الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

اعتزل التحكيم بعد إصابته في مباراة حارقة ومات بباريس بسبب السرطان

قضاة الملاعب : امحمد البخاري (رئيس اللجنة الجهوية للتحكيم)

حسن البصري:

مقالات ذات صلة

 

من المفارقات الغريبة في تاريخ كرة القدم العبدية، أنه بقدر ما تألق لاعبوها ومدربوها على الصعيدين الوطني والعالمي، بقدر ما ظل حكامها يمارسون مهمتهم باحتشام في دائرة ضيقة. قد يرجع السبب إلى التقسيم الجهوي لأجهزة كرة القدم، حيث ظل إقليم آسفي يعيش في كم عصبة الجنوب وكانت مراكش هي التي تملك خيوط تدبير الشأن الكروي وتبسط سيطرتها على عبدة.

 

لماذا ينفر رياضيو آسفي من التحكيم؟

لم تنجب مدينة آسفي وضواحيها حكاما قادوا نهائيات كأس العرش أو خاضوا نزالات دولية ومثلوا المدينة في التظاهرات العالمية، إلا النزر القليل منهم، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول سر أزمة التحكيم في هذا الربوع من الوطن.

تؤكد بعض الكتابات التاريخية التي سلطت الضوء على البدايات الأولى للتحكيم في آسفي، أن أبناء هذه المدينة لم يتحمسوا لقيادة مبارياتها، ففي الفترة الاستعمارية كان الهاجس السياسي حاضرا في تأسيس الفرق الحرة ، وكان تأسيس الفرق وتمويلها يتم بواسطة قادة سياسيين غالبيتهم من حزب الاستقلال.

كان لكل حي فريقه الذي يمثله في بطولة فرق الأحياء، ويعهد لمسيرين ولاعبين ومشجعين بقيادتها بشكل تطوعي، وغالبا ما كانت هذه المهمة تسند لرجال ثقة عركتهم التجارب، أمثال عبد السلام بريشة الذي كان يرأس فريق «روح الوداد» وامحمد بلخضير رئيس فريق «الرجاء» والبشير بن حيدة الذي ترأس «الاتحاد» ورحال رئيس «النجيمة» والرايس علي مؤسس فريق «الفلاح» واللائحة طويلة.

إلى جانب هؤلاء كان بعض اللاعبين السابقين يقودون مباريات ودية بروح تطوعية عالية لأنهم كانوا محل ثقة الجميع، أبرزهم اللاعب عبد السلام الصدايكي، الذي كان من أوائل ممارسي كرة القدم في آسفي، وأبرز مدافعي فريق «لوسياس»، في زمن لم تكن هذه اللعبة تخضع لقواعد معينة كما هو الشأن اليوم، ولم يكن يفصل بين الفريقين حكم، خاصة في المباريات الودية التي تعتمد على تحكيم تشاركي توافقي غريب، وكان الحكام لا يجدون إحراجا في التقاط صورة مع فريق قبل انطلاقة المباريات.

إلى جانب الصديكي جمع لاعبون آخرون بين اللعب والتدريب والتسيير، على غرار عبد القادر شيبوب وسيسو وحسن زنطار وبلهاشمي وغيرهم، وقد ظل عشقهم لكرة القدم ملازما لهم حتى آخر رمق في حاتهم.

 

البخاري ممثل التحكيم العبدي في الشاوية

على خطى هؤلاء النجوم متعددي المواهب، ظهر اسم ستتجاوز شهرته مدينة آسفي، إنه امحمد البخاري الذي ولد في عاصمة عبدة سنة 1928، وفيها قضى طفولته وشبابه، حيث جمع بين الكرة والتحصيل الدراسي، فأصبح حكما ومسيرا متميز قضى حياته كلها في خدمة الرياضة والرياضيين منذ نعومة أظفاره إلى آخر رمق من حياته.

ازداد امحمد البخاري سنة 1928 بمدينة آسفي، وفيها قضى فترة طفولته حيث ظهر نبوغه الثقافي والرياضي منذ فترة مبكرة من عمره. أحب مدينته وسعى إلى النهوض بها رياضيا، فقد كان لاعبا مرموقا، يتمتع بموهبة كروية قلما تتوافر للاعب كرة القدم. فضمه مسؤولو فريق المدينة الأول «لوسياس» لصفوفه، ابتداء من سنة 1974، قبل أن ينتقل لدواع مهنية إلى مدينة الدار البيضاء حيث التحق بفريق البريد البيضاوي». لكنه ظل يتردد باستمرار على مدينة آسفي مسقط الرأس والقلب، ويصر على لقاء رفاق دربه في جلسات كانت الكرة تتسيد جدول أعمالها.

يقربنا الباحث في تاريخ عبدة، الدكتور منير البصكري الفيلالي، أكثر من سيرة هذا البطل:

«في سنة 1957 وبعد نيل المغرب استقلاله وتأسيس عصبة الشاوية، سيتحمل امحمد البخاري مهمة الأمانة المالية داخل أم العصب، وهي المهمة التي بقي يشغلها إلى حين وفاته. ومع بداية السبعينيات انتخب نائبا لأمين المال بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بعد ذلك تحمل مسؤولية رئيس اللجنة الجهوية للتحكيم في عصبة الشاوية التي كانت تمتد إلى بني ملال وآسفي. كما عمل مندوبا ماليا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومسؤولا عن مداخيل الملعب الشرفي وملعب الأب جيكو بالدار البيضاء».

في بداية ارتباط البخاري بعصبة الشاوية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لم يكن للجامعة رئيس منتخب من بين رؤساء الفرق، بل كان الجهاز القائم على الكرة يعيش حالة استثناء، إذ كان يرأس الجامعة وزراء الرياضة والشباب، لهذا كان البخاري مقربا من بدر الدين السنوسي وأرسلان الجديدي بعد أن لمسا فيه عشقه الكبير للكرة.

 

السرطان ينهي مسار حكم ويجهز على أحلامه

خلال فترة تدبيره للشأن التحكيمي على مستوى عصبة الدار البيضاء، كان امحمد مقربا من الرئيس عبد القادر طنان، الذي وضع ثقته في البخاري بحكم انشغالاته النقابية والسياسية، وحين أوكل إليه رئاسة اللجنة الجهوية للتحكيم وفي عهده ظهر عدد من الحكام الواعدين أبرزهم جيل عبد الرحيم العرجون.

لم يقفز البخاري على التحكيم من مظلة العصبة، بل كان حكما مشهود له بالكفاءة، ويقال إنه انقطع عن التحكيم بسبب إصابته بكسر في ساقه الأيمن خلال قيادته لمباراة كانت تدور رحاها في ملعب الفداء بالدار البيضاء. أقعدته الإصابة قبل أن يقعده الوباء الفتاك، حيث اشتد عليه مرض السرطان في بداية شهر دجنبر1976 ونقل على إثره إلى عيادة فيلا كلارا بالدار البيضاء ثم إلى باريس بفرنسا، هناك مكث مدة 45 يوما تحت العلاج برفقة أخيه عبد السلام الذي كان رفيقه في رحلة الألم.

يحكي الباحث منير البصكري عن هذه المرحلة العصيبة من حياة رئيس لجنة التحكيم البخاري ويقدم تفاصيل أكثر عن أيامه الأخيرة:

«بعد عودته من فرنسا، التحق بمستشفى ابن سينا بالرباط، إلى أن وافته المنية يوم الخميس 14أبريل 1977. في نفس اليوم الذي توفي فيه صديقه عبد الرزاق بنعدادة، الذي كان لمكر الصدف منشغلا بإعداد الترتيبات اللازمة لدفن صديقه المرحوم البخاري. كان الفقيد رجلا مفعما بالإنسانية بكل ما تحمله هذه الكلمات من المعاني، له نفس أبية وأخلاق عالية وروح مسؤلية، وهي خصال جبل عليها أهل آسفي، تربوا عليها وربوا أبناءهم على التخلق بها. تشعر في شخصيته بالبصيرة والإحساس المرهف، يمضي في الجد والإلحاح مؤمنا بما يقول ويفعل، مما بوأه مكانة محترمة في مجتمعه سواء بآسفي أو بالدار البيضاء، ولولا قصر العمر، لكانت للرجل صولات وجولات في عالم الرياضة المغربية وخاصة كرة القدم. فطالما حلم بأن يكون لمدينة آسفي ملعب معشوشب يليق بمستوى المدينة التي أنجبت لاعبين كبارا. كما كان دائما يرنو إلى أن يكون الفريق المسفيوي ضمن فرق القسم الأول التي تتنافس على إحراز البطولة في كرة القدم، لكن الموت اختطفه في وقت كان يتطلع فيه إلى غد رياضي يليق بآسفي كمدينة عرفت مجدا رياضيا سما بها إلى آفاق التميز والتفرد».

 

مات البخاري فتحققت أحلامه وهو في قبره

مات البخاري وكان يراوده وهو على فراش المرض حلم تعميم مدارس التحكيم على ربوع الوطن، كان يضع اللمسات الأخيرة لمشروع يروم الاكتفاء الذاتي من الحكام، من خلال تعميم المدارس وجعل تكوين قضاة الملاعب على رأس اهتماماته.

كان البخاري يعلم أن مدينته آسفي ظلت لسنوات تحت رحمة عصبة الجنوب، التي كانت تتوفر على مدرسة تحكيم وحيدة أنشأتها وزارة الشباب والرياضة، وكان أبو بكر بن شقرون وعبد الله السايح من مؤطريها الأوائل، ومن أول خريجيها أحمد جوهريو سهام وبومديل وبتي أحمد وغيرهم، في فترة زمنية كان التكوين يجمع بين النظري والتطبيقي ويفرض متابعة مباريات البطولة. كان البخاري يعرف مدى حاجة مدينته لحكام في ظل أزمة حتمت على منظمي البطولة الشرفية الاستعانة بحكام من مراكش.

في كتابه «وصمات من تاريخ الرياضة بآسفي»، يسلط الباحث والإعلامي سعيد الجدياني الضوء على أزمة التحكيم في منطقة عبدة، ويقول: «كانت البطولة الشرفية تفرض الاستعانة بحكام من مدينة مراكش بتكلفة مالية لا تقل عن مائتي درهم كتعويض للحكم، وهو مبلغ عجزت فرق القسم الشرفي عن أدائه، قبل أن يتم خلق مدرسة للحكام في مدينة آسفي بدار الشباب علال بن عبد الله، ولكنها لم ترق إلى مستوى المدارس الرسمية بل كانت للاستئناس ففيها تعلم حكام شباب أولى مبادئ التحكيم، وكان غالبيتهم يسعون لتعزيز مواهبهم وقدراتهم على قيادة مباريات دوريات فرق الأحياء بعاصمة عبدة والنواحي».

بعد وفاة البخاري بسنة واحدة كتب لفوج من حكام آسفي أن ينالوا درجة «حكم عصبة»، بعد أن اجتازوا الاختبارات التقنية في مراكش، بإشراف من عصبة الجنوب، حصل هذا بتاريخ 14 ماي 1978، حين تخرجت الدفعة الأولى من حكام آسفي، إثر اجتيازها للاختبارات بنجاح، إذ تقدم 12 حكما من منطقة عبدة ونجحوا جميعهم، وكان حدثا تاريخيا غير مسبوق. لكن على امتداد 15 عشر سنة التي تلت هذا الحدث، ظلت صفة حكم بالنسبة لأبناء عبدة تتوقف على اختبارات في مراكش. «تم افتتاح أول مدرسة للتحكيم في آسفي يوم 10 أبريل 1993، وكانت تابعة لفرع آسفي لكرة القدم برئاسة صالح زنتار، وأشرف على افتتاحها رئيس عصبة الجنوب آنذاك عزوز بن هلال رفقة رئيس اللجنة الجهوية للتحكيم محمد السويدي ورئيس لجنة القوانين والأنظمة محمد فتح الخير»، يضيف سعيد الجدياني.

بعد سنوات على رحيل البخاري، سيحكم قطاع التحكيم بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم واحد من أبناء آسفي، إنه أحمد غيبي الذي تدرج، على غرار الراحل البخاري، في تسيير كرة القدم من الأقسام الشرفية إلى أعلى المستويات، ساعده في ذلك مستواه الثقافي وتكوينه الأكاديمي والتمرس على التدبير المقاولاتي.

ترؤس أولمبيك آسفي مسح عن الكرة المسفيوية غبار النسيان، بل وقاده لأول مشاركة خارجية حين شارك في كأس العرب، بل إن غيبي وعلى غرار البخاري انضم للمكتب الجامعي وللكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وللجنة في «فيفا».

تقلد أحمد غيبي مسؤولية رئاسة لجن مؤثرة، فقد ترأس لجنة البرمجة ولجنة التحكيم وكان عضوا داخل اللجنة المشرفة على بطولة الهواة، وفي عهده أسند تدبير مديرية التحكيم للحكم الدولي عبد الرحيم العرجون، إلى جانب أسماء بارزة في مجال التحكيم المغربي نذكر منهم: محمد باحو، سليمان البرهمي، محمد الكزاز، عبد الله الفارق، خليل الرويسي، عبد الرحيم المتمني، مصطفى معزوز، عبد العزيز بلفتوح، بناني، وفي عهده تم القطع مع نظام «الكوطا». كما تم انتداب مجموعة من الحكام المغاربة للمشاركة في اللقاءات القارية والدولية، وذلك بعد اعتراف «فيفا» بقيمة التحكيم الوطني، بدليل زيارة «دونالد» عضو المجلس التشريعي «بورد» للمغرب.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى