
محمد اليوبي
كشف تقرير صادر عن مجلس المنافسة، حول وضعية المنافسة على مستوى مسالك توزيع المواد الغذائية، تفشي ظاهرة الوسطاء في سلسلة التوزيع، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المواد، فضلا عن اختلالات أخرى تحد من المنافسة، ومنها زيادات غير مشروعة في الأسعار وارتفاع هوامش الربح.
وأفاد التقرير بأن التجارة التقليدية المكونة من التجار بالجملة وشبه الجملة وأصحاب محلات البقالة المعروفين ب«مول الحانوت»، تهيمن باستمرار على قطاع التجارة والتوزيع بالمغرب، مستحوذة على نحو 80 بالمئة من رقم المعاملات وعلى 99 بالمئة تقريبا من نقاط البيع. ويأتي ذلك، حسب التقرير، بالرغم من تطور التوزيع العصري (التجارة الكبرى والإلكترونية) في السنوات الأخيرة.
وأبرز التقرير أن القدرة على الصمود، التي أبانت عنها مسالك التوزيع التقليدية، والتي عززتها تجارة القرب، تعد نموذجا بارزا، أخذا بعين الاعتبار مزاياها التنافسية المتنوعة. كما تتفرد تجارة القرب التقليدية، المتأصلة بعمق في الهوية الوطنية، بقدرتها على التأقلم من حيث مرونة ساعات العمل والتنوع الذي تتسم به المنتجات المعروضة، إذ تتوفر أحيانا على منتجات غير متاحة في المساحات الكبرى والمتوسطة، كما تتيح إمكانية اقتناء المنتجات بكميات قليلة، والتي تعمل على تقسيمها استجابة لاحتياجات الزبناء ذوي القدرة الشرائية المحدودة، وكذا توصيلها إلى المنازل.
وفضلا عن هذه المزايا، يضيف التقرير، يضطلع أصحاب محلات البقالة (مول الحانوت) بدور اجتماعي بارز يتجاوز النطاق التجاري، إذ يوفرون تسهيلات في الأداء للزبناء، بفضل دفتر القرض المجاني (الشهير باسم «الكارني»)، مساهمين بذلك في تلبية الاحتياجات الشهرية للأسر.
ومن جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن تجارة المواد الغذائية العصرية (التجارة الكبرى) سجلت تطورا كبيرا، بالرغم من هيمنة مسالك التوزيع التقليدية على قطاع التجارة وتوزيع المواد الغذائية بالمغرب، ويتجلى ذلك في تكثيف إحداث المساحات الكبرى والمتوسطة، حيث فاقت نقاط البيع 1379 متجرا عند متم سنة 2024، تتوزع على 40 مدينة رئيسية تقريبا.
وسجل التقرير وجود تركيز عال لقطاع المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، مع وجود حواجز قوية أمام دخول وافدين جدد، وأوضح التقرير أن قطاع التوزيع العصري بالمغرب، الذي تمثله المساحات الكبرى والمتوسطة، يتسم بدرجة عالية من التركيز، إذ تستحوذ علامتا «مرجان» و«كارفور» على نحو 60 إلى 70 بالمئة من حصص السوق من حيث رقم المعاملات، فيما تمتلك المجموعات الأربع الرائدة 95 بالمئة من الحصص، ما يعكس بنية السوق المتسمة باحتكار القلة.
ويشهد القطاع كذلك تركيزا من حيث التموقع الجغرافي للمساحات الكبرى، حيث تستحوذ مدينتا الرباط والدار البيضاء على 46 بالمئة من نقاط البيع و50 بالمئة من المساحة الإجمالية، وخلص التقرير إلى أن هذا التمركز أفرز فوارق مجالية شاسعة، حيث يُحرم المستهلكون في المناطق القروية والهامشية من الولوج إلى نفس الخدمات.
ورصد التقرير وجود تأثير كبير لنمط سير مسالك التوزيع على سعر البيع وعلى سير المنافسة في السوق، مؤكدا أن نمط اشتغال قطاع تجارة وتوزيع المواد الغذائية الحالي، والمطبوع بسيادة مسالك التوزيع التقليدية، يكون له تأثير ملحوظ على تحديد سعر البيع للمستهلكين، فمن جهة، تطبق الجهات الفاعلة في الغالب، سيما أصحاب محلات البقالة، السعر المحدد للمنتج الرائد على جميع العلامات التجارية المنتسبة لنفس صنف المنتجات، بغض النظر عن سعر الشراء، إذ أظهرت التحليلات الكمية المنجزة من طرف مجلس المنافسة أن تشابه أسعار بيع كل من الزبدة (التي بلغ متوسط فرق بيعها 7 دراهم للكيلوغرام خلال الفترة 2021- 2023) والمعجنات الغذائية السائبة (بمتوسط فرق وصل إلى 1,3 درهم للكيلوغرام) المطبقة من لدن التجار في المسالك التقليدية (84 درهما للكيلوغرام بالنسبة إلى المنتوج الأول و11 درهما للكيلوغرام بالنسبة إلى المنتوج الثاني)، بغض النظر عن العلامة وسعر التفويت المحدد من قبل المورد، ومن جهة أخرى، تعمد الجهات المذكورة إلى عكس الزيادات في السعر تلقائيا وفورا، مقابل تأخير تفعيل التخفيضات بحجة تصريف المخزون.
وسجل التقرير أن التجار يستمرون في الاستحواذ على نصيب من هامش الربح التجاري، دون أن ينعكس ذلك إيجابا على المستهلك النهائي، ومن جهة أخرى، تتقلص حدة ممارسة المنافسة بين موردي المواد الغذائية وبين شركات التصنيع بصفة غير مباشرة، إذ لا يتحكمون في قسط كبير من سعر البيع الذي يعد ركيزة أساسية للتمايز التجاري، كما سجلت هوامش الربح التجارية الخام المتأتية من تسويق مختلف أصناف المنتجات زيادة بوتيرة مطردة خلال السنوات الأخيرة الثلاث، مقرونة ببعض الفوارق زادت من حدة التضخم.
وأظهر تحليل أصناف المنتجات أن قيمة هوامش الربح الخام المتعلقة بتسويق منتجات الحليب في المسالك التقليدية ارتفعت من 10 بالمئة بين سنتي 2021 و2022 إلى 22 بالمئة بين سنتي 2022 و2023، وبرزت الزيادة بوضوح في حالة المصبرات النباتية، إذ بلغت 18 و12 بالمئة بالنسبة إلى مركّز الطماطم والمربى على التوالي، وبخصوص صنف المعجنات الغذائية والكسكس، ازدادت نسبة هامش الربح الخام بنحو 20 بالمئة في سنة 2022، ثم تراجع في سنة 2023 محتفظا، في الآن ذاته، بمستوى أعلى مما كان عليه في سنة 2021.
وفي ما يخص مسالك التوزيع العصرية للمساحات الكبرى والمتوسطة، أبان التحليل عن منحى مماثل سجلته هوامش الأرباح على فترتين متميزتين، وذروة مسجلة في سنة 2022، وبالفعل، أحصت العلامات الثلاث الرئيسية زيادة بين سنتي 2021 و2022، بلغت 44 بالمئة و2,5 بالمئة و55 بالمئة، وهمت منتجات الحليب، والمعجنات الغذائية والكسكس، والمصبرات النباتية على التوالي، قبل أن تنخفض إلى 22 بالمئة بالنسبة إلى منتجات الحليب وحوالي 1 بالمئة بالنسبة للمصبرات النباتية وترتفع إلى 4 بالمئة بالنسبة إلى المعجنات الغذائية والكسكس بين سنتي 2022 و2023.
وهكذا، أقدم الفاعلون في سلستي التوزيع (التقليدية والعصرية) على رفع سعر البيع بشكل يفوق نسبة الزيادة في سعر الشراء خلال سنتي 2021 و2022، وبنسب متباينة، وبالمقابل قاموا بتخفيضات أقل نسبيا من الانخفاضات المطبقة عليهم من لدن مختلف الموردين بين سنتي 2022 و2023.