شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفنن- النسوة

نساء ونساء

كان تصميم المنازل المغربية قديما يعكس البيئة الدينية والفكرية للمجتمع، إذ يتم تقسيم المنزل أو «الرياض» إلى مجموعة من الغرف والمرافق التي تتميز بقاسم مشترك وهو الخصوصية. كان الغرض من هذا التصميم الهندسي الفريد هو توفير محيط آمن لأهل البيت من النساء والفتيات ومنحهن حرية وأريحية في معيشهن اليومي.

مقالات ذات صلة

لازالت ذاكرة اللهجة المغربية الأصيلة تحتفظ ببعض المصطلحات التي تصف أهمية الخصوصية في البيت المغربي القديم، «السدة»، «البيت الفوقاني»، «البيت التحتاني»، «الدويرية» إلخ.. أسماء لمساحات خاصة حيث تستطيع «لالة غيثة» ارتداء «التشامير» الحريري الخفيف، أثناء تقطيرها لماء الورد ليلة الجمعة. لم يقتصر مفهوم الحجاب آنذاك على الملبس الخارجي للنساء في الفضاءات العامة، بل تجاوز الأمر ذلك إلى ممارسة سلطوية شرعية تمنح الرجل الحق في حجب نسائه عن العالم. غير أن التحولات الفكرية والحقوقية، التي شهدها المجتمع المغربي في النصف الثاني من القرن العشرين، ساهمت في اندثار «الرياض» كصرح أنثروبولوجي يرمز إلى تعلق الإنسان المغربي بالأحكام الدينية والقوانين العرفية. إذ تحول «المقعد» و«السطوان» و«الكشينة»، إلى open concept  على الطراز الأمريكي. «وليتي تكون جالس فالصالة فأمان الله، حتى تبانلك الكوكوط كتصفر قبالتك فالأميريكان كيتشن». بل تم هدم نصف رياضات المدن العتيقة، لتنبت مكانها عمارات السكن الاقتصادي. حيث تجد شققا كرطونية لا تفتقر للخصوصية فحسب، بل ربما تستطيع قراءة أفكار جارك عبر جدرانها الورقية الرفيعة.

لقد دفع اندثار المساحات الأنثوية الخاصة داخل البيوت، النساء إلى الاستنجاد بالواقع الافتراضي، عبر إنشاء مجموعات فيسبوكية، مثلا، للتعبير بأريحية عن ما يجول بخاطر المرأة المغربية. لقد تحولت طقوس «العشية»، حيث كانت نسوة الحي يجتمعن فالدار الكبيرة حول «صينية أتاي والفقيقصات والقراشل»، للثرثرة والرقص والغناء وتبادل الأسرار والنصائح والفضائح. تحول هذا الطقس الأنثوي المقدس إلى رسائل ومنشورات و«لايفات» افتراضية.

من المتعارف عليه أن الخصوصية والحميمية هي احتياج نسائي ملح، حيث تشعر المرأة بالحاجة إلى نوع من أنواع التخفي لممارسة أنوثتها بحرية، في عالم يخط الرجل قوانينه وأحكامه. لقد أصبحت المجموعات الافتراضية مرآة تعكس صراعات وجدالات الواقع المعيش، إذ تختلف اهتمامات النساء المغربيات على «الميتافيرس». حيث نجد مجموعات «الفيمنست» المتعصبات اللواتي يرفعن شعارات كراهية الرجل وينشرن خطابات معادية للباطرياركا، ويحرضن النساء على التمرد على السلطة الأبوية. ثم نجد، في الطرف المقابل من الصراع، مجموعات تقدس الأمومة والزواج وتكرس مفهوم «عبادة العكَوزة»، تقدم فيها السيدات وسائل وحيلا لاستمالة الزوج وكسب رضا والدته. ويرفعن شعار «كوزينتك»، «والراجل مايتعابش». بينما تلطف مجموعات «الموظفات» أجواء الحرب الشرسة بين الفصائل النسوية المتطرفة. ترفع الموظفات شعارات فيمينستية «لايت»، من قبيل «قرايتك وخدمتك هي الأولى»، ثم «العمارية وسبيطار الولادة لاحقا». نجد أيضا مجموعات تناقش مواضيع اجتماعية ونفسية حساسة. وهي مجموعات الأسرار الزوجية والاستشارات الجنسية، حيث تمنح هذه الفضاءات الافتراضية السرية للنساء حرية الحديث عن العديد من الطابوهات المسكوت عنها. إذ تتطرق العضوات إلى «حريرة» المشاكل الزوجية، من تعنيف لفظي وجسدي ومالي. تتبادل النسوة خيبات أمل الفراش الزوجي، ثم ينتقلن للحديث عن صعوبات الليلة الأولى وما صاحبها من ارتباك. يمكننا اعتبار هذا النوع من المجموعات الفيسبوكية بمثابة حقل ألغام لا يمكن السير فيه بأمان إلا عبر ارتداء أسماء مستعارة.

إن انتشار المجموعات السرية دليل على الرغبة الملحة في التحرر من الأحكام المسبقة التي قد نتعرض لها، إذا قررنا البوح بخصوصياتنا والتعبير عن مخاوفنا بوجه مكشوف.. «السترة مزيانة فمجتمع عزيز عليه الشوهة». يقابلنا تجمع نسائي من نوع آخر، يشمل فئة عمرية معينة. إذ تنتشر مجموعات SOS  بين الفتيات والنساء الشابات. وهي مجموعات بنفس استخباراتي بحت. حيث يتم تبادل صور وأسماء العديد من الرجال، للتأكد من هويتهم وصدق نواياهم. غير أن هذا النوع من المنشورات لا يخلو من طرائف مأساوية، قد تكتشف الزوجة أن زوجها وأب أطفالها الخمسة تقدم لخطبة فتاة عشرينية، بعد أن أقنعها أنه ظل عازبا طوال حياته في انتظار الحب الحقيقي.

لا يمكننا الحديث عن «تقرقيب الناب» الأنثوي على «السوشل ميديا» دون التطرق إلى مجموعات زواج الأحباء، وما يليه من طلاق للشقاق، ثم التذمر من القوانين المجحفة في حق الأطفال والنساء، وتبادل التجارب حول الطرق الفعالة في استخلاص الجزية من الآباء. لن نغفل، أيضا، مجموعات جلب الحبيب واستعباد الخطيب، أو تسمين الخدود وتنحيف الزنود، بل إن الويب المغربي بلغ «سطاج الوحش» حيث أصبحنا نشاهد مجموعات فيسبوكية ضخمة، مخصصة لزواج المهندسين بالمهندسات، والأطباء بالطبيبات والمساكين بالمسكينات.

لقد نقل المغاربة صراعاتهم الاجتماعية وانهزاماتهم الفكرية من المقاهي والطاكسيات والغرف الخاصة إلى فضاء «الميتافيرس» الغامض، حيث لا «عين شافت لا قلب وجع». لم يعد علماء النفس والاجتماع في حاجة إلى دفع مئات الدولارات من أجل دورات تكوينية في الخارج. إذ إن دورة شرفية قصيرة بين المجموعات الفيسبوكية النسائية، مثلا، كفيلة بإعطائهم نظرة علمية معمقة عن تخبط العقلية المغربية المعاصرة. يجوز لنا القول إن «كَروبات» الطبخ، والتبييض والثورة على الباطرياركا هي عبارة عن حقول دلالية ومعرفية غنية، تلهم «العلماء» من طينة «الدوك صاماد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى