
إلى عهد قريب، كانت الغارات التي تستهدف المواقع الإلكترونية تركز على الجانب النفعي الذاتي، من خلال عمليات استهدفت حسابات لأشخاص ذاتيين، قبل أن تدخل الساحة السيبرانية منعطفا جديدا، بعد أن أعلنت مجموعة قرصنة جزائرية تدعى “جبروت” مسؤوليتها عن تنفيذ هجوم إلكتروني واسع النطاق استهدف الموقع الإلكتروني لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، بالإضافة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. في ما يشبه البيانات العسكرية، لم تكتف مجموعة القرصنة بإعلان مسؤوليتها عن الحادث، بل قدمت حصيلة الغارة التي أسفرت عن تسريب بيانات حساسة تخص ما يقارب 500 ألف شركة مغربية وأكثر من 1.9 مليون موظف مسجلين ضمن النظام الذي تم استهدافه. وبالنظر إلى حجم البيانات المسربة، فإن الغارة تعد الأكبر في تاريخ الهجمات الإلكترونية التي استهدفت مؤسسات حيوية في المغرب.
يأتي هذا الهجوم وسط أجواء من التوتر المتزايد بين المغرب والجزائر في الفضاء السيبراني، حيث ادعت مجموعة “جبروت” أن عمليتها جاءت كرد على محاولات اختراق مغربية استهدفت مواقع إلكترونية جزائرية، بما في ذلك صفحة وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
لكن الغريب في هذه النازلة هو إشادة النظام الجزائري بهذه الغارة، بالرغم من كونها لم تستهدف مؤسسة أمنية حساسة، إذ إن المخترقين وصلوا إلى معطيات ذات طابع اجتماعي واقتصادي تهم عموم المغاربة، ولم يصل الاختراق إلى مؤسسات عسكرية أو أمنية أو استخباراتية.. غير أن الجانب الجزائري روج للأمر على أنه “انتصار في حرب سيبرانية”، الأمر الذي يقود إلى الحديث عن التبعات القانونية لهذه الخطوة، خاصة إذا ما ثبت ضلوع الجزائر الرسمية فيها.
في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار”، نعيد ترتيب أبرز الغارات الإلكترونية الأكثر جدلا في المغرب.
حسن البصري
“جبروت” تقصف نظام المعلوميات للضمان الاجتماعي
فجأة، تعطل “سيستام” الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبعد ساعتين صدر بلاغ رسمي، تحدث عن تعرض نظامه المعلوماتي لسلسلة من الهجمات السيبرانية التي استهدفت اختراق التدابير الأمنية المعتمدة، مما أسفر عن تسريب معطيات تم تقييم مصادرها وطبيعتها بدقة.
وأعلنت مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن التحقيقات الأولية التي أجرتها بشأن بعض الوثائق المسربة، المنسوبة إلى هجوم سيبراني، والتي تم تداولها على منصات للتواصل الاجتماعي، مكنت من الوقوف على طابعها المضلل في كثير من الأحيان، وغير الدقيق أو المبتور.
وفور رصد تسريب البيانات، يضيف البلاغ ذاته، تم تنفيذ بروتوكول الأمن المعلوماتي من خلال اتخاذ تدابير تصحيحية، مكنت من احتواء المسار الذي تم سلكه وتعزيز البنيات الأساسية، مشيرا إلى أنه تم تفعيل وسائل للتحديد الدقيق للبيانات المعنية.
وشدد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على أن حماية المعطيات الشخصية وسرية المعلومات الخاصة بمنخرطيه تشكل أولوية مطلقة، معلنا أنه يجري تحقيقا إداريا داخليا، في وقت تم فيه إشعار السلطات القضائية المختصة من قبل الصندوق.
في المقابل، أعلنت مجموعة من “الهاكرز” الجزائريين، تطلق على نفسها اسم “جبروت”، مساء الثلاثاء الماضي مسؤوليتها عن الغارة، واختراق قاعدة بيانات الموقع الإلكتروني لوزارة التشغيل المغربي والوصول إلى قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتسريبها للمعطيات الشخصية والمهنية لما يقارب 500 ألف شركة مغربية وأكثر من 1.9 مليون موظف مسجل في النظام الوطني للضمان الاجتماعي، بما في ذلك بيانات التصريح الخاصة بأجور الآلاف منهم.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن البيانات المسربة تضمنت أكثر من 53 ألف ملف بصيغة “بي دي إف” عن لوائح الموظفين وأجورهم، إلى جانب ملفات تحوي تفاصيل دقيقة عن الشركات المنخرطة، ومديريها، ومعلومات بنكية حساسة.
ولهذه الغاية، دعا الصندوق “كافة المواطنين ووسائل الإعلام إلى التحلي باليقظة وحس المسؤولية، وتفادي أي عمل من أعمال نشر أو مشاركة البيانات المسربة أو المزورة، تحت طائلة المساءلة القانونية”.
من جهة أخرى، سارعت وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات إلى نفي تعرض قواعد بياناتها الحساسة للاختراق، مؤكدة أن الهجوم اقتصر على الموقع. وأوضحت الوزارة أن جميع المعلومات المنشورة ما زالت مصانة ضد العبث، مشيرة إلى أن هذا الموقع متاح للعموم، كما نفت الوزارة علاقتها بالوثائق المتداولة، معتبرة أنها خارج نطاق اختصاصها.
الجزائر تبارك الغارة وتساند القراصنة
تعاملت وسائل إعلام جزائرية، بشكل علني ممزوج بفرحة الغارة، منذ الثلاثاء الماضي، بالاختراق الذي نفذته المجموعة التي تطلق على نفسها اسم “جبروت” للنظام المعلوماتي للمؤسسات العمومية المغربية. وساهمت شخصيات معروفة، بمن فيها شخصيات عمومية، في نشر الخبر وتبعاته عبر منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الوثائق التي حصل عليها المخترقون.
وعلى الرغم من تجريم هذه القرصنة، التي سعت إلى تسريب المعطيات الشخصية والمهنية للآلاف من المواطنين المغاربة والعديد من الشركات، فإن شخصيات فنية وجمعوية ورياضية وسياسية في الجزائر تغنت بهذا “النصر”، وهو ما يؤكد أن ما حدث كان عبارة عن هجوم سيبراني تقف وراءه جهات رسمية، وهي من المرات النادرة التي يتم فيها الاحتفاء بتحرك مجرم دوليا من طرف جهات في الدولة التي نفذته، الأمر غير المعهود حتى من طرف بلدان يعتقد على نطاق واسع أنها ضليعة في القرصنة، مثل كوريا الشمالية وإسرائيل وروسيا..
ومن المفارقات العجيبة أن تتقاسم جهات جزائرية رسمية ما ذهبت إليه المجموعة الجزائرية في موضوع اختراق مواقع رسمية مغربية، حيث وضعت منشورا تضمن العبارة التالية “مجموعة جبروت تعلن اختراق أنظمة وزارة العمل المغربية والحصول على بيانات هامة”، وتابعت أن هذا الاختراق “جاء كرد على التحرشات المغربية بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسات الرسمية الجزائرية”، وتقصد المجموعة المقرصنة بالتحرشات المغربية.
وتبين أن هناك تنسيقا كبيرا بين القراصنة والنظام الجزائري وإعلام هذا البلد، إذ إن الاختراق، وبمجرد حصوله، وجد طريقه إلى وسائل الإعلام الجزائرية، بشكل يشي بوجود تنسيق قبلي بخصوصه، فنجد أن حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لقناة “النهار”، المقربة من الجيش الجزائري، نشرت الخبر فورا، وأكدت أن من يقف وراءه “هاكرز جزائريون”، موردة أنهم قاموا بـ”نشر ملايين المعطيات من أسماء وأجور المغاربة”، كما ربطت الأمر باختراق حساب وكالة الأنباء الرسمية. ووفق صحيفة “أخبار الجزائر”، فإن الأمر يتعلق بـ”معلومات “جد حساسة” تخص أكثر من 499 ألف شركة”، بالإضافة إلى بيانات حوالي مليوني موظف.
“هاكرز” مغربي يغلف صفحة وكالة الأنباء الجزائرية بلون العلم المغربي
تم استهداف صفحة وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، التي تم حذفها من موقع “تويتر”، والتي تحول اسمها إلى “الصحراء المغربية”، مع وضع العلم المغربي في صورتها الرئيسية إلى جانب خريطة للمملكة. وقد أضيفت لها مساحات من الصحراء الشرقية التي تشكل الجزائر الحالية. وهذا الربط أكدته منابر جزائرية مثل موقع “أخبار الجزائر”.
وكان قراصنة مغاربة “هاكرز” قد تمكنوا من اختراق الحساب الرسمي لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية على موقع إكس (تويتر سابقا)، للرد على بعض المقالات المضللة للرأي العام في موضوع الصحراء.
ومن شدة القصف، توقف الحساب الرسمي لوكالة الأنباء الجزائرية بموقع “إكس”، وتعطل بشكل مؤقت عن العمل وظهر وكأن به عطبا تقنيا لعدة ساعات، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات لدى متابعي الحساب، خاصة الصحافة الجزائرية.
وفي لحظة توقفه، غطت خريطة المغرب وعبارة الصحراء مغربية فتغير اسم الحساب بشكل كلي، وتبين أنه تعرض للاختراق كليا، كما تم وضع الخريطة الأصلية للمغرب التي تضم الصحراء الشرقية.
وعمد المخترقون المغاربة إلى نشر تغريدات متلاحقة يتهكمون فيها على تقنيي الوكالة لعدم تمكنهم من استرجاع الحساب الرسمي، كما نشروا صورة للزليج المغربي مرفوقة بعبارة إنجليزية تفيد بأنه صنع بالمغرب، في رد على محاولات السطو والحملات التي تشنها وكالة الأنباء الجزائرية على التراث المغربي.
في المقابل، حاولت الوكالة الجزائرية تدارك الوضع من خلال إنشاء حساب حديث، بعدما باءت كل محاولاتها لاستعادة الحساب بالفشل. ويأتي هذا في ظل الحرب الإلكترونية القائمة بين “هاكرز” مغاربة وجزائريين، حيث يعمد الجانبان بين الفينة والأخرى إلى اختراق مواقع حكومية، مثلما فعلت قبل أشهر مجموعات جزائرية إلى اختراق وضرب جرائد ومواقع رسمية مغربية بسبب تناولها لملف الصحراء. كما غير الهاكرز المغاربة اسم حساب الوكالة الجزائرية إلى “الصحراء المغربية”، وأرفقوا عبارة “لا غالب إلا الله.. ديما المغرب”.
في رد سريع، أعلنت مجموعة “هاكرز” مغربية تطلق على نفسها اسم “فانتوم أطلس” مسؤوليتها عن شن حملة هجمات سيبرانية استهدفت مواقع وأنظمة حكومية جزائرية، وذلك رداً على ما وصفته بـ”استفزازات الجزائر” والهجوم السيبراني المنسوب لمجموعة “جبروت” الجزائرية والذي استهدف مؤخراً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الإدماج الاقتصادي بالمغرب وأدى لتسريب بيانات.
ونشرت المجموعة على تطبيق “تلغرام” بيانا قالت فيه: تمكنت “فانتوم أطلس” خلال أقل من 24 ساعة من اختراق الأنظمة الداخلية للمؤسسة العامة للبريد والاتصالات الجزائرية، وتسريب وثائق سرية تتضمن بيانات شخصية ووثائق استراتيجية بالغة الحساسية.
واعتبر المتتبعون ما قامت به “فانتوم”: “ردا مباشرا ومدروسا” على اختراق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأضافت: “نحن نراقب. نحن قادرون. أي استفزاز مستقبلي سيقابل برد دقيق وغير متناسب”..
قراصنة يخترقون جامعة مراكش وقوات الردع تضرب جامعة الجزائر
في شهر دجنبر 2022، شنت مجموعة “هاكرز”، من ضمنهم شخص جزائري، قاعدة بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووصلت إلى بيانات شخصية تهم حوالي مليون طالب مغربي.
وحصل “الهاكرز” على البيانات الشخصية لطلبة وموظفين بجامعة القاضي عياض بمراكش، ونشرت المجموعة البيانات المتحصل عليها من موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والتي تخص قرابة مليون طالب، بالإضافة إلى موظفين جامعيين. وحصل قراصنة المعلوميات على هذه المعلومات الشخصية عن طريق اختراق “خادم” تابع لموقع الوزارة، وتم نشر أسماء شخصية وعائلية وأرقام البطاقات الوطنية وأرقام التعريف الخاصة بالطلبة وتواريخ وأماكن الميلاد، التي تخص 943 ألف طالب.
كما قام موقع “ليك بايز” بنشر قاعدة بيانات تخص جامعة القاضي عياض والمؤسسات الجامعية التابعة لها، إذ تضم الأسماء الشخصية والعائلية والأزواج والعناوين والهواتف، والبريد الإلكتروني والحساب البنكي، والتغطية الصحية، ومراجع التحويل البنكي، وغيرها، وذلك بعد مرور 11 يوما فقط عن التسريب الأول.
ونشر “هاكر” جزائري يطلق على نفسه اسم “دزاير أندركرود” ملفا يتيح إمكانية الوصول إلى قاعدة البيانات الكاملة لوزارة التعليم العالي في نفس المنتدى، بينما تكلفت صفحات “جنيسة” بتقديم التفاصيل المتعلقة بخصوصيات رواتب ومستويات والحياة الخاصة للأطر العليا والطلبة والإداريين وكذا بعض الشركاء.
وقامت مجموعة “الهاكرز” بنشر بيانات أخرى شخصية متعلقة بحكومتي تركيا وإيران، في الوقت الذي وضعت فيه السلطات الأمنية المغربية كمينا أسقط بعض العناصر المتورطة في هذه القرصنة الجامعية، حين بادرت إلى قرصنة تحويلات مالية بمدينة تطوان.
وكرد فعل أولي، منعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية المدرسين والباحثين من المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تنظم في المغرب. وفي رسالة وجهتها الوزارة إلى رؤساء “الندوات الجهوية للجامعات”، أصدرت منعًا من نشر المقالات والأبحاث الجزائرية في المجلات العلمية المغربية. ودعت الرسالة، أيضا، الباحثين والمدرسين الجزائريين، أعضاء مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية”، إلى الانسحاب الفوري منها.
وفي ما يشبه القصف المضاد، قامت صفحات عديدة بعمليات “الردع الإلكتروني” ضد نشطاء جزائريين يقودون حملة ضد رموز المملكة ومؤسساتها، من قبيل “قوات الردع المغربية” و”هاكرز مغاربة”، حيث تمت قرصنة موقع جامعة الجزائر.
وكان الموقع الإلكتروني لكلية العلوم ظهر المهراز بفاس، التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، قد تعرض بدوره للاختراق من قبل “هاكرز” جزائريين، عملوا على تعطيل خدمات الموقع قبل تثبيت العلم الجزائري على واجهته بالشبكة العنكبوتية. وأكدت المعطيات التقنية وقوف قراصنة جزائريين وراء اختراق هذا الموقع الإلكتروني.
بن دلاج.. “هاكر” جزائري يعامل بالجزائر معاملة البطل
بين الفينة والأخرى، يتصدر اسم الهاكر الجزائري حمزة بن دلاج، مواقع التواصل الاجتماعي في بلاده، وذلك عقب إعلان هذا الشاب، الذي يُلقب بـ”القرصان المبتسم” العودة إلى مسقط رأسه، بعد انتهاء مدة سجنه في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتحدثت وسائل إعلام جزائرية محلية وأخرى عربية عن قصة بن دلاج، الذي تصدر “التريند” لمجرد نشره صورة داخل طائرة، عبر ستوري على حسابه على “إنستغرام” معلقا عليها: “الجزائر حبي”.
وأعرب نشطاء جزائريون عن فرحتهم بعودة بن دلاج إلى بلاده، وسط تساؤلات عن المستقبل الذي ينتظره. وكتب حساب باسم “حسين هادي” على “إكس”، يقول: “الهاكر المبتسم يصل إلى الجزائر بعد إفراج السلطات الأمريكية عنه قبل أيام. ما هو المستقبل الذي ينتظر بن دلاج في بلده ومسقط رأسه”؟
وتفاعلت فصائل الإلتراس مع عودة هذا القرصان الإلكتروني، وقالت إنه قد عاد إلى الجزائر محملاً بكثير من الأسرار والقصص عن ظروف اعتقاله ومحاكمته، بل إن العودة تحولت إلى جدل بين الجزائريين، خاصة بعد احتفاء الشارع الجزائري لأول مرة في التاريخ بـ”هاكر” قام باختراق المنظومة الأمريكية. وعلى الرغم من اعتباره سجينا، إلا أن الاستقبال الذي خصص له أصبح يمثل لدى الشباب قصة نجاح، حتى وإن ارتبط النجاح بالقرصنة التي تعد جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون.
وأكدت الكاتبة الصحافية الجزائرية سميرة لفريكي أن بن دلاج الذي عاد لبلاده مبتسما، شغل بالفعل الشباب الجزائري، حيث يرونه “بطلاً أسطوريا” لا قرصانا، مشيرة في حديثها لـ”الشرق الأوسط”، إلى أن بن دلاج خارج من سجن بعد أن استهدف مئات المؤسسات وبنوك العالم، خصوصاً الأمريكية، واستطاع اختراق أقوى نظام مؤسساتي في العالم. وبرر بعض المفكرين الجزائريين هذا الالتئام حول بن دلاج بكون عمله الإجرامي كان موجها للنظام الأمريكي، لكن في الوقت نفسه هناك من يجرم بن دلاج وقرصنته على الأموال، ويرى أنه ارتكب جريمة، ونال عقابه ليكون عبرة للشباب، لا ليكون مثلا يحتذى به.
وكتب الصحافي الجزائري بومية قدور: “عندما خضع حمزة بن دلاج للتحليل النفسي في السجن تبين أنه شاب سوي نقي السريرة، اخترق بعبقريته بنوكا عالمية ووزع مبالغ كبيرة لفائدة جمعيات خيرية تدعم فلسطين، ولم يلمس أحد منه أي نية إجرامية حتى إنه تلقى عروضاً قوية للعمل لدى الأمريكان والأوروبيين لأنهم أيقنوا أنه لؤلؤة نادرة”.
واحتفى موقع “مقالات الجزائر” بعودة بن دلاج إلى بلاده، وقال إنه “كان يدرس الرياضيات باللغة الإنجليزية خلال فترة احتجازه في الولايات المتحدة الأمريكية” في الوقت الذي تصنف وسائل إعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، بن دلاج كواحد “من أخطر عشرة هاكرز في العالم”.
وتعود قصة حمزة إلى يناير 2013، حيث أُلقي القبض عليه في العاصمة التايلاندية بانكوك، ضمن عملية مشتركة بين مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، والسلطات التايلاندية، ونقل إلى ولاية جورجيا الأمريكية، لتبدأ تحقيقات استمرت نحو ثلاث سنوات. وفي أبريل عام 2016، قضت محكمة أمريكية بحبس بن دلاج 15 عاما، بتهمة “إدخال فيروس إلى أنظمة معلوماتية، مما نتج عنه خسارات كبيرة لعدد من الشركات والمؤسسات عبر العالم”. وحسب النائب العام الأمريكي فإن بن دلاج والهاكر الروسي أندريفيش بانين، طورا عام 2009 فيروسا يحمل اسم “سباي آي”، وعملا على تسويقه على الأنترنيت. والنتيجة اختراق الأنظمة المعلوماتية لـ217 مصرفا على مستوى العالم وجمع مليارات الدولارات. فيما نفى المحققون ما تم تداوله عن تحويل الأموال المنهوبة إلى فلسطين.
كيف اخترق “هاكر” مغربي موقع بنك بحثا عن راتب مدرب المنتخب؟
في سنة 2012، أمرت مؤسسة البنك الشعبي بالمغرب بفتح تحقيق معمق على خلفية تسريب نسخة من كشف الحساب البنكي لمدرب المنتخب المغربي لكرة القدم، البلجيكي إيريك غيريتس، الذي كان مرتبطا حينها بالفريق الوطني الأول.
حكاية راتب غيريتس مدرب المنتخب السابق وخروجه الإعلامي، حين توعد برفع دعوى قضائية ضد الأمين العام لحزب القراصنة المجهول، بتهمة العبث في بريده والكشف عن عائداته، بينما نصحه عضو جامعي بفتح حساب بنكي في سويسرا يضمن الحد الأقصى من الحصانة، واقترح عليه عضو غير كامل العضوية تلقي رواتبه “كاش” بدل التحويلات التي يعترض طريقها القراصنة.
اخترق هاكرز مغاربة الحساب الشخصي للبلجيكي إيريك غيريتس في أحد البنوك، وذلك بعد السرية التي قرر الاتحاد المغربي للعبة فرضها بشأن الراتب الشهري للمدير الفني لأسود الأطلس بعد الخروج المبكر من بطولة كأس الأمم الإفريقية الأخيرة، وكان راتبه حسب الكشف المسرب للرأي العام لا يزيد عن 280 ألف دولار شهريا، ما أغضب الشعب المغربي خاصة وأن التسريب تزامن مع الإقصاء المبكر من كأس إفريقيا.
ومن المفارقات الغريبة أن وزارة الشاب والرياضة تحمي المدرب بالبند السري من كل سؤال محرج حول الراتب، فالسرية لا تشمل رواتب كبار المسؤولين، بل تتعدى ذلك إلى تعويضات الوكلاء والسماسرة وهو ما ذهب إليه علي الفاسي الفهري الذي كان حينها رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ورفض تقديم أي تصريح حول الواقعة بداعي وجود تحقيق قضائي.
وأجمعت الصحف المغربية على أن بعض القراصنة قرروا اقتحام الحساب الشخصي لغيريتس، وتم من خلاله معرفة الراتب الشهري للمدير الفني البلجيكي الجنسية. حينها عقد بنشعبون المدير العام للبنك الشعبي، اجتماعا طارئا بمسؤولي البنك من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المتورطين في الكشف عن تحويل الاتحاد المغربي لمبلغ مالي كبير إلى حساب المدرب البلجيكي.
وتبين أن قرصانا بصفة مستخدم في البنك المذكور، هو من تمكن من الدخول للحساب الخاص بغيريتس عبر اسم وكلمة سر مسؤولة كبيرة بإحدى الوكالات المركزية بالرباط، واطلع على مجموعة من التحويلات المالية الكبيرة، كما أرسل الوثيقة المسربة للعديد من زملائه بالبنك. وذكرت وسائل إعلامية أخرى أن التحقيق وصل إلى القضاء ولن يقتصر على تحقيق داخلي.
وكان قراصنة مغاربة أعلنوا أنهم تمكنوا من إختراق الأنظمة المعلوماتية للبنك المغربي واستطاعوا نسخ وثيقة تبين راتب المدرب الوطني إيريك غيريتس، قبل أن يقوموا بنشر وثائق تظهر تحويلات مالية أخرى قاربت المليون دولار قبل نهائيات كأس أمم إفريقيا. في هذا الصدد، من جهته أعلن غيريتس في ندوة صحفية عقدها بالرباط، بأنه كلف محاميا برفع دعوى ضد مجهول بسبب ما اعتبره مسا بالحياة الخاصة.
اتفاقية مكافحة الجريمة الإلكترونية.. الجزائر لم توقع بعد
في 24 دجنبر 2024، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية جديدة لمنع ومكافحة الجرائم الإلكترونية، في ختام عملية تفاوض استمرت خمس سنوات، والتي تهدف إلى منع ومكافحة الجرائم الإلكترونية بكفاءة وفعالية أكبر، من خلال تعزيز التعاون الدولي وتقديم المساعدة التقنية ودعم بناء القدرات، وخاصة للدول النامية، وتقرر فتح باب التوقيع عليها ابتداء من العام الجاري، وستدخل حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها من طرف 40 بلدا عضوا، للإشارة الجزائر لم توقع بعد على هذه الاتفاقية.
توفيق.. “هاكر” أخلاقي مغربي يحمي معطيات الشركات الفرنسية
يوما عن يوم، تصبح المعارك الإلكترونية أكثر اختراقا للحدود العابرة بين الدول والقارات، حيث تتعرض الشركات والمؤسسات لاختراقات تهدد بياناتها ومعطياتها.
في هذه المعارك، يظهر جنود مقنعون يحملون رتبة “هاكرز”، حتى أصبح لكل بلد قائد اختراق.
في فرنسا، برز اسم توفيق عيران، كأحد أبرز الهاكرز، مغاربة الأصول، والذي استخدم مهاراته في الاختراق لصالح الأمن السيبراني، بدلا من استغلالها في القرصنة غير المشروعة.
حسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، فإن توفيق “يمثل نموذجا فريدا في عالم الأمن السيبراني، حيث انتقل من العمل بوظيفة ثابتة إلى العمل الحر، ما ضاعف دخله ثلاث مرات، في ظل الطلب المتزايد على خبراء الأمن السيبراني، بسبب تصاعد التهديدات الإلكترونية”.
ولد توفيق عيران في فرنسا عام 1992، عندما كان مراهقا، وانتقل مع عائلته إلى المغرب، حيث عاش ثلاث سنوات، وهناك بدأ شغفه بالتكنولوجيا يتطور. في عزلة غرفته، ودون أي تدريب أكاديمي رسمي، تعلم كل ما يتعلق بالقرصنة والأمن السيبراني من خلال الأنترنت. يقول توفيق: “في ثلاث سنوات فقط، تعلمت ما يعادل درجة الماجستير، كنت أتعلم كل يوم بشغف لا حدود له”.
علم توفيق نفسه بنفسه. ومن خلال مجتمعات المتحمسين للأمن السيبراني، بدأ في اختبار مهاراته، مكتشفا نقاط الضعف في الأنظمة المختلفة، لكنه كان يفعل ذلك بدافع الحماية وليس التخريب. وبعد عودته إلى فرنسا، بدأ توفيق حياته المهنية كخبير في الأمن السيبراني ضمن شركات كبرى. كان راتبه السنوي 90 ألف يورو، وهو مبلغ ممتاز بالنسبة لشاب في هذا المجال. ومع ذلك، لم يكن الراتب وحده ما يهمه، بل كان يبحث عن الحرية والتحدي. في يونيو 2023، قرر المغامرة وترك الوظيفة التقليدية، ليبدأ رحلته في العمل الحر كمستشار أمني مستقل.
يقارن توفيق عمله كهاكر أخلاقي بعملية سطو مدبرة على متجر مجوهرات، لكن الفارق أن المتجر نفسه هو من يطلب تنفيذ السرقة، حتى يتمكن من كشف ثغراته الأمنية وإصلاحها. هذا المفهوم أصبح مطلوبا بشدة في عصر تزايدت فيه الهجمات السيبرانية بشكل مرعب.
في عام 2023 وحده، سجلت وزارة الداخلية الفرنسية أكثر من 278 ألف هجوم إلكتروني، بزيادة 40 في المائة خلال 5 سنوات فقط، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة لأشخاص مثل توفيق لحماية البيانات والشبكات من الاختراقات.
“البادي أظلم”.. شعار قوات الردع الإلكتروني
لم يعد الهاكرز المغاربة مجرد أشخاص افتراضيين همهم الوحيد تخريب المواقع وسرقة الحسابات البنكية والتلصص على البريد الإلكتروني لأعداء مفترضين لهم، بل تجاوزا ذلك إلى مساحات جديدة من خلال “قوات الردع”، التي تتصدى لكل خدش تتعرض له الأمة المغربية..
تم اختراق موقع الديوان الأميري للكويت من طرف فريق هاكرز مغربي، احتجاجا على صورة مذلة للمرأة المغربية وردت في المسلسل الكرتوني “بوقتادة وبونبيل”، الذي كانت تعرضه قناة “الوطن” الكويتية. كما تم اختراق موقع وزارة الإعلام المصرية من طرف فريق الهاكرز نفسه للاحتجاج مرة أخرى على ما جاء في المسلسل المصري “العار” الذي جسدت فيه ممثلة مغربية دور العاهرة، وهو ما اعتبر تنميطا لصورة المرأة المغربية واختزاله في كل ما هو سلبي، مرورا باختراق مواقع تابعة لجبهة “البوليساريو” مثل ما يسمى بوكالة الأنباء. والكشف عن لائحة أطفال تيندوف وطرق بيعهم إلى كل من العائلات الكوبية والإسبانية بمبالغ محددة مسبقا بمباركة السلطات الجزائرية. كل هذه الاختراقات، التي قام بها “الهاكرز” المغاربة تسير في سياق “الدفاع عن المغرب”، ولو بطريقة يعتبرها الكثيرون غير شرعية. غير أن الواقع يؤكد أن النتائج التي أسفرت عنها هذه الاختراقات كان لها وقع إيجابي في العديد من الغارات.
ووصل الاختراق حد الدفاع عن العقيدة الدينية والتصدي لكل إساءة إليها، حيث قامت “قوات الردع” باختراق موقع الملهى الليلي المسمى “مكة” ضواحي أغيلاس الإسبانية، وطالب “الهاكرز” المغاربة بـ”تغيير اسم هذا الملهى الليلي والكف عن أسلوب الإهانة التي يستخدمونها”، كما جاء في رسالتهم التي وضعوها على صدر موقع الملهى بعد اختراقه، إذ باشر المسؤولون عن الملهى بتغيير الاسم.
بعد اختراق موقع أمير الكويت، قدمت وزارة الخارجية الكويتية اعتذارا رسميا عن “الإساءة غير المقصودة”، وقام وزير الإعلام المصري بمراجعة جميع مشاهد الأفلام التي تعرض على القنوات المصرية للتأكد من خلوها من أي إساءة لأي بلد عربي.