الافتتاحية

الإفتتاحية

لا يمكن أن يمر إصدار المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمدونة أخلاقيات القضاة مرور الكرام، وكأننا أمام حدث قانوني عادي ومعتاد في المشهد العام. والحال أن الحدث سابقة قانونية وأخلاقية تتطلب بعضا من الاعتراف بعمل هذه المؤسسة وبحثها المستمر نحو تجويد أدائها، لترتدي جبة السلطة كما أضفى عليها الدستور. فمدونة الأخلاقيات تتجاوز ما حددته القوانين الخاصة بتنظيم القضاء، إلى وضع آداب وأخلاقيات المهنة وفق القواعد والأصول المتعارف عليها عند ممارسي القضاء، بحيث تكون مراعاتها محافظة على المهنة وشرفها.
فلم يعد مقبولا غض الطرف عن بعض الممارسات المستحدثة التي تقوض الأسس التي يقوم عليها النظام القضائي وهيبة السلطة الدستورية، وإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ فقط بنصوص قانونية جامدة، يلجأ إليها القاضي لإصدار أحكامه بالتبرئة أو الإدانة، بل يحتاج إلى مدونة أخلاق تضبط سلوك القاضي في حياته الخاصة والعامة، في حدود عدم المس بحقوقه الطبيعية. فالمواطن يلجأ إلى القضاء لثقته بقدرة هذا الجهاز على إنصافه والحصول على حقوقه، لكن ثقته ستزداد إذا وجد قضاة مطوقين بميثاق معنوي، يجعلهم بعيدين عن خوارم المروءة ومحترمين واجبات التحفظ والوقار وحسن المظهر والشجاعة الأدبية .
فالقاضي العادل النزيه ذو المروءة المحصن بواجب التحفظ، المستقل الوقور لا غنى عنه في مجتمعنا، ونحن في حاجة لكي نضفي عليه قدرا كبيرا من المهابة وشيئا من القيود الأخلاقية، نظرا لما يسند إلى القضاة من صلاحيات هامة وخطيرة. إذ إنهم يصدرون أحكاما قطعية لها أثر كبير على أمن المجتمع وحياة الأفراد ومعتقداتهم وحرياتهم وأعراضهم وكراماتهم وممتلكاتهم وأموالهم، والتزاماتهم وواجباتهم، لذلك ترسخت في الأعراف الدولية والممارسات الفضلى كثير من المبادئ والقيم والتقاليد التي يجب أن تحكم سلوك القضاة، ليحصلوا على ثقة الناس واحترامهم وتقديرهم، وليطمئن الخصوم إلى أحكامهم وقراراتهم ويثقون بها ويقبلونها.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى