
يسرا طارق
منذ أن رحل المعرض الدولي للكتاب إلى الرباط، لأسباب لم يتفضل أحد بشرحها للعموم، فجائحة كورونا التي أجبرت المصالح الصحية على تشغيل فضاء المعرض الدولي كمستشفى احتياطي إنتهت، لكن المعرض لم يعد لمكانه الطبيعي. منذئذ وهو في تراجع مشهود لأسباب متعددة يمكن أن نذكر منها غياب بيئة حاضنة له عكس الدار البيضاء، حيث كان المعرض يقام بالقرب من مسجد الحسن الثاني بحمولته الرمزية والحضارية، وغير بعيد من البحر ووسط كم هائل من المطاعم الشعبية والراقية التي لا تبعد عن المعرض إلا بأمتار قليلة، فضلا عن أن معرض الدار البيضاء كان يوفر لرواده مرابض متسعة للسيارات، وتعطيه الكثافة السكانية للمدينة آلاف الأطفال والطلبة الذين يملؤون أروقته وممراته. هذا دون أن نذكر أن معرض الدار البيضاء مبني بينما معرض الرباط مرتجل في فضاء ضيق وخانق.
كل هذه الأسباب وغيرها هي جزء فقط من سلسلة نكبات المعرض الدولي للكتاب الذي لم يعد له توقيت قار، ولم يعد له مندوب يسهر طيلة السنة على إعداده، ولم تعد له تلك الهالة والجاذبية التي تجعل كُتابا ومفكرين مرموقين يأتون للمشاركة فيه. يكفي أن يعود الواحد لأرشيف الصور ليتأكد من أن الوجوه نفسها هي من تسيطر على البرمجة، وهي من تُرى هنا وهناك وكأن رحم الكتابة والإبداع عاقر، أعطى أسماء بعينها ونضب بعد ذلك. ويكفي أن يتجول الواحد في المعرض ليرى كيف أن المؤسسات والإدارات سيطرت على أحسن وأرفع الأروقة، وبعضها لا تربطه مع الكتاب وصناعته والترويج له إلا الخير والإحسان، ولو صرفت تلك الميزانيات، التي أعدت بها تلك الأروقة على الكتاب، لكان وقعها أحسن.
كان شعار كثير من دور النشر هذه السنة، خصوصا المصرية، أن الكتب لم تصل بعد، ومشهد الرفوف الفارغة يخدش صورة معرض يقدم نفسه بصفة الدولي، ولو لم تكن للمنظمين يد في ذلك.. تميز المعرض هذه السنة بحشر اللقاءات في مكان واحد، مما جعل أصوات بعضها تشوش على البعض الآخر. ولعل آخر ما يمكن أن يلفت النظر أن معرض الرباط للكتاب واصل سُنّة الاحتفاء بأناس لا علاقة لهم بالكتاب.
ينبغي أن يكون للمغرب معرض دولي حقيقي للكتاب، سواء أقيم في الرباط أو الدار البيضاء، وينبغي التفكير مستقبلا في إقامة معرض دولي آخر في مراكش أو أكادير أو طنجة..، فالمغرب شاسع جغرافيا، وهو ليس أقل من الإمارات العربية المتحدة التي تقام بها ثلاثة معارض دولية. ومعرض السنة القادمة ينبغي أن يبدأ الإعداد له من الآن لتلافي ذلك الكسل في البرمجة، وتلافي البهرجة التي يلجأ لها البعض في آخر لحظة للتغطية على ضعف المعرض.





