شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

أحمد مول الكرة

حسن البصري

 

يعيش اللاعب الدولي السابق أحمد فرس وضعا صحيا مقلقا، يقضي ساعات يومه أسير فراش المرض بعد أن ظل قيد حياته الكروية يمنع النوم عن أعتى المدافعين.

حمل فرس لقب «مول الكرة» منذ أن حاز على الكرة الذهبية في منتصف السبعينات، وتحول إلى رمز من رموز الرياضة المغربية. وظل اسما ممنوعا من الصرف في سوق المساومات، محبا لوطنه ولفضالة التي تنفس فيها هواء الزهور ممزوجا برائحة النفط.

حين عرض عليه مسؤولو نادي برشلونة الإسباني الانضمام للفريق الكاطلوني، لم يستقص وكيل أعماله ولم يجالس محاميا لمناقشة بنود العرض وتفاصيله المالية، فلم يكن له وكيل ولا محامي ولا بوصلة ترسم له معالم الطريق.

خيرته الوالدة بين السخط والرضى بين الهجرة والاستمرار في حضن العائلة، فاستحضر في قرارة نفسه «لا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا»، فبحث عن عشرات الأسباب ليظل في معترك عمليات عائلته.

حين اختار الاستمرار في المحمدية وأدار ظهره لـ «البارصا»، لم يكن يربطه بشباب المحمدية عقد إلا عقدا أخلاقيا يظل بموجبه رهن إشارة الفريق إلى أن تظهر عليه أعراض الشيخوخة.

حين أصبح نجم المنتخب المغربي وقاده للظفر بكأس أمم إفريقيا من قلب أديس أبابا، في بداية الصراع من أجل استرجاع الصحراء المغربية، قرر رئيس الجامعة الملكية المغربية آنذاك، عثمان السليماني، توظيفه في وكالة للقرض العقاري والسياحي بالعالية، كان يحمل معه حقيبته الرياضية كل صباح وحين ينتصف النهار يغادر الوكالة مهرولا نحو ملعب البشير لخوض تدريباته اليومية مع فريقه شباب المحمدية، وحين انتفضت مديرة الوكالة البنكية وسجلته في لائحة المتغيبين، تلقت جوابا صارما من المدير العام يخبرها بأن الشخص الماثل أمام مكتبها رمز كروي يستحق العناية ويعتبر انتماؤه للمؤسسة البنكية إشهارا مستترا تقديره هو.

حين يتأمل أحمد فرس صورة المنتخب المغربي الذي رافقه إلى المكسيك في مونديال 1970، يبحث بين الوجوه عن الأحياء، بعد أن لفت الأكفان ثلثي الفريق الوطني.

مات عميد منتخب أول مونديال للكرة المغربية، إدريس باموس، والتحق بالرفيق الأعلى كل من الحارس علال وعبد الله العمراني والخياطي والهزار وبيتشو والهداف حمان الذي اختار لنفسه قبرا في بوسطن بعد أن لفظته الدار البيضاء، وبقي نصف الفريق بين صامد ضد عاديات الزمن وصامت يتجرع مرارة المرض وشيخ يطوف حول بناية مؤسسة محمد السادس وهو يتأبط ملفه الطبي.

لا أحد يسأل اليوم عن الفيلالي الذي اختلت موازين قواه، ولا مولاي إدريس الذي يعيش بعيدا عن الأضواء، ولا بوجمعة الذي يراوغ المرض بكبرياء ولا الغزواني الذي فقد حاسة السمع والذوق وأصبحت حياته بلا طعم، ولا المعروفي الذي قهر الألمان يوما فانتهى أسير بيته بسبب وباء الجحود.

حين يقترب موعد المونديال كل أربع سنوات، يسأل الصحافيون عن نجوم المنتخب الذين بللوا قميص الفريق الوطني بالعرق، ينبش زملاؤنا مرة كل أربع سنوات في ذكراهم يكتشفون أن الموت والمرض يتربصان بهم، لكنهم يصرون على انتزاع كلمات من لاعبين ماتوا وعاشوا فداء للوطن.

لاعب اليوم يركب أفخم السيارات، يقطن أبهى الإقامات، يتقاضى في شهر واحد ما يتقاضاه خمسة وزراء، يملك مستشهرا لألبسته، وراعيا رسميا لأكلاته وتعبئة وقود دائمة لتنقلاته، وحين يعطس يرد عليه أنصاره «رحمك الله» ويتهمون إدارة النادي بالتقصير في حق نجم الفريق بسبب ضربة برد عابرة.

باستثناء حميد الهزاز وعبد المجيد ظلمي ومصطفى بيتشو، لا أحد من نجوم المنتخب الوطني في المونديال، حمل شارع أو زقاق اسمه، بينما لازالت كثير من شوارع بلدنا مزهوة بأسماء مستعمرين وخونة سددوا في صدور المغاربة رصاص الغدر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى