شوف تشوف

مجرد حزب (2/1)

لماذا يكره السياسيون الصحافي؟
لسبب بسيط هو أنه يذكرهم بتناقضاتهم، فالذاكرة الشعبية ملساء ويوميا تنزلق فوقها أخبار كثيرة ولا تعلق بها إلا في ما ندر، لذلك فالرأي العام بحاجة إلى الصحافي لكي يذكر في كل مرة بماضي السياسي، بتعهداته، وشعاراته حتى لا يتنكر لها أو يفعل عكسها.
وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي يعيش اليوم أحد أحلك فتراته، بعدما بدأ أبناؤه في تبادل تهم الخيانة بينهم، فإن بنكيران مسؤول عن الصورة الحالية للحزب في أذهان الناس، فهم بسبب عنتريات بنكيران وكلامه الغليظ كونوا عن الحزب صورة الحزب الراديكالي المعارض المستعد للنزول إلى الشارع لحماية نتائج صناديق الاقتراع، والحال أن الأمر يتعلق بحزب عادي ولد في دار المخزن منتهى طموح قيادييه أن يحصلوا على مناصب في الحكومة والبرلمان والجماعات والجهات والمؤسسات العمومية.
والمشكل في هذا التدليس الذي قام به بنكيران وهو يرسم عن حزبه صورة الإطار السياسي المتمرد، الذي يقوده أبطال أسطوريون مستعدون للتضحية برقابهم من أجل كرامة الشعب، أن الشعب انخدع فعلا وصار يصدق أن الأمر يتعلق فعلا بحزب ثوري مستعد للتضحية، إلى أن جاءت ساعة التضحية فقفز الجميع نحو سفينة العثماني طمعا في منصب أو حقيبة.
ولعل الصدمة الكبرى اليوم هي تلك التي يشعر بها الناس الذين صوتوا للعدالة والتنمية لكي يكتشفوا أن أصواتهم ضاعت هدرا.
ولذلك فلتفسير التشرذم والانقسام والتهلهل الذي ظهر عليه حزب العدالة والتنمية بعدما تم عزل بنكيران وأخذ العثماني مكانه، علينا العودة إلى أسباب وظروف نشأة هذا الحزب.
فلمواجهة هيمنة حزب الاستقلال، قام الملك الراحل الحسن الثاني، سنة 1957، وكان آنذاك وليا للعهد، بإقناع والده الراحل محمد الخامس، بتأسيس حزب سياسي يكون له ارتباط مباشر به، لخلق نوع من التوازن السياسي، تمهيدا لنشر فكرة التعددية الحزبية في مواجهة فكرة الحزب الوحيد التي بدأت في الانتشار آنذاك، وكلف بهذه المهمة المحجوبي أحرضان، القائد العسكري بالجيش الفرنسي وأحد «قواد» السلطات الاستعمارية، واستعان بدوره لتأسيس الحزب بكبار الإقطاعيين وملاك الأراضي التي تركها المستعمرون.
ومن أبرز الشخصيات التي اعتمد عليها أحرضان لتأسيس الحزب، عبد الكريم الخطيب، الطبيب الجراح الحامل للجنسية الفرنسية الذي درس الجراحة بجامعة السوربون في فرنسا وعمل في مستشفى «فرانكو موزولمان» لمدة ست سنوات، قبل عودته إلى المغرب، وهو من أب جزائري وأم مغربية تسمى مريم الكباص ابنة الصدر الأعظم محمد الكباص الذي أشرف على تربية الخطيب، وكان فقيها ضمن أول دفعة أرسلها السلطان الحسن الأول للدراسة في الخارج، وتخرج مهندسا معماريا في جامعة أوكسفورد، وكان والده الحاج عمر الخطيب يعمل ترجمانا إداريا لدى السلطات الاستعمارية الفرنسية.
ومقابل مساهمة الخطيب إلى جانب أحرضان في مواجهة حزب الاستقلال في البداية ثم الجناح اليساري المنشق عنه لاحقا، والمتمثل في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، حصل على مكافأة بمنحه حقائب وزارية عدة مرات، كانت أولها وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية سنة 1960، في الحكومة التي ترأسها الملك محمد الخامس، بعد إقالة عبد الله إبراهيم، وفي سنة 1961، تم تعيينه في نفس المنصب الوزاري، ثم وزيرا مكلفا بالشؤون الإفريقية، ثم وقع تعديل وزاري أشرف فيه الخطيب على وزارة الشؤون الإفريقية ووزارة الصحة، وفي سنة 1963 أعيد تعيينه في نفس المنصب الوزاري، لكن النقطة السوداء التي ستبقى مسجلة في تاريخ الخطيب هي مشاركته في عملية «إيكوفيون» التي استهدفت تصفية عناصر جيش التحرير بالجنوب.
وقد ساهم الخطيب إلى جانب شقيقه عبد الرحمان الخطيب في تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية المعروفة بجبهة «الفديك» بقيادة أحمد رضا اكديرة، وكانت تتكون من ثلاثة أحزاب وهي الأحرار المستقلون الذي كان يترأسه اكديرة وصديقه رشيد مولين، وحزب الدستور الديمقراطي، وحزب الحركة الشعبية، وتأسست الجبهة تمهيدا لأول انتخابات تشريعية جرت بالمغرب سنة 1963، بغرض مواجهة قوة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وباسم جبهة «الفديك» حصل الخطيب على منصب رئيس لأول برلمان في تاريخ المغرب، فيما عين شقيقه عبد الرحمان وزيرا للداخلية باسم «الفديك» كذلك، كما شاركت الجبهة في حملة قوية خلال الانتخابات الجماعية التي جرت في شهر يوليوز 1963، لتضييق الخناق على أحزاب المعارضة، وإلى جانب أحمد رضا اكديرة، ضمت «الفديك» في صفوفها المحجوبي أحرضان، محمد حسن الوزاني، المفضل الشرقاوي، محمد الغزاوي، والأمير مولاي علي، ومحمد باحنيني، وإدريس السلاوي، ومولاي أحمد العلوي، ومحمد الزغاري، وآخرين.
وتوجت علاقة الاحتضان بين حركة الخطيب وأم الوزارات في عهد الوزير القوي، إدريس البصري، وبالضبط في سنة 1996، باتخاذ قرار دمج الإسلاميين في هذا الحزب، بعد تجميعهم في حركة التوحيد والإصلاح في نفس السنة، وتعهد الراحل البصري بتوفير جميع الإمكانيات المالية واللوجستيكية لهذه العملية، وكذلك احتضان أزيد من 200 جمعية مرتبطة بالحركة الدعوية، وبعد احتضان بنكيران وإخوانه في حركة التوحيد والإصلاح، تم الإعلان عن تغيير اسم الحزب إلى حزب العدالة والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى