شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرحوار

مولاي إبراهيم العثماني للاخبار:التعاضدية حققت منجزات تاريخية وأطلقت خدمات جديدة لمنخرطيها

مولاي إبراهيم العثماني رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية

في هذا الحوار، الذي أجرته معه جريدة “الأخبار”، يستعرض مولاي إبراهيم العثماني، رئيس المجلس الإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، أهم المنجزات التي تحققت في عهد الهياكل والأجهزة الحالية، بعد القرار الذي اتخذته السلطات بحل الأجهزة المسيرة السابقة، و تسجيل اختلالات مالية وإدارية خطيرة. ويكشف العثماني نسبة تنزيل المخطط الاستراتيجي الإصلاحي الخماسي، الممتد بين سنتي 2021 و2025، كما يتحدث عن إطلاق خدمات جديدة لفائدة المنخرطين وذوي حقوقهم، معلنا عدم ترشحه لولاية ثانية على رأس المجلس الإداري للتعاضدية، بعدما نجح في عملية إنقاذ التعاضدية العامة من الانزلاقات والإفلاس وإعادة المؤسسة إلى سكتها الطبيعية.

 

حاوره: محمد اليوبي

 

بداية، لقد وضعتم منذ تقلدكم تدبير شؤون التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، منذ سنة 2021، مخططا استراتيجيا إصلاحيا خماسيا (2021-2025) تضمن محاور عميقة وبرامج اجتماعية ضخمة. هل يمكن أن نعرف منكم مستوى ونسبة تنزيل هذه البرامج إلى غاية سنة 2024؟

أولا، أشكر لجريدتكم المحترمة على إتاحة هذه الفرصة لتسليط الضوء على حصيلة عمل التعاضدية العامة خلال الفترة 2021-2025، وهي حصيلة أعتبرها إيجابية ومليئة بالمنجزات، رغم الإكراهات والتحديات.

فمنذ تحملنا مسؤولية تدبير التعاضدية العامة في سنة 2021، اعتمدنا مقاربة شمولية وتشاركية تستند إلى الحكامة الجيدة وتعزيز الديمقراطية المنتخبة وتعديل الترسانة القانونية مع ترشيد النفقات وتنمية الموارد المالية هدفا في تكريس العدالة الاجتماعية والمجالية، وأيضا تحسين وتقريب وتنويع الخدمات المقدمة للمنخرطين وذوي حقوقهم.

وقد تمكنا، بفضل هذه الرؤية الاستراتيجية، من تحقيق عدة مكتسبات، أبرزها توسيع شبكة الخدمات الصحية والاجتماعية المقدمة على مستوى الوحدات المركزية والجهوية التابعة للتعاضدية العامة، حيث تجلى ذلك من خلال إحداث 5 أقطاب جهوية بكل من: العيون، طنجة، فاس، مراكش ووجدة، وافتتاح وكالات خدمات القرب بمختلف ربوع المملكة والبالغ عددها 33، فضلا عن تعزيز الخدمات المقدمة بالمراكز الصحية والاجتماعية وتجويد فضاءاتها بعد التهميش والإهمال الذي طال معظمها منذ إحداثها، بالإضافة إلى تعزيز رقمنة الخدمات، مما سهل الولوج إلى الخدمات الإدارية والصحية وخفض آجال معالجة الملفات.

وبذلك حافظنا على تعزيز منسوب الثقة مع منخرطينا، مما أدى إلى ارتفاع عدد المنخرطين الجدد حيث بلغ 43896 منخرطة ومنخرط جديد منذ مجيئنا إلى الآن، فضلا عن تحقيقنا لنسبة معالجة ملفات المرض بلغت حوالي 6,3 ملايين ملف مرض. وبلغة الأرقام مثلت هذه النسبة 24,4 في المائة من مجموع الملفات المعالجة خلال 19 سنة من عمر التأمين الإجباري عن المرض بالقطاع العام، مع تسجيل رقم استثنائي سنة 2024 بـ1.6 مليون ملف مرض، بقيمة مليار درهم في إطار التأمين الإجباري عن المرض، و126 مليون درهم في إطار التغطية التكميلية تم تحويلها لفائدة المنخرطين. أيضا خلال سنة 2024، قدمنا خدمات طبية عينية استفاد منها 69.800 منخرط من خدمات طب الأسنان و15 ألفا من خدمات الفحوصات الطبية و2.500 من خدمات مركز البصريات.

ومن أهم الإنجازات كذلك إصلاح هيكلي عميق وتاريخي للصندوق التكميلي عند الوفاة، حيث حصلنا على القرار الوزاري المشترك القاضي بالرفع من وعاء ونسبة اشتراكات الصندوق التكميلي عند الوفاة مقابل الرفع من الأداءات. وبذلك تم الرفع بأربعة أضعاف من منحة التقاعد إذ انتقلت من 6500 درهم إلى 35.000 درهم ومنحة الوفاة من 19700 درهم إلى 50000 درهم، إضافة إلى الرفع من منح تمدرس الأطفال الأيتام ومنح التعزية. وفي المقابل، قمنا بتصفية ملف ظل عالقا لأزيد من عقد من الزمن، تضرر منه الآلاف من منخرطينا وذلك من خلال قيامنا بتسوية الديون المترتبة عن التعاضدية العامة جراء العملية غير القانونية التي قامت بها الأجهزة المسيرة السابقة المنحلة منذ سنة 2012 الخاصة بتطبيق زيادة في الاشتراكات بدون أساس قانوني. هذا الملف الذي أرهق كاهل التعاضدية العامة، أوليناه عناية خاصة حيث قمنا وبتنسيق مع المؤسسات المعنية بإرجاع المبالغ المقتطعة تعسفا إلى أصحابها مباشرة عبر حساباتهم البنكية، حيث همت هذه التسوية 100 مؤسسة، وشملت 9246 منخرطة ومنخرطا، بأداء مبلغ 81.565.130.55 درهما، بنسبة إجمالية بلغت 70.25 في المائة. دون أن يؤثر ذلك سلبا على الأرصدة المالية للصندوق التكميلي عند الوفاة.

وفي ما يخص تنمية الموارد المالية للمؤسسة، فقد نجحنا وبعد مفاوضات طويلة وصعبة مع الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي من تحصيل مبلغ 80.142.841.26 درهما كديون عالقة في ذمة هذا الصندوق، مقابل الخدمات الصحية العينية التي تسديها التعاضدية العامة للمنخرطين داخل وحداتها الاجتماعية، ولازلنا الآن نعمل على تسوية الوضعية الإدارية والتنظيمية لبعض وحداتنا الاجتماعية والصحية، بتنسيق مع الوزارة الوصية، لأجل وضع حد نهائي للوضع المذكور وتفادي وقوعه مستقبلا، خاصة وأن بلادنا تتجه نحو توحيد تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في إطار هيئة مدبرة واحدة ألا وهي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .

كما عملنا على إعادة توظيف أرصدتنا المالية بمؤسسات مالية مقابل عوائد جد مهمة، حيث تمكنا بهذا الصدد من رفع مردودية هذه الأرصدة المالية بشكل لافت، حيث انتقلت من 6 ملايين درهم في السنة التي كنا نحصل عليها من صندوق الإيداع والتدبير إلى 45 مليون درهم سنويا من طرف مؤسسة مضمونة من طرف الدولة، وذلك بعد حصولنا على الترخيص بنقل هذه المدخرات من طرف هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS).

وركزنا خلال هذه المرحلة على تثمين الرأسمال البشري عبر تحسين وضعية المستخدمين داخل التعاضدية، باعتبارهم فاعلين أساسيين في تطوير أدائنا وتحسين جودة الخدمات، في هذا الإطار قمنا بإرجاع المستخدمين المطرودين ضدا على القانون إبان تسيير الأجهزة المسيرة السابقة وعددهم 20، وكذا تحسين الظروف المهنية لمستخدمي التعاضدية عبر مراجعة وضعياتهم الإدارية والمالية، بدون مغالاة أو استخدام لأي نوع من الشطط، وذلك من خلال الحرص الشديد على تطبيق القانون في ما يتعلق بحذف السلاليم 5 و7 واستفادة 134 مستخدمة ومستخدما من هذا الإجراء، وسد الخصاص المهول في الموارد البشرية مركزيا وجهويا والمعبر عنه من طرف كل الأقسام والمصالح الإدارية والاجتماعية للمؤسسة بإشراف مباشر من الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات ANAPEC ومكتب خارجي للتوظيفات، هدفا في تحقيق العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص. مع الحرص بطبيعة الحال على تنظيم برامج تكوينية مستمرة لضمان تطوير الكفاءات وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمنخرطين، ناهيك عن إطلاق نظام تحفيزي عادل وشفاف يعترف بمجهودات المستخدمين ويشجعهم على تقديم الأفضل، من خلال تعديل النظام الأساسي الموحد للمستخدمين وملء مناصب المسؤولية الشاغرة والرفع من التعويضات الممنوحة للمسؤولين المركزيين والجهويين.

هذا طبعا جزء بسيط من الإصلاحات التي قامت بها الأجهزة المسيرة الحالية في إطار تنزيل المخطط الإستراتيجي الخماسي 2021-2025، حيث نؤكد لكم أنه بالرغم من أنه لم تنصرم من المدة الولائية إلا نصفها، إلا أننا تمكنا ولله الحمد والمنة من تحقيق ما يفوق 90 في المائة من هذا المخطط، مما يزكي التزامنا المطلق بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا أمام المنخرطين والمندوبين المنتخبين والمستخدمين، الشيء الذي لا يدع مجالا للشك بأن التعاضدية العامة باتت فاعلا أساسيا في دعم ورش الحماية الاجتماعية، وقطبا أساسيا وقويا في مواصلة تطوير القطاع التعاضدي بالمغرب وفق رؤية مستقبلية واضحة.

 

 

في إطار الحكامة المالية وضبط التدبير المالي والإداري والقانوني، قمتم بإحداث جهاز للمراقبة القبلية داخل التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية؟ فما هي الدواعي والأهداف؟

بالتأكيد، أن ما عرفته التعاضدية العامة من اختلالات مالية وقانونية وإدارية أدت إلى تطبيق الفصل 26 من ظهير 1963 القاضي بحل الأجهزة المسيرة في مرتين متتاليتين، دفعنا إلى البحث عن الوسيلة القانونية لمنع تكرار هذا الوضع والحد من الانزلاقات التي قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، الشيء الذي حذا بنا في خطوة أولى إلى التعاقد مع مكتب خارجي للافتحاص والمواكبة، حيث تمكنا على إثر ذلك وخلال بداية مشوارنا التدبيري، من تحديد المشاكل والأوضاع المالية والإدارية والقانونية بالمؤسسة من خلال تشخيص دقيق، هذا التشخيص العميق هو الذي حذا بنا أيضا إلى إحداث جهاز للمراقبة القبلية الداخلية، وهو ما أعتبره في الحقيقة خطوة جوهرية في مسار الإصلاح والتحديث، يهدف إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الرشيدة، وضمان تدبير أكثر شفافية وفعالية للملفات ذات الطابع الإداري والمالي.

هذا الجهاز الذي تولى مهام المراقبة القبلية لجميع الملفات ذات الطابع الإداري والمالي قبل إحالتها على الرئاسة من أجل التوقيع، مكن من تحقيق مجموعة من الأهداف، من بينها التأكد من سلامة الإجراءات ومدى احترامها للمساطر القانونية والتنظيمية المعمول بها، و تفادي الأخطاء والاختلالات المحتملة التي قد تؤثر على التدبير المالي والإداري، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال التحقق الدقيق من الوثائق والمصادقة على مدى توافقها مع القوانين الجاري بها العمل، وضمان الانسجام بين القرارات الإدارية والمالية وأهداف التعاضدية، بما يخدم مصالح المنخرطين ويحافظ على التوازنات المالية للمؤسسة.

كما يأتي هذا القرار أيضاً في إطار تنفيذ المخطط الاستراتيجي الخماسي 2021-2025، الذي يروم إحداث تغيير جذري في طريقة اشتغال التعاضدية، عبر تقوية آليات المراقبة الداخلية، والرفع من مستوى التدقيق والتتبع قبل اتخاذ أي قرار إداري أو مالي.

إننا اليوم نؤمن بأن الشفافية والفعالية في التدبير لا يمكن تحقيقهما دون إرساء جهاز رقابي قوي، قادر على ضبط الإجراءات وتوجيهها نحو المسار الصحيح، وهو ما يعزز الثقة في التعاضدية، سواء من طرف المنخرطين أو الشركاء المؤسساتيين، ويدعم قدرتها على مواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية ببلادنا.

 

 

التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية انخرطت في استراتيجية جديدة لتعزيز وتقريب خدماتها عبر إحداث وكالات خدمات القرب والمديريات الجهوية والإقليمية بمختلف ربوع المملكة، وهو ما يطرح تساؤلات حول الإمكانيات اللوجستيكية لهذه العملية بما في ذلك الأكرية، وكذا حجم الاستثمارات المرصودة لهذه المشاريع. كيف تفسرون هذا التوجه؟

 

أولاً، الجميع يتفق على أن تعزيز وتقريب خدمات القرب هو خيار استراتيجي لا رجعة فيه، يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تقريب الإدارة من المواطن، ويساهم في التنزيل الفعلي لمضامين الورش الملكي الرائد المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق التغطية الصحية الأساسية، بما يضمن العدالة المجالية وتمكين جميع المنخرطين من الاستفادة من الخدمات التعاضدية بنفس الجودة والنجاعة، بغض النظر عن مكان تواجدهم.

إن القرار باللجوء إلى الأكرية ليس اعتباطيا، بل يستند إلى منطق التدبير الرشيد والاستثمار الذكي، فاقتناء العقارات عملية مكلفة جدا وتتطلب وقتا طويلا وإجراءات إدارية معقدة تتطلب استصدار التراخيص القانونية من سلطات الوصاية )وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة الاقتصاد والمالية( وهو ما قد يؤخر تنزيل استراتيجيتنا في تقريب الخدمات. بالمقابل، اعتماد الأكرية يمنح التعاضدية العامة مرونة أكبر في اختيار المواقع الإستراتيجية القريبة من المنخرطين، مع إمكانية التوسع والتكيف مع تطور الاحتياجات، خصوصا أن الطلب على الخدمات الإدارية والاجتماعية في تزايد مستمر، وأيضا جاء كحل مثالي لتعويض بعض مكاتب القرب التي تم إحداثها إبان عهد الأجهزة المسيرة السابقة المنحلة، وكان يشرف عليها موظفون من خارج أسلاك التعاضدية العامة، وما ترتب عن ذلك طبعا، من ضياع للملفات واستغلال المعطيات الشخصية التي من شأنها انتهاك خصوصيات المنخرطين، وبالتالي عدم التقيد بالمقتضيات الواردة بالقانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

أما بخصوص حجم الاستثمارات المرصودة، فإننا نتحدث عن مشروع وطني كبير يتم تنفيذه وفق رؤية مدروسة حسب مراحل تنزيلها، حيث تم تخصيص ميزانية تواكب الأولويات والرهانات المستقبلية، مع الحرص على ترشيد النفقات وضمان أعلى مستويات الفعالية. والأهم، أن هذه الاستثمارات ليست نفقات استهلاكية، بل هي استثمارات اجتماعية مستدامة تعود بالنفع المباشر على المنخرطين، عبر تسهيل الولوج للخدمات وتحسين جودتها، وتقليص العبء الجغرافي والإداري عليهم.

لذا، فإن خيار الأكرية هو قرار استراتيجي يواكب متطلبات المرونة والسرعة في الإنجاز، مع الحفاظ على الاستدامة المالية للتعاضدية، لأن الأولوية بالنسبة إلينا هي ضمان استفادة كل المنخرطين بغض النظر عن أماكن تواجدهم، وما يؤكد نجاعة سياسة القرب التي نهجتها الأجهزة المسيرة الحالية المتمثلة أساسا في وكالات خدمات القرب، هو تسجيل ومعالجة 174.650 ملف مرض على مستوى هذه الوحدات خلال سنة 2024.

 

 

 في إطار الدور الاجتماعي التضامني الإنساني الموكول لتعاضديات القطاع العام، قمتم خلال السنة المنصرمة بتنظيم قافلة طبية طافت كل الأقاليم الجنوبية، نسائلكم السيد الرئيس هل حققت هذه القافلة أهدافها؟ وما هي الرؤية المستخلصة من نتائجها؟

بادئ ذي بدء، أنتم تعرفون انتمائي جغرافيا كمواطن مغربي، فأنا ابن الأقاليم الجنوبية الصحراوية المغربية، وبقدر ما أعتز بهذا الانتماء بقدر ما أشعر بواجبي الوطني الذي يفرض علي المساهمة في العناية الصحية والاجتماعية بساكنة هذه الأقاليم التي عانت كثيرا خلال حقبة الاستعمار. أما في ما يخص تنظيم القوافل الطبية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية فهو لم يكن مجرد مبادرة عابرة، بل هو تجسيد عملي لالتزام التعاضدية العامة بمبادئ التضامن والتكافل، وتفعيل حقيقي لمفهوم العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الصحية، هذه القافلة الطبية متعددة التخصصات التي تم تنظيمها بعد الحصول على الترخيص القانوني من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبشراكة مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحير وبتعاون مع السلطات المحلية والمنتخبة وفعاليات المجتمع المدني، شملت الأقاليم التالية: طرفاية، العيون، بوجدور، السمارة، أخفنير، طانطان، كلميم وأخيرا سيدي إفني.

أهداف هذه القافلة الطبية متعددة أبرزها بطبيعة الحال هو تقريب الخدمات الصحية من المنخرطين وذوي حقوقهم ومنخرطي التعاضديات الشقيقة وقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمواطنين في وضعية هشاشة اجتماعية وصحية، خصوصا في المناطق النائية التي تعاني من نقص في البنيات الصحية، وكذا التخفيف من معاناة المرضى عبر توفير فحوصات متخصصة وعلاجات في عدة مجالات طبية حيوية مع تعزيز الوقاية والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى أمراض العيون والأسنان، علما أن أقرب مستشفى جامعي يستقبل مرضى الأقاليم الجنوبية كان بمراكش، ولكم أن تتخيلوا حجم المعاناة النفسية والجسدية والمالية التي يتكبدها هؤلاء المرضى مع طول المسافة الفاصلة بين هذه المناطق ومدينة مراكش، وهذا فقط قد يتاح لميسوري الحال.

أما من حيث النتائج، فقد حققت هذه القافلة أرقاما غير مسبوقة، حيث استفاد منها 28343 مواطنا ومواطنة في جهتي العيون الساقية الحمراء وكلميم واد نون، بمن فيهم 5005 من طب العيون و1200 من طب الأسنان و5279 من الكشف المبكر عن مرض السكري و1224 من طب الأطفال، مع تقديم مئات الفحوصات والاستشارات الطبية في تخصصات مختلفة، فضلا عن توزيع الأدوية مجانا على المرضى المحتاجين. دون أن ننسى كذلك نجاح العمليات الجراحية التي أجريت للحالات المستعجلة، خاصة في مجال طب العيون وإعذار الأطفال حيث أجريت 170 عملية لإزالة الجلالة و393 حالة ختان للأطفال، وجدير بالذكر أن هذه النتائج وهذه الأرقام تؤكد على الحاجة إلى مثل هذه المبادرات الإنسانية التضامنية التي نعتبرها في صلب المهام الموكولة لتعاضديات القطاع العام.

كما أن النجاح الكبير الذي عرفته هذه المبادرة، كان من أسباب تلقينا للعديد من الطلبات الواردة من عدة جهات مختلفة، وذلك بهدف الاستفادة من قوافل طبية مماثلة، مما جعلنا نعمل على دراسة هذا الأمر وإن أمكن القيام ببرمجة جولات جديدة تشمل مناطق أخرى من المملكة بعد الحصول على الترخيص المسبق من طرف السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، لأن التعاضدية العامة تؤمن بأن الحق في الصحة هو حق أساسي لكل مواطن، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو وضعيته الاجتماعية.

رغم هذه الإنجازات الكبرى، التي تم تحقيقها، فقد أعلنتم خلال الجمع العام الأخير عن تحديد مدتكم الانتدابية كرئيس للتعاضدية العامة، رغم أن لكم الحق في ولاية أخرى حسب التعديلات القانونية التي قمتم بها. ما صحة وجدية هذا الخبر؟ وإذا كان الأمر صحيحا فما هي الدوافع الحقيقية وراءه ونحن والرأي العام الوطني نلاحظ القفزة النوعية التي شهدتها التعاضدية العامة مؤخرا لا وطنيا ولا قاريا ولا دوليا؟

أشكركم أولا على هذا السؤال المهم والذي ظهرت أهميته من خلال التساؤلات والنقاش الكبير الذي يتداول داخل أوساط المندوبين المنتخبين والمنخرطين حول مدى صحته، ولكي أشفي غليل الجميع فإني أؤكد صحة هذا الخبر، فمباشرة بعد التعديلات المهمة التي تمت على مستوى الترسانة القانونية والتنظيمية للتعاضدية العامة سواء تلك المتعلقة بالعمليات الانتخابية لهياكل المؤسسة، أو تلك المرتبطة بالخدمات النقدية المقدمة للمنخرطين في إطار الصندوق التكميلي عند الوفاة، والأهم من ذلك أن عملية إنقاذ التعاضدية العامة من الانزلاقات والإفلاس قد تمت بحول الله وقوته وعادت المؤسسة إلى سكتها الطبيعية، فإنني أؤكد أن الدوافع وراء تصريحي بعدم ترشيحي لولاية ثانية مرتبطة بجوانب شخصية وموضوعية، فعلى المستوى الشخصي، أعتبر أن مسؤولية التعاضدية ليست امتيازا، بل هي تكليف ثقيل يتطلب جهدا وتفانيا مستمرين. فقيادة التعاضدية خلال هذه الفترة تطلبت مني عملا دؤوبا وجهدا مضنيا من أجل إرساء أسس متينة للإصلاح، وأعتقد أن كل مسؤول يأتي في ظرف معين يجب أن يحدد أهدافه ويسعى لتحقيقها في أفق زمني معقول، دون أن يقع في فخ الثقة الزائدة والتشبث بالكرسي والخلود في المنصب.

أما من الناحية الموضوعية، فإن تقييد الولاية الانتدابية ينسجم مع روح الديمقراطية الداخلية ويمنح الفرصة لكفاءات جديدة لمواصلة المسار وتعزيز المكتسبات. فالتجارب أثبتت أن تجديد النخب داخل المؤسسات الاجتماعية يعزز الابتكار ويضمن استمرارية الإصلاحات، خصوصا في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها القطاع التعاضدي ومنظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا.

في الحقيقة، ما يهمني هو تخليد بصمة اجتماعية ومنعطف تاريخي إصلاحي واضح للمساهمة في تحسين خدمات التعاضدية العامة وتعزيز ثقة المنخرطين فيها، وليس الاستمرار في المنصب لذاته. والأهم بالنسبة لي هو أن المؤسسة تستمر في التطور، وتبقى قادرة على الاستجابة لتطلعات منخرطيها وذوي حقوقهم، هذا القرار سيكون فرصة سانحة لإطار آخر سيقود القافلة ويتسلم المشعل، ومن الأكيد بأنه سيأتي بأفكار جديدة ورؤية حديثة ومتطورة هدفا في الحفاظ على المكتسبات التي راكمناها جميعا كأجهزة مسيرة ومندوبين منتخبين ومستخدمين على حد سواء.

 

إذن على ضوء ما جاء على لسانكم في هذا الشأن، هل فعلا تؤكدون للرأي العام الوطني أن هذا القرار بعدم الترشح لولاية ثانية قرار نهائي لا رجعة فيه؟

اطمئن، وكن على يقين بأن هذا القرار لم يجبرني عليه أحد بقدر ما كانت دوافعه هي التي ذكرتها، وهذا إن شاء الله قرار نهائي منبعه قناعة شخصية راسخة، كما أنه قرار استراتيجي لكونه جزءا من رؤية إصلاحية متطورة تهدف بالأساس إلى نشر ثقافة جديدة في ميدان القطاع التعاضدي تتمثل في ترسيخ مبدأ التداول الديمقراطي على المسؤولية داخل التعاضدية العامة. ولطالما كنت مؤمنا بأن المؤسسات القوية هي التي تبنى على الاستمرارية في الأداء وليس على استمرار الأشخاص. لهذا السبب، جاء تحديد الولاية الانتدابية للرئيس كجزء من الإصلاحات الجوهرية التي باشرناها، والتي تهدف إلى تعزيز الحكامة المستمرة والدائمة والجيدة.

 

في إطار التحولات الكبرى التي تعرفها منظومة الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية ببلادنا، ما هو موقفكم من مشروع القانون 54.23 المتعلق بتغيير القانون 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض؟

مشروع القانون 54.23 المعدل والمتمم للقانون 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، يطرح نقاشا واسعا داخل الأوساط التعاضدية والاجتماعية، بالنظر إلى تداعياته المباشرة على مستقبل التعاضد في المغرب. موقفنا من هذا المشروع عبرنا عنه في عدة لقاءات مباشرة سواء في المنتدى الدولي التعاضدي الخامس أو الجمع العام 77 أو خلال اللقاء المنعقد بين تعاضديات القطاع العام والسيد المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمقر المركب الإداري المركزي للتعاضدية العامة، مفاده بأن التعاضديات ليست مجرد مؤسسات وسيطة بين المؤمنين وصناديق التأمين الصحي، بل هي آلية لضمان الحماية الاجتماعية المتضامنة. وأي تعديل قانوني يجب أن يراعي هذه الخصوصية، حتى لا يتم إفراغ العمل التعاضدي من مضمونه الإنساني والاجتماعي. هذا المشروع ينقل تدبير التأمين الإجباري عن المرض من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، مما يثير تساؤلات حول الدور الذي ستلعبه التعاضديات مستقبلا ومآل الاتفاقيات المبرمة معها في إطار تدبير ملفات المرض وأداءات الثالث المؤدي. وهنا نؤكد على ضرورة ضمان استمرارية أدوار التعاضديات في تدبير خدماتها التكميلية وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية.

نحن بطبيعة الحال لسنا ضد الإصلاحات ولسنا ضد قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية خاصة المادة 15 منه، ومشروع القانون 54.23، الذي أثار نقاشاً واسعا ومستفيضاً حول مستقبل التعاضديات، ودورها في منظومة الحماية الاجتماعية، خاصة في صيغته الأولى، والتي أثارت في بعض جوانبها، قلقاً مشروعاً، تمحور أساسا حول الإجهاز على مكتسبات المنخرطين والمستخدمين على السواء، وأيضا على دور التعاضديات كفاعل محوري في التغطية الصحية الأساسية والتكميلية. الشيء الذي دفع تعاضديات القطاع العام إلى إحداث تنسيقية، بهدف إسماع صوتها، وإدخال تعديلات ومقترحات على الصيغة الأولى لهذا المشروع، والتي كانت ستؤدي لا قدر الله، إلى وأد العمل التعاضدي ببلادنا. وهو الشيء الذي استجابت إليه الحكومة في عرضها للصيغة الجديدة لهذا المشروع، رغم أن هناك بعض اللبس خاصة في ما يتعلق بالاتفاقيات المبرمة مع التعاضديات.

خلاصة القول، إننا نؤكد بعد أن أدلينا بملاحظاتنا بخصوص الصيغة الأولى لمشروع القانون 54.23 أننا مع أي إصلاح فعلي يخدم مصلحة المنخرطين ويضمن استمرارية التعاضد كركيزة أساسية في منظومة الحماية الاجتماعية، وسنواصل الترافع لضمان أن يكون هذا الإصلاح متوازنا وعادلا ويحترم مبدأ التكافل والتضامن الذي تأسست بشأنه التعاضديات منذ سنة 1919.

 

في ظل التحديات والرهانات التي تفرضها الإصلاحات التشريعية على مستوى منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا، ما رأيكم في الدعوة لبناء نموذج جديد للتعاضد؟

في ظل التحولات العميقة التي يشهدها قطاع الحماية الاجتماعية، أصبح من الضروري التفكير في نموذج تعاضدي جديد يكون أكثر فاعلية واستدامة، ويتماشى مع روح الأوراش الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وعلى رأسها تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة. وفي نظري لكي يكون هذا النموذج التعاضدي الجديد قويا ومتينا يضع المنخرط في صلب اهتماماته وخدمته والاستجابة لمطالبه الصحية والاجتماعية يجب تأسيسه على المرتكزات الأساسية التالية:

أولا: يجب أن يكون النموذج الجديد قائما على التكامل بين التعاضديات وباقي الفاعلين في الحماية الاجتماعية، مع الحفاظ على خصوصية التعاضد كمبدأ تضامني وليس مجرد خدمة تجارية. فنجاح أي إصلاح يتطلب كما قلنا تمكين التعاضديات من لعب أدوارها التاريخية والاجتماعية بدل تهميشها أو تقليص صلاحياتها.

ثانيا: وجب علينا تحديث الحكامة والرفع من النجاعة التدبيرية عبر الاعتماد على الرقمنة وتعزيز الآليات الرقابية لضمان التدبير الأمثل للموارد.

ثالثا: هناك مرتكز أساسي آخر يدخل في صلب هذا النموذج الجديد وهو خلق مراكز طبية تابعة للتعاضدية العامة (مختبرات التحاليل، مراكز الفحص بالأشعة، مراكز تصفية الدم، مستشفيات يومية، دور العجزة، روض الأطفال….).مع تطوير شراكات حقيقية في إطار رابح-رابح مع القطاع العام والخاص لتوسيع سلة الخدمات الصحية المقدمة للمنخرطين، خاصة الفئات الهشة والاعتناء بذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.

ختاما، نحن أمام لحظة حاسمة تفرض علينا جميعا إعادة التفكير في النموذج التعاضدي التقليدي، ليس فقط للحفاظ على مكتسبات الماضي والحاضر، بل لبناء ثقافة تعاضدية حديثة ومبتكرة تستجيب لتطلعات المنخرطين وتساهم بفعالية في تحقيق العدالة الصحية والاجتماعية.

 

دائما في إطار الحديث عن النموذج التعاضدي الجديد، لقد تداولتم ضمن جدول أعمال الجمع العام الأخير بشأن الدراسة الإكتوارية التي أنجزتها تعاضديتكم بهدف إحداث خدمات أخرى على مستوى جميع التراب الوطني، فما هي نجاعة والقيمة المضافة لهذه الخدمات؟ وما هي؟

دائما في إطار التنزيل القوي والمتين والعميق للمخطط الاستراتيجي الخماسي 2021-2025، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الهادفة إلى الاهتمام بالمنظومة الصحية وتطويرها، وتماشيا مع الورش الملكي الرائد المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين، ونزولا عند رغبة ومطالب منخرطينا وذوي حقوقهم، فقد صادق الجمع العام الأخير المنظم بأكادير على مجموعة من المشاريع الطموحة التي ستعزز المنظومة الصحية التعاضدية.

ومن بين أبرز هذه الخدمات، إحداث مختبرات للتحاليل الطبية داخل وحداتنا الصحية، مما سيمكن المنخرطين من الاستفادة من خدمات ذات جودة عالية وبأثمنة مناسبة، وإنشاء مراكز للفحص بالأشعة والتصوير الطبي، هذا المشروع سيمكن المنخرطين أيضا من ولوج هذه الخدمات بأسعار تفضيلية مع تقليص آجال المواعيد الطبية، وإحداث مراكز تصفية الدم لمرضى القصور الكلوي وذلك استجابة للطلب المتزايد من طرف المنخرطين المصابين بأمراض الكلى، خصوصاً في المناطق التي تعرف نقصا في هذا النوع من الخدمات الصحية، مما سيخفف العبء على المرضى ويوفر لهم الرعاية القريبة والمنتظمة، وكذلك إنشاء مستشفيات يومية بهدف تحسين جودة العلاجات وتخفيف الضغط على المستشفيات العمومية، عبر إجراء فحوصات وعلاجات متقدمة دون الحاجة إلى مبيت المرضى، مما سيمكن من تقليص التكاليف وضمان استمرارية العلاج.

في المجمل، هذه المشاريع تعكس التزامنا بالرفع من جودة الخدمات الصحية وتقريبها من المنخرطين، وفق رؤية شمولية تجعل من التعاضدية العامة فاعلا رئيسيا في تعزيز التغطية الصحية الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والدراسة الإكتوارية التي عرضناها على الجمع العام ستمكننا من اتخاذ القرارات المناسبة بشأن التنزيل السليم والدائم لهذه المشاريع الاجتماعية فضلا عن خدمات أخرى كدور العجزة وروض الأطفال وغيرها من الخدمات التي يسمح لنا القانون بإحداثها.

 

أبرمت التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية عدة اتفاقيات شراكة مع هيئات تعاضدية أخرى دولية وذلك في ظل زعامتها لمنظمتين عتيدتين الاتحاد الإفريقي للتعاضد والاتحاد العالمي للتعاضد، فما هي القيمة المضافة لهذه الشراكات؟

لقد عملنا خلال السنوات الأخيرة على توطيد الشراكات مع مختلف الهيئات التعاضدية الدولية، سواء من خلال الاتحاد الإفريقي للتعاضد أو الاتحاد العالمي للتعاضد، بهدف تبادل الخبرات وتعزيز القدرات التدبيرية وتحسين الخدمات المقدمة لمنخرطينا. في هذا الإطار عملنا على تبادل التجارب والممارسات الجيدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي للتعاضد، خصوصاً في ما يتعلق بتوسيع التغطية الصحية الأساسية وإدماج الفئات الهشة في المنظومة الصحية. كما ساهمنا في إعداد خارطة طريق لتعزيز التعاضد في إفريقيا، والتي تهدف إلى تطوير منظومات صحية أكثر استدامة وعدالة. ومن أجل ذلك قمنا بإحداث 3 مكاتب جهوية بكل من دولة الكوت الديفوار وتونس والكاميرون، اقتباسا من التجربة المغربية الرائدة في هذا المجال خاصة الورش الملكي الرائد بتعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة.

أيضا ومن خلال رئاستنا للاتحاد العالمي للتعاضد، استطعنا فتح آفاق جديدة للتعاون مع مؤسسات دولية كبرى، والوقوف على تجارب دول رائدة في الحماية الاجتماعية والصحة، مثل البرتغال والأرجنتين وفرنسا، وهذا ما تجلى خلال المنتدى الخامس المنظم على هامش الجمع العام 77 المنظم بمدينة أكادير.

في المجمل، انفتاحنا على الشراكات الإفريقية والدولية لم يكن مجرد خيار، بل ضرورة لتعزيز ريادة التعاضدية العامة وتعزيز الدبلوماسية المدنية الموازية وأيضا لمواكبة التحولات الكبرى في مجال التعاضد والحماية الاجتماعية، بما يخدم مصالح المنخرطين ويدعم الريادة والإشعاع للمؤسسة.

 

 

 لقد أبرمتم أخيرا اتفاقية شراكة مع مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، ما مدى انعكاس هذه الاتفاقية على الخدمات الصحية المقدمة لمنخرطي التعاضدية العامة وذوي حقوقهم؟

 

طبعا، لقد أبرمنا اتفاقية شراكة مع مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة التي تأتي في إطار استراتيجية التعاضدية العامة لتعزيز الولوج العادل إلى الخدمات الصحية ذات الجودة العالية لفائدة المنخرطين وذوي حقوقهم، تماشيا مع الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية. هذه المؤسسة التي تشرف على إدارة مستشفيات جامعية طبية رائدة في المغرب، حيث وبموجب هذه الشراكة المهمة سيتمكن منخرطونا وذوو حقوقهم من الاستفادة من خدمات طبية متخصصة تشمل الفحوصات، العلاجات، العمليات الجراحية، والتكفل بالحالات المستعجلة وفق تعريفة تفضيلية.

وعن سؤالك ما هي القيمة المضافة لهذه الشراكة على المنخرطين ومدى انعكاسها عليهم، فيمكن أن نجمل لك باختصار الامتيازات التي سيستفيد منها المنخرط وذوو حقوقه، وهي تطبيق التعريفة الوطنية المرجعية TNR، وإعفاء المنخرط من أي تسبيق أو شيك ضمانة مقابل الاستفادة من العلاجات، التزام المؤسسة بإخبار المنخرط بجميع العلاجات والأدوية غير المشمولة بالتغطية الصحية قبل الشروع في تقديم هذه العلاجات.

ومن الامتيازات كذلك، إحداث شباك خاص تابع للتعاضدية العامة قصد استقبال المنخرط وذوي حقوقه وتسهيل الولوج للخدمات الطبية والعلاجية من طرف مستخدم تابع للتعاضدية العامة، تعهد المؤسسة بتقديم العلاجات الاستعجالية لفائدة المنخرط دون أي شروط مسبقة على أساس استكمال الإجراءات الإدارية بعد الاستفادة من هذه العلاجات، والقيام بحملات توعوية حول بعض الأمراض بتنسيق مع التعاضدية العامة، ومشاركة ومساهمة المؤسسة في القوافل الطبية المنظمة من طرف التعاضدية العامة، والتزام المؤسسة بتنظيم دورات تكوينية لفائدة الأطر الطبية وشبه الطبية والإدارية التابعة للتعاضدية العامة.

وتجدر الإشارة إلى أن التعاضدية العامة مستمرة في البحث عن إبرام اتفاقيات شراكة مع مؤسسات صحية أخرى سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص شريطة أن تنعكس إيجابا على الخدمات الصحية المقدمة لمنخرطينا وذوي حقوقهم مع الأخذ بعين الاعتبار وضعيتهم المالية.

 

في سياق النقاش الدائر حول مشروع القانون 54.23، ما هو تصوركم الحقيقي لمستقبل التعاضد وتعاضديات القطاع العام في المغرب؟

يجمع الكل على أن التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية حققت خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية تمثلت في مجموعة من الإنجازات الهامة، سواء من حيث توسيع وتنويع وتقريب وتجويد الخدمات الصحية والاجتماعية لفائدة المنخرطين وذوي الحقوق، ولا من خلال تعزيز موقعها وطنيا وقاريا ودوليا في مجال التعاضد. إلا أنه وبالرغم من هذه المكتسبات فهناك تحديات كبرى لا زالت تواجهنا، وتستلزم منا إعمال مقاربة استباقية وتشاركية وتنسيقا مع مختلف الفاعلين في القطاع لضمان استمرارية الخدمات وتحقيق التحول المنشود في التعاضد. الشيء الذي أذكى النقاش الدائر حول مشروع القانون 54.23 الذي يسعى إلى تعديل القانون 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، خصوصا ما يتعلق بمصير التعاضديات ودورها في ظل التغيرات الجديدة التي يعرفها قطاع الحماية الاجتماعية. حيث نؤكد مجددا بأن أي إصلاح يجب أن يحافظ على الخصوصية التعاضدية باعتبارها مكونا أساسيا في المنظومة الصحية والتضامنية، وفي المقابل يجب على تعاضديات القطاع العام أن تقوم بما يستلزم من أجل تطوير القطاع التعاضدي وتعزيز التغطية التكميلية، وأن تنخرط في إحداث مشاريع اجتماعية في إطار تنويع العرض الصحي التعاضدي والنهوض بالمنظومة الصحية ببلادنا.

أيضا لا بد من الإشارة إلى أن مواكبة الدولة لهذا القطاع الحيوي مسألة أساسية ومحورية في أي إصلاح أو تعديل تشريعي مستقبلي، وأرى أنه أصبح من الضروري اليوم إخراج مدونة التعاضد كإطار قانوني شامل، يواكب التحولات التي يشهدها القطاع، ويضمن تقنين وتعزيز دور التعاضديات كمؤسسات غير ربحية تقوم على مبادئ التضامن والتكافل، هذه المدونة التي ينبغي أن تحدد بشكل واضح صلاحيات التعاضديات، آليات الحكامة، مصادر التمويل، والمساطر القانونية المتعلقة بتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية، بما يضمن الشفافية والاستدامة المالية.

نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية تتطلب منا جميعا العمل بروح المسؤولية والانفتاح على كل الاقتراحات البناءة، من أجل ضمان مستقبل قوي ومستدام للتعاضديات. ويشكل إحداث وإحياء فدرالية تعاضديات القطاع العام وإصدار مدونة التعاضد فرصتين حقيقيتين لصيانة وتقنين هذا القطاع وتعزيز دوره كمكون أساسي في ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة، بما يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية ويكرس العدالة الصحية لجميع المواطنين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى