شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

إنما الأمم الأخلاق

حسن البصري

يتابع الإعلام الجزائري، مشكورا، غليان التحكيم المغربي، ويتحدث عن «فساد» منظومة الكرة المغربية، بسبب فساد صفارات حكامها.

في نهاية الأسبوع الماضي، فوجئ جمهور ملعب الفاتح نونبر 1954 بمدينة الوادي الجزائرية، بعدم مثول اللاعبين وطاقم التحكيم فوق أرضية الملعب، لاستكمال الجولة الثانية من المباراة التي كانت بين الاتحاد السوفي ونجم بن عكنون، لحساب الجولة الـ19 من البطولة الجزائرية الاحترافية لكرة القدم. سطروا رجاء على كلمة «احترافية».

ساد صمت رهيب المدرجات ودارت عقارب الانتظار حول نفسها، والناس ينتظرون استئناف المباراة دون جدوى، تحول الهمس إلى همز، وتبين أن الحكم عبد العالي إبرير قد تعرض لغارة في ما بين الشوطين وهو في غرفة الملابس، وأن الاعتداء شمل مساعديه.

بحث الحكم عن رجال أمن يحمونه، فلم يجدوا لهم أثرا، لأنهم يتقاسمون مع المعتدين الغضب على الحكم الذي قرر الاكتفاء بجولة واحدة انتهت بالتعادل، بسبب غياب الأمن داخل غرف تغيير الملابس. وكتب في تقرير رفع إلى الاتحاد الجزائري: «بسبب عدم توفير الحماية اللازمة لطاقم الحكام، يستحيل استكمال المباراة». لكن مسؤولي الفريق المحلي طعنوا في التقرير وتساءلوا: «كيف لحكم مغمى عليه أن يحرر تقريرا ويعرض تفاصيل الاعتداء؟».

احتج المتفرجون من جانبهم على إدارة فريقهم، وطالبوا باسترجاع نصف ثمن التذكرة، استنادا إلى منطق. «نصف فرجة نصف ثمن»، وسجلت القضية ضد مجهول.

قالت صحيفة «الخبر» الجزائرية في موقعها الإلكتروني: «إن الحكم عبد العالي إبرير تعرض للاعتداء بين شوطي المباراة، التي توقفت لأكثر من 40 دقيقة، فلم يعد اللاعبون إلى أرضية الملعب ومكثوا جميعا في غرفة تغيير الملابس».

حصلت شرارة العدوان الغاشم على الحكم ومساعديه، في ملعب يحمل اسم «ملعب فاتح نونبر 1954»، وهو تاريخ إطلاق الشرارة الأولى للثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، الذي احتل الجزائر منذ سنة 1830.

الجزائريون الذين حولوا استقالة مسؤول في جهاز التحكيم المغربي إلى محتوى للإثارة، ونجوم استوديوهات التحليل الرياضي الذين يجدون في بلاغات لجنة الأخلاقيات لجامعتنا مادة للجدل، لم ينتبهوا إلى البلاغ الصادر عن اتحاد الكرة الجزائري، حول ظاهرة الاعتداء على الحكام والرسميين، حين قال: «لاحظ الاتحاد الجزائري لكرة القدم تنامي ظاهرة الاعتداء على الحكام وبطريقة وحشية، لذا سنكون مجبرين على التطبيق الصارم للمادة 114 من قانون بطولة كرة القدم، بخصوص العقوبات من دون أي تخفيف».

وضع البيان حدا للعقوبات موقوفة التنفيذ، ودعا إلى عرض قضايا الاعتداء الجسدي على القضاء المدني، معترفا بآفة جلد الحكام وعزوف الناشئة عن ممارسة التحكيم، بل إن رئيس الاتحاد الجزائري توعد بغربلة المسيرين. ربما لهذا السبب يحمل أفضل حكم في الجزائر اسم «غربال».

ولأن الحكم بشر فإنه معرض للخطأ فوق رقعة الملعب، كما يتعرض المدرب والمسير واللاعب والمشجع والصحفي للخطأ. وحين يتداول الرأي العام الوطني قضية فساد، علينا انتظار نهاية مسلسل التقاضي، ولا نتوقف عند بلاغ لجنة الأخلاقيات.

لا نريد لجان تحقيق ولا إدانات ولا اعتذارات، نريد فقط «تحكيم الأخلاق» في ما بيننا، ونمني النفس بنشر ثقافة العقاب والثواب في المجتمع الكروي، ونتطلع إلى يوم تصبح لجان الأخلاقيات في الأندية والعصب والجامعات في إجازة مفتوحة، حين تسود الأخلاق وينسحب الفساد من ملاعبنا، لكن مهما تحدثنا عن المقاربات الحقوقية في المشهد الرياضي، فإننا نصطدم بقوانين زجرية أشبه بالورود البلاستيكية التي ينحصر دورها في تزيين الصالونات. لكن اللجنة التي وضعت على بابها البيت الشعري القائل: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت»، لم تكلف نفسها عناء الشطر الثاني: «فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى