شوف تشوف

الرئيسية

مواطن بدرجة «صوت»

كلما آبت الانتخابات الجماعية إلا واستعرت حمى المنافسة بين الخصوم وذوي المصالح الانتخابية، من أجل توثيق عرى علاقاتهم بالأصوات، عفوا بالمواطنين من خلال تنفيذ «طلباتهم» أو «رغباتهم». تلك «الرغبات» التي يفترض أساسا أن تدخل في برامج عمل الجماعات الاعتيادي، لكنها تتحول إلى «ترف» و«عناية» تولي بها الجماعة ساكنة دون أخرى وتجري، عمليا، «مقايضتها»  بالصوت الانتخابي للمواطن.
يقع بيتي بالحي الأكثر كثافة سكانية- أي الأكثر أصواتا- في مدينة من اعرق المدن المغربية الصغيرة (وأوسخها). هو حي عادي، خاص بالفئة المتوسطة من الشعب، تمت تهيئته منذ ستينات القرن الماضي ليشمل منازل مستقلة بطوابق محددة. منذ ما ينيف عن عقد ونصف لم تتوقف الساكنة عن المطالبة برص أزقة الحي وتزفيتها ولم تتم العناية بهذا الطلب إلا قبيل الانتخابات، حيث انطلقت هذه الأشغال لينطلق معها مسلسل لا ينتهي من المشاكل المتعلقة بوتيرة العمل وبدوامه وبالأخطاء التي تشوبه، ويدفع ثمنها المواطن من وقته وأعصابه ومن جيبه أيضا.
فقد حدث أن آلة الحفر الميكانيكية المستعملة في الأشغال أصابت قناة ربط الماء ببيتي وكسرتها دقائق قبيل نهاية دوام العمل، فانهمر شلال المياه هادرا. غادر العمال إلى بيوتهم آمنين قبل أن أعود إلى البيت إثر اتصال من أحد الجيران، وكإجراء أولي قمت  بمهاتفة الشركة المدبرة لربط الماء أطلب تدخلهم على الأقل من أجل وقف مد البيت بالماء إلى أن يجري إصلاح الكسر وغاظني أنه في كل مرة كان مستقبل المكالمة «يطمئنني» أن خدمة المداومة في الطريق  إلينا وأنه لا ينبغي أن أنزعج لأن فاتورة الماء المهدور لن تكون باسمي!
طبعا لم يستطع الرجل ّأن يفهم أن الأهم ليس قيمة الفاتورة ولا من سيسددها، ولكن قيمة ما يضيع من ماء. أمضينا ساعة متحلقين حول شلال الماء المهدور إلى أن جاءت فرقة الإصلاح من شركة التدبير لتخبرنا أن طبيعة الكسر لا تدخل ضمن «مجال» الإصلاح المنوط بهم لأنها داخل البيت، وأن الجهة التي كسرته هي من يتحمل المسؤولية في تغيير القناة المكسورة، وأن علينا أن ننتظر عودة العمال ومطالبتهم بالإصلاح أو نتحمل تكاليف ذلك.
استعمل جار لي هاتفه لإجراء اتصالات «حاسمة» واستطاع في خمس دقائق أن يجعل مهندس الأشغال يتلقى أمرا بالعودة. هذا الأخير لم يفلح أمام ضغط الاتصالات في أن ينفض عن يديه غبار  التصليحات رغم محاولاته المستميتة للتنصل من المسؤولية، وعاد فريق العمل كاملا وتم بقدرة قادر توفير  الاحتياجات اللازمة للإصلاح، ولولا حلول الظلام لكانت العملية قد تمت في الحين. أمضينا ليلة بدون ماء، نقاتل الصراصير الغازية التي تسبب كسر القناة في هيجانها، وقد سمح لي ذلك بأن أقف للمرة الألف على أننا لسنا أكثر من مجرد أصوات، ولسنا أفضل حالا من تلك الصراصير المسكينة، فنحن ندفع ضرائبنا لحكومة لا تعترف بأخطائها ولا بأحقيتنا في خدمة هي أصلا واجب عليها. حكومة لا تعترف بنا بل بـ«علاقاتنا النافذة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى