
يونس جنوحي
الصور القادمة من إقليم العرائش تكشف إلى أي حد تسببت الحرائق الأخيرة قبل يومين في أضرار جسيمة.
مناظر مؤلمة لقطعان محترقة وأخرى لأسر وعائلات غادرت مساكنها ولم تملك سوى مشاهدة النيران وهي تمتد عبر الدواوير وصولا إلى حدود مدينة القصر الكبير. إذ حسب آخر المعطيات المتوفرة بهذا الخصوص، فإن السلطات سيطرت على الحريق بعدما التهمت النيران كيلومترات من الغابات التي تخترق الدواوير والقرى.
شباب من المنطقة أكدوا أن النيران اندلعت يوم الأربعاء عصرا، وظل الأهالي ينتظرون التدخل لإخماد الحريق لكن الانتظار طال إلى حدود العاشرة ليلا.
التسجيلات الصوتية المنسوبة لبعض النساء من دوار «بني صفار»، تؤكد أن عشرات العائلات تفترش الأرض وتلتحف السماء في انتظار الفرج، وتتابع في ذهول منظر النيران ليلا وهي تلتهم الأشجار المحيطة بدواويرهم. ومن غادر منزله ولم يكن معه الوقت حتى لتفقد مكان البطاقة الوطنية أو الأوراق النقدية لاصطحابها معه إلى خارج المنازل المحترقة.
آخرون من «أدار» بمنطقة بني يسف التابعة لجماعة بوجديان بإقليم العرائش، حيث بدأت الحرائق الأولى في الانتشار، يصفون المشهد وكأنهم يتحدثون عن «القيامة». إذ أن ارتفاع درجات الحرارة، التي تقارب الأربعين، بالإضافة إلى قوة رياح الشرقي المحرقة وانتشار قطعان الخنزير البري، كلها ساهمت في انتشار الحرائق إلى الأمام في اتجاه القصر الكبير.
السلطات نجحت في إخماد الحريق الذي شب في اتجاه الطريق السيار، واستغرق منها الأمر ساعتين تقريبا للسيطرة عليه وتطويقه وإخماده في الأخير. بينما الحريق الذي التهم القرى لم تتم السيطرة عليه، وظل يتقدم طيلة ليلة الأربعاء وصولا إلى يوم الخميس حيث وصلت ألسنة اللهب إلى دواوير أخرى. وإلى حدود ليلة الجمعة، فإن الحريق كان لا يفصله عن مدينة القصر الكبير سوى عشرين كيلومترا تقريبا.
الملفت في هذا الموضوع، أن بعض الأهالي بعثوا نداء استغاثة إلى عائلاتهم في أوربا ولم يفكروا في الاتصال بالمطافئ. وهناك من يعتبر أن الأجدر أن يتم ربط الاتصال بالأقارب للجوء إليهم رغم أن الحرائق كانت تتقدم إلى الأمام في اتجاههم.
لكن الأخبار القادمة من هناك، حسب شباب من قلب المنطقة، فإن الناس لجأوا فعلا إلى طريقة تقليدية تعود إلى مئات السنين. وهذه الطريقة تتمثل في حفر الخنادق لتطويق النيران. وفعلا استطاع الفلاحون بمعاولهم حفر خنادق عميقة نسبيا وسط الحقول، في خطوة استباقية لكبح ألسنة اللهب من الانتشار وسط أشجار الزيتون والأعشاب اليابسة بعد موسم الحصاد.
لكن أمام تقدم رياح الشرقي القوية، لم يكن حفر تلك الخنادق مجديا، إذ أن الرياح تجتازها بسهولة إلى الأمام، وسرعتها تكفي لاقتلاع الأشجار وليس فقط لإذكاء ألسنة اللهب.
دواوير تاريخية احترقت عن آخرها وتضررت بشكل غير مسبوق، ووجد سكانها أنفسهم لأول مرة مشردين حرفيا. ولولا الحس الإنساني العالي الذي أبان عنه سكان المناطق القريبة التي لم تصل إليها النيران، حيث سارعوا إلى الالتحاق بعين المكان وتوزيع ما لديهم من طعام وماء وأغطية على العائلات التي صارت بدون مأوى، لكان وقع الكارثة أكبر.
هذه الحرائق، التي كان يجب توقع حدوثها بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة في منطقة القصر الكبير ونواحيها، ما كانت لتنتشر بهذه الصورة لو تم التدخل يوم الأربعاء عصرا لتطويقها عندما كانت تلتهم الأراضي المجاورة للطريق المعبدة. بل إن الصور القادمة من هناك توثق لمشهد توقف السيارات التي نزل منها المواطنون لالتقاط الصور، في حين أن ثقافة التدخل السريع لإخماد النيران تقتضي المشاركة في العملية بعد إبعاد السيارات عن مكان الخطر وليس إغلاق الطريق.
وفي الأخير يأتي من يمسحون كل شيء في سيارات الإغاثة، رغم أن تأخرها فعلا تسبب في تفاقم الخسائر.
حوادث من هذا النوع كانت امتحانا كبيرا لمختلف القوات العمومية في أكثر من بلد. بل إن أعتى الديموقراطيات مرت بتجارب مريرة مع الحرائق، لكن التحدي الحقيقي، ألا يبقى الضحايا الذين التهمت النيران منازلهم في العراء مدة أطول. أما التركيز في الحيثيات، فلا يختلف في شيء على لوم الرياح!





