شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

الباك والصاك

 

 

حسن البصري

 

كشفت مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، في تقريرها الأدبي الأخير، عن مقاربة جديدة في مواجهة عسر حياة الرياضيين بعد الاعتزال، حيث آمنت بأهمية التعليم والتحصيل الفكري، وخصصت ميزانية لتغطية تكاليف تعليم أبناء الأبطال الرياضيين الدوليين المعتزلين، قبل أن تشمل المبادرة الأبطال أنفسهم الراغبين في التفرغ لاستكمال دراستهم الجامعية، حين قرروا «تعليق» أحذيتهم الرياضية وخوض مباراة «استدراكية» في مدرجات الجامعات، بعد سنوات من الركض أمام مدرجات الملاعب.

بفضل الدعم التعليمي للمؤسسة، اكتشفنا أن كثيرا من خريجي المدارس العليا، في تخصصات علمية رائدة، هم أبناء وبنات لاعبين دوليين صنعوا الفرجة في الملاعب، قبل أن يركب فلذات أكبادهم صهوة المجد في محراب العلم.

حين تزور جامعة الأخوين في إفران أو جامعة محمد السادس في ابن جرير أو الجامعة الدولية في الرباط أو الدار البيضاء، وفي كثير من منابع العلم، تكتشف أن لكثير من لاعبي المنتخبات الوطنية ذرية في التشكيلة الأساسية للمتفوقين دراسيا، فما عجز عنه الآباء سعى إليه الأبناء بالعزيمة نفسها والإصرار ذاته.

في زمن مضى، كان من الصعب على لاعب دولي أن يوفق بين الدراسة والكرة، ومن العسر التوفيق أيضا بين الكرة والوظيفة، لهذا أنجبت لنا المنافسات الرياضية نجوما من ورق مقوى وموظفين أشباحا يرزقون.

كان اللاعب يتمرن في الظهيرة، وحين ينادى عليه لتعزيز المنتخب الوطني، يصبح مطالبا بدخول معسكر طويل المدى، فيستقيل طوعا من الدراسة ويعير محفظته لتلميذ مواظب. لهذا وجدت كثير من الأندية صعوبات في دمج بعض اللاعبين المتميزين كرويا في أسلاك الوظيفة، إلا من رحم ربي.

في زمن ما قبل الاحتراف، كان اللاعب الذي يتابع دراسته الجامعية استثناء في المنظومة الكروية، وحين يحصل على شهادة البكالوريا فاعلم أن الولد ضحي بمكانته كلاعب رسمي، وضحى بصفته الدولية في المنتخب الوطني، ودخل في معسكر مغلق يلتهم الكتب، بعد أن قضى شهورا في استنشاق غبار الملاعب.

أغلب نجوم الكرة المميزين دراسيا يتحاشون ضرب الكرة برؤوسهم، حتى لا يسقط العلم ويختل التركيز، وقلة منهم أعلنوا مقاطعة مقاعد الدراسة مبكرا واختاروا الجلوس في مقاعد البدلاء. لكن بالأمس كان اللاعبون الحاصلون على البكالوريا وعلى شهادات جامعية قلة وسط ضحايا الهدر المدرسي.

في الرجاء، كان اللاعب بتي عمر كبيرا بشهاداته، وكان الدكتور بهليوي يزاوج بين طب العظام والكرة، قبل أن يصبح طبيبا للرجاء، وكان للوداد طالب نجيب في شعبة العلاقات الدولية، اسمه عبد القادر لشهب، قبل أن يصبح سفيرا للمغرب في كثير من الدول، وفي أكادير برز اللاعب الملتحي عبد العزيز رفقي الذي ظل ينادي بتعميم مشروع رياضة ودراسة، لكن لا أحد سمع صرخته، وحين اعتزل الكرة مبكرا أصبح طبيبا للأذن والحنجرة.

سوس العالمة أنجبت اللاعب هشام العلولي، الذي كان يجوب الملاعب طولا وعرضا، وأصبح مديرا للمركب الرياضي، على غرار صديقه بنعيسى بوجنوني الذي يقتسم معه هوس تدبير المرافق الرياضية عالية الجودة.

يذكر الملاليون لاعبهم الموهوب عبد الإله نسيلة، الذي كان يختلي بنفسه ليقرأ ما تيسر من علم، وحين غير رجاء بني ملال جلده، اعتزل عبد الإله لعبة كرة القدم ودرس الطب ليصبح طبيبا للجلد، ضدا على توقعات المدربين.

يضيق المجال للحديث عن اللاعبين الذين اختاروا مسار العلم، وغالبيتهم لم يحصلوا على ألقاب كثيرة، لأنهم آمنوا باللقب الحقيقي وأصروا على الوقوف فوق «بوديوم» المعرفة، ما دامت التصفيقات خادعة والتتويجات زائفة.

في كل فريق من فرق المملكة لاعب استثنائي حصل على «الباك» ودخل الجامعة سرا، وانتحل صفة طالب، ضاربا عرض الحائط بالقول الخادع: «إلا مجابها القلم يجيبها القدم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى