شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

أكلة البطاطس

حسن البصري

لا أحد من الجيل الذي نهل من كتب سلسلة «إقرأ» ينسى الحكم التي تحفل بها إبداعات المفكر والمربي أحمد بوكماخ، ولا أحد منا لا يحفظ عن ظهر قلب قطعة «أكلة البطاطس» بنفس الجاذبية التي تمارسها البطاطس على شهيتنا.

مقالات ذات صلة

حسب الرواية التي كنا نرددها في الفصول الابتدائية، فقد طبخت الأم البطاطس وقالت لولدها كل البطاطس، لكنه سيعلن العصيان وسيرفض تناول الأكلة، حينها ستلجأ الأم الغاضبة إلى العنف في مواجهة عصيان ابنها قبل أن تفاجأ بتواطؤ العصا وكل أجهزة الردع مع الإبن الرافض للوجبة، وتنتهي الحكاية بتراجعه عن العصيان.

تنطبق هذه الحكاية على واقعة مباراة اتحاد العاصمة الجزائري والنهضة البركانية، إذا استبدلنا بطاطس الأم بالقمصان المحتجزة.

قال مسؤولو نهضة بركان للقائمين على مطار هواري بومدين:

رجاء ارفعوا الحجز عن قمصاننا.

رفض مدير المطار المطلب، واشترط مسح خريطة المغرب من القمصان.

لجأ مسؤولو الفريق المغربي إلى رئيس اتحاد العاصمة الجزائري من أجل ردع مدير المطار.

رفض المسؤول العاصمي التدخل تحت ذريعة الجهات العليا وانسحب من الباب الخلفي للمطار.

قال رئيس الفريق البركاني لمندوب المباراة الذي حل بالمطار بعد احتجاز القمصان واللاعبين:

أيها المسؤول، خلصنا من قبضة سلطات حكام الجزائر وساعدنا على تسلم أمتعتنا الرياضية، لا يمكن أن نخوض مباراة رسمية ونحن عراة.

عجز المندوب عن التصدي للتعنت الجزائري، وحاول إقناع المغاربة بإجراء المباراة بقمصان تخفي العلم المغربي.

قالت بعثة النهضة البركانية لمسؤول الجمارك بالمطار:

سلمنا أمتعتنا حتى لا تساهم في إجهاض مباراة نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية.

عبثا حاول البركانيون إقناع الديواني بإنهاء حجز قمصان لا تشكل خطرا على البلاد والعباد، فكان الرفض هو الجواب.

لم تنفع محاولات المسؤول البركاني في رفع الحجز عن اعتقال القمصان واللاعبين، وقرر اللجوء إلى الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في آخر محاولة لإنقاذ المباراة من الضياع، لكن «الفاف» أدارت ظهرها للملتمس.

بعد ساعات من الاحتجاز، قرر رئيس النهضة البركانية اللجوء إلى الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، واشتكى عصيان منظمي المباراة وعدم قدرتهم على التصدي لمن صادر القمصان.

تحرك رئيس «الكاف» وقد انتابته نوبة غضب، وطلب من لجنة المسابقات والأندية إخبار الاتحاد الجزائري بضرورة التدخل لإنهاء المشكل، لكن استعصى عليه الأمر لأن القرار صادر عن جهاز الاستخبارات.

انتفض موتسيبي وغضب مندوب المباراة ورفض الحكم ولوج أرضية الملعب، وانتهت المباراة قبل أن تبدأ، وعادت البعثة البركانية إلى المطار حيث تسلمت من مسؤول الجمارك القمصان التي قضت 14 ساعة تحت الحراسة النظرية، قبل أن يعود ممثل الكرة المغربية إلى بركان سالما غانما وفي رصيده ثلاث نقط بلا جهد ولا عرق.

في واقعة مباراة ملعب 5 يوليوز بالعاصمة الجزائرية، تعدد المتدخلون وتعدد الرافضون وخبراء الاحتجاز، وخرج الانفصاليون من جحورهم بعد أن تبين أنهم سقطوا في الكمين الذي نصبوه.

في بركان شرب الجزائريون التمر والحليب، وقالوا «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، وحين وصلوا إلى الفندق جاءهم منادي يدعو إلى الفتنة.

في أكلة البطاطس التي عشنا أطوارها مع أحمد بوكماخ، انتهى العصيان حين ظهر قط في كامل الاستعداد للتصدي للفأر، من هو القط ومن هو الفأر في نازلة نهضة بركان واتحاد العاصمة؟

في واقعة القمصان المحتجزة، عشنا أكثر من رواية من روايات بوكماخ، وقضينا ساعات في استحضار حكمها واستخلاص عبرها. في هذه النازلة تراقص أمام عيوننا «أحمد والعفريت»، و«زوزو يصطاد السمك»، و«سروال علي»، و«الثرثار ومحب الاختصار»، وقس على ذلك من الروائع المشبعة بالحكم.

ما حصل في 5 يوليوز بالعاصمة الجزائرية وفي مطار هواري بومدين وقبله في ملعب رادس بضواحي تونس، يؤكد وفاة اتحاد المغرب العربي الذي ظل يروج لخردة قيم مستعملة كالوحدة والتكامل والمصير المشترك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى