شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

ألف تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص

الافتتاحية

تتجه الحكومة إلى ارتكاب كارثة تشريعية بدفعها بشكل ملتو لأغلبيتها البرلمانية إلى تبني مشروع العقوبات البديلة، بعدما واجهت وزير العدل معارضة شرسة داخل مجلس الحكومة لتمرير ذلك المقتضى عن طريق مشروع قانون.

لا أحد ينكر أن هذه العقوبات البديلة معمول بها في الدول الاسكندنافية التي أغلقت منذ سنوات آخر سجونها وحولتها إلى متاحف وطنية، لكن مثل هاته الإجراءات لها مقوماتها المؤسساتية وتراكمها التاريخي وسياقاتها الاجتماعية، والأكيد أن سياستنا الجنائية لازالت تحتاج إلى قدر مهم من الردع العام والخاص، بدل «قوانين بيوت العنكبوت» كما يقول المثل الأمريكي، أي تلك التي تصطاد الهوام والحشرات الضئيلة بينما تدمرها أرجل الطيور الكبيرة.

إنه لمن سوء التقدير حقا أن تسحب الحكومة كل الإجراءات المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع وفي المقابل تحاول الضغط على البرلمان ليضع بدلها قواعد تسمح بدفع المال مقابل الإفلات من السجن، فهذا ما لا يقبله عقل أو منطق سليم. والغريب أن أحزابا في المعارضة، ومن بينها الاتحاد الاشتراكي، انطلت عليها حيلة موضة المال مقابل الحبس، وذهبت تؤسس لها بمبررات واهية.

وإذا كانت هناك مبررات واقعية دفعت نحو اللجوء لتبني نظام العقوبات البديلة، بعدما أظهرت السياسة الجنائية القائمة على الاعتقال محدوديتها وعجزها في تخفيف السجون من الكثافة السكانية، فهذا لا يعني أن نفتح الباب على مصراعيه أمام عقوبات من مثيل اقتناء أيام السجن، فمهما ضيق المشرع الخناق على هاته العقوبة ستجد طريقها سالكة نحو الإساءة إلى منظومة العدالة والقضاء، آنذاك ستتحمل هاته الحكومة وحدها مسؤولية الكوارث التي ستقع في الممارسة والتي لا يمكن تداركها في ما بعد، وآنذاك لا يمكن أن نحمل القاضي مسؤولية تطبيق قاعدة قانونية يمكن استغلالها من طرف البعض للإفلات من العقاب.

والخلاصة أن المغاربة ليسوا في حاجة إلى عقوبات بديلة من مثيل المال مقابل الحبس، فهذه لن تجدي نفعا وستكون أضرارها أكثر من منافعها، بل إن المغاربة في حاجة إلى سياسات عمومية تستأصل الجريمة من جذورها ومحاربتها في معاقلها، وهذا لن يتم فقط من داخل المقاربة الجنائية بل يحتاج إلى مداخل اجتماعية وتعليمية واقتصادية وإعلامية تكون بالفعل بدائل للجريمة وليس بدائل للعقوبة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى