شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

«الأخبار» ترصد تبعات البناء العشوائي بتطوان ونواحيها

مشاريع هيكلة بالملايير وانتشار لأحزمة الفقر والجريمة

تطوان: حسن الخضراوي

مقالات ذات صلة

 

وأنت تتجول بأحياء عشوائية بتطوان والمضيق والفنيدق ومرتيل… تخال نفسك بقرى هامشية بمناطق نائية، وليس بمدن ساحلية تتوفر على بنيات تحتية ضخمة، ومشاريع سياحية فاخرة، وتتطلع لمنافسة عالمية في جلب الاستثمارات السياحية، وتجويد الخدمات وتوفير فرص الشغل بكرامة، وتشجيع القطاعات المهيكلة، التي تضمن مداخيل مالية مهمة لخزينة الدولة.

أشباح إسمنتية تلتصق بالجبال تطالعك بكل مكان، في غياب تام للتخطيط والتصاميم ما يشوه جمالية المدن، ويساهم في انتشار التطرف والاتجار في المخدرات بأنواعها، وتوسع أحزمة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي، في ظل غياب المرافق العمومية من مكتبات وملاعب للقرب نتيجة استحالة العثور على الوعاء العقاري وتلاصق المنازل وصناعة دروب ضيقة على شكل متاهات يستحيل ولوجها من قبل سيارات الإسعاف والأمن وفي حال الحاجة لوسائل الإنقاذ. «الأخبار» أجرت جولة في المنطقة ونقلت صورا تثير الكثير من التساؤلات حول أسباب هذه الوضعية والمتسببين فيها.

 

حسن الخضراوي:

 

من مظاهر العشوائية، بجماعات بتطوان والمضيق، البناء بمجاري الوديان ما يرهق ميزانية الدولة ويضطرها لإطلاق مشاريع تحسين جودة الحياة والحد الأدنى من معايير العيش الكريم، وذلك من خلال تجهيز البنيات التحتية وتنفيذ مشاريع الحماية من خطر الفيضانات، سيما عند التساقطات المطرية الغزيرة ونشرات الطقس الإنذارية حيث سبق رصد مبالغ مالية ضخمة لتنفيذ مشاريع حماية أحياء من الفيضانات، وتوفير البنيات التحتية اللازمة من خلال وضع قنوات ضخمة لتصريف مياه الوديان.

بعد ظهور مؤشرات المحاسبة، أصبحت التقارير الخاصة بالبناء العشوائي والخروقات التعميرية، تؤرق رؤساء جماعات ترابية، وذلك لارتباط الأمر بتراخيص بناء انفرادية مسلمة من الجماعات الترابية المعنية، فضلا عن تقارير التغاضي عن البناء فوق مجاري وديان، حيث يحاول بعض المنتخبين ربط الأمر بالفئات الاجتماعية التي تعاني الفقر والهشاشة وحاجتها للاستقرار وامتلاك السكن، في حين يتعلق الأمر بسكن غير لائق وبناء عشوائي تبعاته كارثية على مستوى البيئة غير المناسبة تماما للعيش الكريم وتربية الأطفال الذين يشكلون مستقبل الوطن.

 

استنزاف الميزانية

 

في ظل استفادة اللوبيات المتحكمة في البناء العشوائي بتطوان وباقي المدن المجاورة، وتحقيقها لأرباح مالية مهمة في كل عملية بناء عشوائية والتجزيء السري أو بالحصول على رخصة بناء انفرادية دون تجهيز البنيات التحتية، تخسر ميزانية الدولة الملايير من أجل توفير الحد الأدنى من العيش الكريم داخل الأحياء الهامشية، وإكراهات البحث عن الوعاء العقاري من أجل تشييد المرافق العمومية والملاعب والمساحات الخضراء.

ومازال العديد من سكان الأحياء العشوائية بتطوان، من مثل كرة السبع وسمسة والنسيم..، ينتظرون مشاريع هيكلة مبرمجة من قبل المجلس الجماعي، من أجل تعبيد الطرق المهترئة أو تلك المتربة التي لم يتم تعبيدها من قبل، فضلا عن استمرار احتجاج الشباب على قلة ملاعب القرب بالمقارنة مع الكثافة السكانية، وغياب المكتبات والمساحات الخضراء، والمبررات التي يطرحها المجلس بالنسبة لغياب الوعاء العقاري وتوسع البناء العشوائي سابقا دون ترك مساحات ضرورية للطرق وتسهيل وصول وسائل النقل العمومي بكافة أصنافها.

ويشكل البناء العشوائي حجرة عثرة بالنسبة للتنمية بتراب عمالة المضيق، حيث سبق ترخيص الجماعات الترابية بالبناء في تجزئات سرية، ودون تجهيز البنيات التحتية وفي غياب الطرق وشبكة التطهير السائل والماء الصالح للشرب، ما استنفر السلطات الإقليمية قصد الإشراف على مشاريع هيكلة وفتح الطرق وربط المنازل بشبكة التطهير السائل والقطع مع استعمال الحفر بشكل بدائي، علما أن مشاكل وعيوب تنزيل تصاميم إعادة الهيكلة مازالت مستمرة ومعها خطر إقامة منحدرات خطيرة تهدد سلامة المارة، وترضية خواطر مقربين من المجلس على حساب الشأن العام المحلي واحترام معايير فتح الطرق وصلاحيتها للسير والجولان.

ولتسهيل مساطر البناء ودعم الفئات الفقيرة والهشة من أجل امتلاك السكن اللائق، يمكن التخفيف من تبعات البناء العشوائي على مستوى استنزاف ميزانية الدولة، والحد من ظاهرة الإدمان على المخدرات والتطرف وانتشار الجريمة، باعتبار الأحياء الهامشية مشاتل للظواهر المشينة وبطالة الشباب، وارتفاع نسبة الهدر المدرسي، والتأثير السلبي لاكتظاظ المنازل وغياب المتنفسات والعنف الأسري والمشاكل الاجتماعية المعقدة.

 

جمود التصاميم

 

من المشاكل التي كانت محط اجتماعات ولقاءات بالجماعات الترابية والمؤسسات المعنية والوكالة الحضرية بتطوان، جمود التصاميم والإكراهات التي تواجه الراغبين في الحصول على رخص البناء، فضلا عن قلة التجزئات السكنية القانونية، وانتشار التجزيء السري، وعجز المجالس عن تمويل مشاريع توسيع شبكات التطهير السائل والماء والكهرباء، وكذا الحاجة لفتح الطرق وتعبيدها وفق معايير عالية للسير والجولان.

وتوجد العديد من المساحات الأرضية الفارغة بالقرب من أحياء عشوائية مثل حي ربع ساعة بالفنيدق وحي كرة السبع بتطوان، فضلا عن أحياء بجماعات ترابية ساحلية كواد لو وأزلا وأمسا..، ما يتطلب التفكير في وضع حلول للتوسع العمراني، ودعم التجزئات السكنية القانونية بالنسبة للملاك الذين يتوفرون على المساحات الأرضية الشاسعة.

وحذرت أصوات مهتمة بالشأن العام المحلي بالشمال، من عودة توسع البناء العشوائي بالهوامش، نتيجة الضغط الذي تعيشه بعض الأسر والعرف الاجتماعي في امتلاك السكن والهجرة القروية والحاجة للاستقرار، ما يتطلب الصرامة في التعامل مع البناء الأفقي ووقف زحف العشوائية، مقابل تسهيل المساطر القانونية ودعم الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط للحصول على سكن لائق يضمن العيش الكريم.

وعقدت إدارة الوكالة الحضرية بتطوان، اجتماعات متعددة من أجل حل مشاكل التعمير والتصاميم، حيث تم تكرار وعود بحل مشكل التصاميم بواد لو، والعمل على تسهيل المساطر الجماعات الترابية القروية، في انتظار تسريع عملية التنزيل، حيث سبق وكان الملف الحساس محط احتجاجات من قبل رؤساء الجماعات وحديثهم عن تراجع المداخيل والحاجة لتحريك عجلة التعمير التي تحرك معها التشغيل والتجارة والمهن وتخلق الرواج الاقتصادي المطلوب لحفظ السلم الاجتماعي.

 

أخطار متنوعة

 

«عندما يتم البناء عشوائيا، في ظل غياب التصاميم والبنيات التحتية اللازمة والدراسات التقنية، فإن كافة الأخطار تبقى قائمة ولا يمكن الحديث عن شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، سوى تدابير ترقيعية لا ترقى للمعايير المطلوبة في السكن اللائق»، هكذا خاطبنا مسؤول تقني في التعمير بتطوان رفض ذكر اسمه لأسباب شخصية.

وأضاف المتحدث ذاته أن ظاهرة البناء العشوائي بتطوان، شهدت تراكمات لسنوات طويلة وليست وليدة اليوم، واستمرارها مرتبط بالفساد والرشوة وغياب البدائل الحقيقية لتلبية رغبات فئات اجتماعية في امتلاك سكن، فضلا عن الهجرة القروية، وانتشار الأنشطة غير المهيكلة وممارسة التهريب بباب سبتة المحتلة قبل توقفه مع أزمة جائحة كوفيد 19.

وأشار المتحدث نفسه إلى أن جل الأحياء العشوائية الجبلية بالمضيق وتطوان، لا يمكن دخولها بواسطة سيارات الإسعاف ولا شاحنات الإطفاء في حال تسجيل حرائق لا قدر الله ولا سيارات الأمن والآليات المستعملة في الطوارئ والإنقاذ، وذلك بسبب الدروب الضيقة جدا، واستعمال الأدراج فقط للوصول إلى الوجهة المطلوبة، ناهيك عن مشاكل البناء دون دراسات تقنية، بحيث تصبح المنازل معرضة للانهيار في حال الهزات الأرضية لا قدر الله أو كوارث طبيعية أخرى.

وكانت العديد من الأصوات المهتمة بالشأن العام المحلي بتطوان ونواحيها تساءلت عن مآل عشرات التقارير التي أنجزت حول أخطار البناء بمجاري الوديان بالعديد من المناطق الحضرية والقروية، ما تسبب في مشاكل لا حصر لها، تتعلق بفيضانات خطيرة تنتج عنها أضرار مادية جسيمة، واستنفرت السلطات والجهات المختصة من أجل توفير شروط السلامة والوقاية من الأخطار.

وحسب مصادر الجريدة، فإن توسيع دائرة التحقيق في ملفات البناء العشوائي بمدن الشمال، يمكن أن يسقط رؤوسا سياسية كبيرة، بسبب التورط بشكل غير مباشر في التجزيء السري والعقود العرفية التي كان يتم التوقيع عليها في ظروف غامضة، وتوقيع رخص البناء الانفرادية ما ساهم في نشوب العديد من المنازعات القضائية بين باعة القطع الأرضية العشوائية، والمشترين من الفئات الفقيرة والباحثين عن تحقيق حلم السكن والاستقرار.

 

الفقر والإدمان

 

ما يميز الأحياء العشوائية، بتطوان والمضيق، هو أن سكانها من الفئات الفقيرة أو تلك التي تعاني الهشاشة، لذلك تتسبب مشاكل ضيق المساحة المخصصة لكل فرد في العائلة، وغياب المرافق العمومية والمتنفسات، والبطالة، والهجرة القروية، في انحراف تربية الأطفال وسقوطهم في فخ المقارنة مع الأحياء الراقية والتفاوت الطبقي بين الفقر المدقع والغنى الفاحش.

وتحولت جل الأحياء الهامشية بمدن الشمال إلى مشاتل لتفريخ الإجرام والاتجار في المخدرات بأنواعها واستهلاك أقراص الهلوسة مع ما ينتج عن ذلك من جرائم خطيرة، فضلا عن مشكل استقطاب الشباب من طرف شبكات التطرف الديني، وكذا خطر الاستغلال من قبل مافيا التهريب المنظم والاتجار في البشر وتبييض الأموال والاتجار في الممنوعات، وهو الشيء الذي يساهم لا محالة في خلق مشاكل وإكراهات تصعب مواجهتها وفق المقاربة الأمنية الجافة في ظل تعثر المقاربات الاجتماعية وتوفير الشغل لفئة الشباب العاطل.

وفي ظل فشل المجالس الجماعية، وحتى البرامج الحكومية في توفير فرص الشغل، تقوم السلطات الأمنية بمدن الشمال بحملات أمنية منظمة ودوريات مكثفة، لمحاربة الجريمة والإتجار في المخدرات بأنواعها داخل الأحياء العشوائية بهدف معالجة النقط السوادء، لكن المقاربة الأمنية لوحدها تعتبر غير كافية لمعالجة تبعات البناء العشوائي، ما يسائل رؤساء الجماعات لتوفير السكن اللائق والمرافق العمومية، والقطع مع استغلال العشوائية في توسيع القواعد الانتخابية.

وسبق التأكيد في اجتماعات لتقييم تسيير الشأن العام المحلي بتطوان والمضيق، على أن الجماعات الترابية بالشمال تبقى متأخرة بشكل كبير في مسايرة الرؤية الملكية بخصوص هيكلة القطاعات، وتوفير المناخ المناسب لجلب الاستثمارات السياحية والصناعية وتجهيز البنيات التحتية، فضلا عن القطع مع العشوائية في التدبير وتنزيل بنود الدستور الجديد الذي يضمن للمواطن حقوق السكن اللائق والشغل والكرامة، واحترام مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.

ووجهت اتهامات للعديد من الأحزاب السياسية، باستغلال ظاهرة البناء العشوائي وسكان الأحياء الهامشية بتطوان ونواحيها عند كل محطة انتخابات، وذلك من أجل جمع الأصوات وإطلاق وعود متكررة بتجهيز البنيات التحتية، والربط بشبكات الكهرباء والماء والتطهير السائل، ومنح شواهد إدارية، حيث يظهر بعد ذلك زيف الوعود الانتخابية المعسولة وعدم تحرك الجماعات الترابية المعنية، قصد المساهمة في الحد من تنامي الفوضى في البناء، ووقف التجزيء السري، والهجرة القروية للعمل بقطاعات غير مهيكلة، ما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الفئات الشابة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى