شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

هكذا عظّم ملوك المغرب المسجد النبوي في أواخر رمضان

اعتنوا بالعُمرة قبل قرون وبعثوا رسائل مع الوزراء والعلماء

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

«من أشهر المؤرخين الذين وثقوا لـ«الركب المغربي»، نجد المؤرخ المنوني. وقد أشار الباحث المغربي علي لغزيوي إلى معطيات مثيرة توصل إليها المنوني، انطلاقا من نصوص رحلات الحجاج المغاربة، العلماء على وجه الخصوص، قبل الوزراء. إذ إن المنتمين إلى الفئتين عكفوا على كتابة مشاهداتهم في الطريق إلى الحج، ووثقوا لهذه الرحلات، أو ناب عنهم كُتابهم في هذا الأمر.

حمل الركب المغربي إلى الحج عدة ألقاب ومسميات، وأغلبها نُسبت إلى المناطق التي كانت تنطلق منها، مثل: «الركب المراكشي»، و«الركب الفاسي»، «الركب السجلماسي»، وكلها مدونة في عدد من المخطوطات».

 

++++++++++++++++++++++

 

سلاطين المغرب حرصوا على إحياء رمضان في مكة

جرت عادة بعض العلماء المغاربة الأولين، أن يحملوا رسائل وتوصيات من المغرب إلى مكة، قبل انطلاق موسم الحج.

وكان هذا الحرص يتمثل في أن يصل الوفد المغربي المكلف، مع شهر رمضان، لأداء العمرة في الشهر الفضيل، وإحياء العشر الأواخر من رمضان في المسجد النبوي، على وجه الخصوص.

حتى أن بعض السلاطين المغاربة، خصوصا المولى سليمان وقبله المولى إسماعيل، حرصا على أن تصل بعض الهدايا والهبات، منهما شخصيا، وتوزع في العشر الأواخر من رمضان، في المدينة.

وكان يُعهد بتنفيذ هذه المهام إلى قضاة وعلماء مغاربة، وأحيانا وزراء، مشهود لهم بالأمانة. حتى أن السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام الذي حكم المغرب منذ سنة 1822 إلى سنة 1859، كان قد جعل وزيرا له يُقسم أمامه قبل خروجه في رحلة إلى مكة، أن يختم القرآن الكريم في العشر الأواخر من رمضان، في الروضة الشريفة، ويوزع المال صدقة باسم السلطان، دون أن يخبر أحدا، وأن يبقى الأمر سرا بينه وبين السلطان. ولم يُفش هذا السر إلا بعد رحيل المولى عبد الرحمن، وذُكرت القصة في بعض المراجع التي تطرقت إلى أثره ومناقبه.

توارث سلاطين الدولة العلوية هذه العادة السلطانية، ودأبوا على إكرام الحجاج من مختلف الجنسيات، بتوزيع هبات على الحجاج، والعناية بالمغاربة الذين استقروا نهائيا في مكة. حتى أن السلطان مولاي إسماعيل كان قد بعث في أحد مواسم الحج، قبل وفاته سنة 1727، إلى مجموعة من الفاسيين الذين استقروا نهائيا في مكة والمدينة، وأوصاهم في رسالة تاريخية بتشريف بلاد المغرب والعناية بالحجاج.

الملك الراحل الحسن الثاني، سنة 1963، حرص على إحياء هذا التقليد السلطاني، وطلب أن يتم إعداد لائحة بأسماء المواطنين المغاربة المقيمين في مكة والمدينة، بعد أن ذكر له مستشاروه، ومنهم امحمد باحنيني، أنه يعرف بعض الشخصيات المغربية التي استقرت في مكة والمدينة، منذ عهد السلطان مولاي يوسف.

إذ إن الحماية الفرنسية سنة 1912، كانت محطة تاريخية قرر خلالها عدد من العلماء أن يغادروا المغرب في اتجاه الشرق. وهو ما يؤكده العالم المغربي عبد الله كنون، والذي قال في مذكراته إن بعض علماء فاس لم يتقبلوا أن يدخل الفرنسيون إلى المدينة ويسيروا شؤونها، فقرروا أن يهاجروا إلى المشرق، وكان والد عبد الله كنون واحدا من هؤلاء العلماء، لكنه لم يوفق لكي يلتحق بهم، وبقي في طنجة التي اختارها مستقرا له منذ تلك الفترة.

عندما علم الملك الراحل الحسن الثاني بموضوع هؤلاء المغاربة الذين رحلوا إلى مكة في عهد جده مولاي يوسف، أعطى تعليماته للعناية بهم وتفقد أحوالهم ومعرفة من بقي منهم ومن توفي، والعمل على إحياء الاحتفاء المغربي بالمولد النبوي، والعشر الأواخر من رمضان، في المسجد النبوي، أو المساجد القريبة من مقر سكنى هذه الجالية المغربية الأولى في بلاد الحج.

 

عُمرة محمد الخامس.. مناسبة لمصالحة العرب الأشقاء

في العام 1960 خلق الملك الراحل محمد الخامس الحدث في الشرق، بامتياز. إذ إن ملك المملكة العربية السعودية وقتها، الملك سعود بن عبد العزيز، خص الملك الراحل محمد الخامس باستقبال تاريخي، وكتبت الصحف في الشرق عن الزيارة التاريخية للملك محمد الخامس إلى المملكة العربية السعودية.

أدى الملك الراحل مناسك العمرة، وكان معه وفد من الوزراء والمرافقين المغاربة، ومنهم الجنرال أوفقير الذي كان مرافقا للملك، وبعض العلماء ممن كانوا يحظون بتقدير خاص لدى الملك محمد الخامس، وأبرزهم باحنيني الأخ الأكبر، ونخبة من العلماء الذين تعود علاقة الملك الراحل بهم إلى أيام شبابه الأولى في مدينتي مكناس وفاس.

السياق الذي حل فيه الملك الراحل محمد الخامس في المملكة العربية السعودية كان يسيطر عليه التوتر، خصوصا أن مصر أيام جمال عبد الناصر كانت على صفيح ساخن في علاقتها بأبرز الدول العربية، مثل سوريا والعراق، وسيما السودان.

بعيدا عن السياسة، كانت زيارة الملك الراحل محمد الخامس إلى مكة، حافلة بالدلالات. ومن ذكريات هذه الزيارة، أن بعض المعتمرين والحجاج المغاربة التقوا الملك الراحل، أثناء استعداده للدخول إلى المسجد، في لحظة إنسانية، وتوقف لكي يطمئن على أحوالهم بنفسه، وتفقد وضعهم والظروف التي يؤدون فيها مناسك العمرة، استعدادا لأداء فريضة الحج.

صورة الملك الراحل محمد الخامس، بالقرب من الكعبة المشرفة، لم تكن تقل أهمية عن صورته أثناء زيارته التاريخية إلى القدس، والتي كانت بدورها زيارة تاريخية، أثارت تفاعل الصحافة الدولية، وليس العربية فقط.

فقد كان وصول الملك الراحل إلى الشرق، في سنة 1960 دائما، حدثا غطته وسائل الإعلام والصحف الدولية، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وأثير وقتها تأثير المغرب في المشرق.

كان بمعية الملك الراحل محمد الخامس، الملك الأردني. إذ إن الملك دخل إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأردن، ثم انتقل إلى القدس وزار المسجد الأقصى، وهو ما جعل الملك يحظى بتقدير كبير في الشرق، خصوصا وأن الزيارة جاءت في سياق محموم في منطقة الشرق الأوسط على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي، وجِدة نكبة 1948 في ذلك الوقت.

بالعودة إلى زيارة الملك الراحل محمد الخامس إلى مكة والمدينة، فقد كان الملك سعود قد أعطى تعليماته لكي يبقى المسجد النبوي رهن إشارة الملك الراحل محمد الخامس، وأن يزور الروضة الشريفة متى شاء.

وهذا التقليد، بقي مستمرا مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي لم يزر المسجد النبوي أثناء العمرة فحسب، بل زاره أيضا في سياق زيارات عمل وانشغال بالسياسة، لم تحل دون تخصيص حيز في جدول القمم العربية المزدحم، لكي يحظى الملك الراحل بلحظات تأمل في الروضة الشريفة. حتى أن بعض الروايات كما رواها شهود عيان رافقوا الملك في تلك الرحلات، تؤكد أن الملك الحسن الثاني أحيا ليلة المولد النبوي في المدينة، وقضى ليلة مغربية في قلب المسجد النبوي.

 

 

++++++++++++++++++++++

 

القصة المنسية لـ«الركب المغربي»

المغاربة ذهبوا إلى الحج برا وبحرا، في رحلات كانت تستغرق منهم شهورا طويلة. وكان الخبراء من هؤلاء الحجاج المغاربة، يختارون الوصول إلى الديار المقدسة قبل رمضان، لكي يقضوا أيام الشهر الفضيل استعدادا لانطلاق موسم الحج. وهو ما يعني أن رحلتهم تلك كانت في الحقيقة تستغرق أكثر من سنة. بل إن عادة بعض العلماء المغاربة، اقتضت أن يغيبوا إلى الحج عامين، وهو ما كان يتبعهم فيه حجاج آخرون من العامة.

من أشهر المؤرخين الذين وثقوا لـ«الركب المغربي»، نجد المؤرخ المنوني. وقد أشار الباحث المغربي علي لغزيوي إلى معطيات مثيرة توصل إليها المنوني، انطلاقا من نصوص رحلات الحجاج المغاربة، العلماء على وجه الخصوص، قبل الوزراء. إذ إن المنتمين إلى الفئتين عكفوا على كتابة مشاهداتهم في الطريق إلى الحج، ووثقوا لهذه الرحلات، أو ناب عنهم كُتابهم في هذا الأمر.

حمل الركب المغربي إلى الحج عدة ألقاب ومسميات، وأغلبها نُسبت إلى المناطق التي كانت تنطلق منها، مثل: «الركب المراكشي»، و«الركب الفاسي»، «الركب السجلماسي»، وكلها مدونة في عدد من المخطوطات.

لكن تصنيف أنواع الركب المغربي تجاوز المناطق، ليوثق لعموم الرحلات المغربية المهمة، واقتصر في تسمية الركب على وسيلة النقل التي اعتمدها الحجاج للوصول إلى الديار المقدسة. وهكذا ظهر مفهوم «الركب البحري» عموما، ويقول المؤرخون إن الركب المغربي البحري وصلت سمعته إلى دول أخرى في فترة ازدهار أسطول السفن وتألق البحارة المغاربة، في عهد المولى عبد الرحمن الذي حكم المغرب إلى حدود سنة 1859.

الركب المغربي كان يُسمى باسم أشهر الأشخاص الذين يسافرون على متنه. وهكذا يقول المؤرخون المغاربة إن أول ركب مغربي حمل اسم شخص كان مسافرا مع الحجاج هو «الركب الصالحي»، الذي سُمي نسبة إلى الإمام محمد صالح الماجري، أحد أشهر العلماء المغاربة في الفترة الموحدية، ما بين سنتي 1121 و1269 ميلادية.

يقول د. علي لغزيوي، متحدثا عن الركب المغربي:

«يشير المرحوم الأستاذ محمد المنوني إلى أن الطريق التي كان يسلكها هذا الركب، هي نفسها التي سلكها في الغالب الرحالة العبدري، ووصفها في «مقصورته» التي ختم بها رحلته، بطريقة مركزة وملخصة، لقد كان هذا الركب يخرج في ذهابه وإيابه من مدينة آسفي إلى الديار المقدسة.
ولا سنبغي تحديد تاريخ أول ركب عرف في هذا المجال وإرجاعه إلى أواسط العصر الموحدي، أن الحج كان معطلا قبل ذلك لدى المغاربة، أو أن الناس كانوا يحجون فرادى، لأن الظروف العامة والخاصة لا تسمح بذلك البتة، وإنما ذلك كي لا يتنافى مع خروج عدة قوافل في موسم الحج بنية أداء الفريضة، ثم ظلت هذه القوافل تنظم، وتتكاثر، وتنسق في ما بينها، إلى أن غدت كيانا واحدا، وركبا منتظما من جميع جوانبه ومكوناته، ونعني هنا بطبيعة الحال، الركب الرسمي الذي ترعاه الدولة، وتنفق عليه، وتحمله الهدايا النفسية.
كما أن نسبة هذا الركب أو ذاك إلى جهة معينة، لا تعني أن الحجاج المكونين للركب ينتمون بالضرورة إلى موطن النسبة انتماء كليا، بل قد يتجمع فيه الحجاج من جهات متعددة، سيما الجهات القريبة، يتكاثر عددهم، وتتقارب عاداتهم، وتتشابه تقاليدهم، وتجتمع ألسنتهم على التوحيد والتلبية. ولتيسير الأمور أسس المغاربة منذ وقت مبكر مجموعة من الزوايا، يجتمع فيها الحجاج بالتدريج إلى أن يحين وقت خروج الركب، فيلتحقون به كل من جهته.
إن النماذج كثيرة ومتعددة، ولكل منها ما يميزها من السمات الطريفة.
ولكن ما يمكن استحضاره منها في هذا المجال، هو ما سنعرضه على أساس أن يكون الاختيار أكثر دلالة على المراد، مقتصرين على ما يتعلق بالركب النبوي في مراحل تاريخية، نختارها في الغالب من عهد الدولة العلوية الشريفة، ونقف عند نموذجين متباعدين منها، يفصل بينهما أكثر من سبعة عقود من السنين، مركزين على ما له صبغة رسمية بالدرجة الأولى».

 

 

طقوس زيارات السلاطين والأمراء إلى مكة والمدينة

يقول الباحث المغربي علي لغزيوي، متحدثا عن أشهر زيارات السلاطين المغاربة وأبنائهم الأمراء إلى الديار المقدسة، قبل قرابة 173 سنة:

«حج الأمير مولاي علي على عهد والده السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام، فحمله مجموعة من الهدايا والصلات، ورغبة منه في أن يتوصل كل واحد من القوم بما خصصه له وحدده، بحسب عادته التي جرى عليها، لم يقتصر السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام على تفويض الأمر إلى ابنه الأمير مولاي علي، حين حج سنة 1274 هـ، أي ما بين سنتي 1857 و1858، حتى لا يظل عرضة للتردد والحيرة لمن يقدم هداياه ويدفع صلاته، بل لجأ إلى اختيار مجموعة من الهدايا، وحدد أسماء من ستدفع إليهم، بحسب ما يراه السلطان نفسه، وفوض إلى ولده الأمير حرية الاختيار والتقدير بالنسبة إلى مجموعة من الهدايا الأخرى، ولم يكتف السلطان بالتوجيه والتحديد الشفويين، بل ضمن ذلك في «كتاب خاص» دون فيه التوجيهات والتحديدات، وهو عبارة عن رسالة ديوانية وجهها السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام إلى الوزير الحاج «محمد الرزيني».
ويبدو أن رحلة الأمير مولاي علي بن عبد الرحمن إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع إخوانه، كانت موضوعا لنماذج أخرى من الرسائل». ويبقى المؤرخ المغربي عبد الوهاب بن منصور، أحد أبرز الباحثين المغاربة الذين تخصصوا في هذا الباب -أي التنقيب عن الرسائل السلطانية التي حملها رؤساء البعثة الرسمية المغربية إلى الحج.

وهذه المعطيات، تُحيلنا على الهدايا السلطانية التي لم تكن أي رحلة رسمية لتتم إلا بها. فقد دأب السلاطين والملوك المغاربة على بعث إكراميات وهدايا إلى شخصيات بعينها في كل من مكة والمدينة، تأكيدا على الود الذي جمع المغرب مع أمراء مكة والمدينة.

يقول الباحث المغربي علي لغزيوي، في هذا الخصوص: يتحدث المؤرخ أبو القاسم الزياني عن موسم الحج لسنة 1155 هـ، فيصف هدية السلطان مولاي عبد الله للحرمين الشريفين، ويفصل الحديث عن محتويات هذه الهدية، ويذكر نفائسها، وينوه بقيمة جملة منها مما لا يقدر بثمن، وذلك ما يؤكد سخاء السلطان العربي واستعداده للبذل والسخاء في هذا المجال النبيل.
يقول الزياني: «ولما سافر الركب النبوي، وجه معه السلطان المولى عبد الله ثلاثة وعشرين مصحفا بين كبير وصغير، كلها محلاة بالذهب، منبتة بالدر والياقوت، ومن جملتها المصحف الكبير العقباني الذي كان يتوارثه الملوك بعد المصحف العثماني، الذي كان عند بني أمية بالأندلس، وانتقل إلى المغرب على يد عبد المؤمن بن علي، ثم إلى بني مرين كذلك، إلى أن غرق في البحر أيام أبي الحسن؛ وهذا مصحف عقبة بن نافع الفهري، نسخه بالقيروان من المصحف العثماني، إحدى النسخ الخمس التي كتب عثمان رضي الله عنه، ووجهها للآفاق.
ويعزز المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا الوصف بإضافة أخرى لمحتوى هذه الهدية النفيسة، محصيا بعض مكوناتها نقلا عن مصدره، وهو الشيخ المسناوي، الذي كان شاهد عيان، مواكبا لهذا الوفد حينذاك، وهي إضافة تفيد بمعاينة ومشاهدة لهذه الهدية الثمينة المتنوعة، وإذ يقول الشيخ المسناوي عن المصحف العقابي: «وقد وقفت عليه حين وجهه السلطان المولى عبد الله بفاس ليتوجه للحجرة النبوية… وبعث معه ألفين وسبعمائة حصاة من الياقوت مختلف الألوان هدية للحجرة النبوية».

 

 

عندما بعث القصر رسالة إلى أمير مكة مع الوفد المغربي سنة 1692

في عهد السلطان مولاي إسماعيل، الذي حكم المغرب ما بين سنتي 1672 و1727م، وُجهت بعثة على وجه السرعة إلى مكة، تحمل رسالة من السلطان نفسه إلى أمير مكة والمدينة وقتها، سعد بن زيد.

ويعود الفضل في اكتشاف مخطوط هذه الرسالة إلى  المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي، الذي لولاه لما عُرف أمرها، ولربما ضاع مخطوطها بين ركام المخطوطات التي تم إنقاذها في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن آل أغلبها إلى التلف.

كلف السلطان مولاي إسماعيل العالم المغربي الشيخ الحسين، الذي ترأس الركب المغربي إلى الحج سنة 1692.

ونص الرسالة كشف بالأدلة التاريخية القاطعة، تأثير السلطان المغربي مولاي إسماعيل في الحياة العامة ببلاد الشرق، إذ كان يربط صداقات متينة مع أشراف مكة.

يعلق المؤرخ التازي على هذه الرسالة، مستحضرا سياقها:

«ومن المهم أن نجد السلطان مولاي إسماعيل يقوم في هذه الرسالة بتقديم السفير الذي اختاره لهذه المهمة، والذي لم يكن غير الحاج أحمد… الذي يعرف البلاد المشرقية كثير المعرفة نتيجة لتجوله في تلكم الأقطار، وتردده سفيرا عليها، وساعيا بين تجارها نحوا من ثمانية عشر عاما.. عرف فيها تلك النواحي، واعتاد على طرقها برا وبحرا… يضاف إلى هذا أن الحاج أحمد هذا من الملازمين للأعتاب الشريفة… ولذلك فهو رجل ثقة، وسند في ما يبلغه من معلومات، وما يتلقاه كذلك من أخبار…
ويظهر من «الرسالة العاجلة» أن العاهل المغربي، ولو أنه كان على صلة بالشريف أحمد بن غالب، الذي كان متربعا على الحكم، قبيل عودة الشريف سعد بن زيد… إلا أنه أي مولاي إسماعيل، لم يكن يشعر بتجاوب مع الأمير أحمد بن غالب، فلقد كان ركب الحاج المغربي يتردد كما هي العادة على ذلك المقام الشريف بما يصحبه معه من هدايا سنية سخية، توزع على مختلف طبقات الأشراف هناك… ابتداء من أهل الينبوع، أجداد إسماعيل، إلى أهل بدر، إلى أشراف مكة وأشراف المدينة.
وفي إحدى المرات السالفة، عندما قصد تلك البقاع عام 1101=1689 الأمير مولاي المعتصم، نجل السلطان مولاي إسماعيل، رفقة الأميرة ست الملك، يصحبهما أبو علي الحسن اليوسي، حدث أن وقعت ألفة بين مولاي عمر بن هاشم العلوي، ابن عم السلطان مولاي إسماعيل، وبين الشريف أحمد بن غالب، الذي اغتنم هذه الفرصة ليحمل مولاي عمر عددا من الرسائل للعاهل المغربي، الذي كان يتقبل هذه الخطابات ويجيب عنها، ولكن أجوبته لا تقتصر على رد السلام، بل أكثر من رد السلام، أي أنها بلغة العصر الحديث رسائل بروتوكولية لا تشعر فيها بما تشعره وأنت تقرأ رسالة مولاي إسماعيل للأمير سعد من صراحة في القول، وصدق في النصح، وتطوع مخلص في إغناء الأمير بما اعتبره السلطان مولاي إسماعيل ضروريا لحفاظ سعد على مركزه في الحرمين الشريفين».

 

 

مُعتمرون مغاربة فوق العادة قبل 800 سنة

هناك ما يشبه إجماعا على أن الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، الذي انطلق في رحلته إلى الشرق، قبل 7 قرون من اليوم، يبقى أشهر من وثّق لأداء الحج والعمرة ووصف أجواءهما. لكن مؤرخين آخرين، ليسوا مغاربة بالضرورة، يقولون إن هناك رحلات مغربية أخرى أكثر دقة من «يوميات» الرحالة الطنجوي ابن بطوطة. وما الشهرة التي اكتسبها مخطوطه، سوى لأنه وصل إلى بلدان لم يسبقه إليها أحد، في واحدة من أطول رحلات السفر في التاريخ.

وهكذا فإن بعض الحجاج والمُعتمرين المغاربة لم ينالوا نصيبهم من الشهرة، رغم أهمية الرحلات المكية التي وثقوا لها. بل منهم من استفاض في وصف مراحل العمرة، ودل على أنسب الطرق التي يجب اتباعها بداية من اختيار أوقات السفر، لإدراك عُمرة رمضان في مكة والمدينة، قبل انطلاق الحج.

وهكذا فإن الرحالة المغاربة، كانوا من أوائل من قدموا ما يشبه «دليلا» للمسافر، يُسهل على ضيوف الأراضي المقدسة، أداء الحج والعمرة – خصوصا عُمرة شهر رمضان- والبقاء هناك في انتظار انطلاق موسم الحج، قبل وصول وفود الدول العربية والإسلامية المجاورة.

البداية مع واحدة من أقدم الرحلات والتي تعود إلى سنة 1217 ميلادية، أي قبل 808 سنوات! وصاحبها هو العالم المغربي محمد بن أحمد الكتاني.

وهذا العالم المغربي كان ينحدر من أصول أندلسية، وكان من الشخصيات التي أثثت المشهد الثقافي والديني في المغرب وقتها.

ويعود فضل اكتشاف رحلة هذا العالم المغربي إلى مكة، إلى أحد المستشرقين البريطانيين، واسمه «وليام رايت» سنة 1852. بعد أن اطلع على مخطوطها الأصلي الموجود في إحدى مكتبات الزوايا، وهناك نسخة منه أيضا في أرشيف المكتبة الوطنية.

ثم رحلة أحمد الفاسي الفهري، الملقب بابن أبي عسرية، والذي رحل إلى مكة والمدينة سنة 1724. لكن المشكل أن نص الرحلة لم يطلع عليه المؤرخون إلى الآن، ورجحوا أن يكون قد ضاع نهائيا. والسر وراء وصول عنوانها إلى المؤرخين، أن السلطان المغربي مولاي سليمان، الذي توفي سنة 1822، قد أشار إليها بنفسه في مؤلفه الشهير «عناية أولي المجد». وكان التشريف الذي خص به السلطان هذا العالم المغربي الكبير، وراء تخليد رحلته، رغم أن نصها لم يُعثر عليه في أرشيف العلماء والنساخ.

ونجد أيضا رحلة إبراهيم السوسي العيني، الذي وثق رحلته في القرن الثامن عشر، سنة 1774 تحديدا. وقد صدرت رحلته في مجلدين، وضمت تفاصيل كثيرة، رشحتها لتكون واحدة من أقوى عمليات التوثيق للحج، مقارنة مع كتابات أخرى ومخطوطات لم تتجاوز صفحاتها ثلاث صفحات فقط أو أربع.

حصر عدد الرحلات المبكرة التي استفاض أصحابها في ذكر خطوات السفر، وما لاقوه أثناء التنقل عبر شمال إفريقيا وصولا إلى مكة، يبقى مهمة شبه مستحيلة، خصوصا وأن بعض الرحلات تم اعتمادها، رغم أن أصحابها لم يتمموا كتابتها. إذ إن بعض الحجاج ماتوا إما أثناء الرحلة، أو بعد عودتهم بفترة قصيرة، ولم يسعف بعضهم الأجل لإتمام كتابة نص الرحلة وإتمامه. وبحكم أن بعض المخطوطات قد أصابها التلف، فإن عملية الجرد تبقى مفتوحة دائما أمام الباحثين والمهتمين، الذين أجمعوا دائما على أن الرحلة المغربية «ولاّدة»، وما زالت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى