
هناك مسألة أخرى أكثر أهمية، وهي أن «كارلوس» قضى فترة في لندن، ليس كطالب جامعي وإنما كمقيم اصطحبه والده رفقة الأسرة، بحكم أن الأب المحامي في كاراكاس عاصمة فينزويلا، قرر أن يهاجر إلى لندن لبدء حياة جديدة، خصوصا وأن العائلة لم تكن في عوز يقودها إلى الهجرة، وإنما رغبة في تحسين ظروف العيش ومستقبل الأبناء. وعندما توجه إلى موسكو للدراسة، كانت أسرته بجانبه.
أما مسألة اعتناق كارلوس للإسلام فهي صحيحة، وقد كان الأمر في البداية فضولا لديه، خصوصا وأنه كان متأثرا بالحركات الثورية عبر العالم، وفي الأخير كانت القضية الفلسطينية محورا أساسيا في عملية بحثه عن الإسلام قبل اعتناقه.
كما أنه تدرب، وهذه حقيقة أخرى، على استعمال السلاح وحرب العصابات، في بداية السبعينيات في الأردن، بعد أن تعرف على جورج حبش، وقاده بمعية آخرين إلى التخطيط لعمليات داخل إسرائيل، وتدريب مجموعة من شباب جبهة التحرير لكي ينفذوا عمليات استشهادية داخل الأراضي المحتلة.
كيف إذن أصبح كارلوس صديقا لعدد من الأنظمة، وكيف تحولت حروب العصابات إلى حسابات ضيقة، تمولها أنظمة عربية ضد أخرى.
كيف دخل القذافي والهواري بومدين على الخط، لكي يدفعا، ومعهما زعماء آخرون، خصوصا في اليمن والسودان، بالدولار لكي ينفذ كارلوس عمليات اغتيال لصالحهم.
سوف نرى في الحلقات المقبلة كيف تحولت باريس إلى مقر دائم لكارلوس يلتقي فيه ببعض قادة المعارضة في دول منها بطبيعة الحال المغرب والجزائر. هل التقى يوما الفقيه البصري وقادة الاختيار الثوري بالمغرب؟ وما حقيقة علاقته أيضا بالجنرال الدليمي؟
الجواب عن هذه الأسئلة يقتضي أولا إعادة تفكيك اعترافات كارلوس والربط بين عدد من الأسماء التي ستوصلنا رأسا إلى حياة الملك الراحل الحسن الثاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى