شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

البرلمان بعد 60 سنة من التأسيس 

توجيهات ملكية لتقوية وتخليق المؤسسة التشريعية

خلال الأسبوع الماضي، احتفل البرلمان بمرور 60 سنة على تأسيس أول تجربة برلمانية مغربية في سنة 1963، ومرت هذه التجربة بعدة مراحل، وصولا إلى دستور 2011 الذي يتضمن مجموعة من المقتضيات تهدف إلى تعزيز نظام الغرفتين بالبرلمان من خلال تقوية صلاحياتهما، من خلال منحه اختصاصات جديدة كفيلة بنهوضه بالمهام التمثيلية والتشريعية والرقابية. وخص الدستور الجديد فرق المعارضة بالبرلمان بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولذلك أعطى الملك محمد السادس توجيهاته بمناسبة تخليد الذكرى الستين لقيام أول برلمان منتخب في المملكة، من أجل تقوية وتخليق المؤسسة البرلمانية، والرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

اختصاصات مجلسي النواب والمستشارين في نظام الثنائية البرلمانية

 

 

تم التنصيص على إحداث غرفة برلمانية ثانية (مجلس المستشارين) منذ أول دستور عرفته المملكة المغربية سنة 1962، ولكن وقع التخلي عن نظام الغرفتين في دستور 1970، وتمت العودة إليه في دستور 1996، وكان مطلب أحزاب المعارضة السابقة ممثلة في أحزاب الكتلة الديمقراطية يتجلى في حذف ما كان يسمى الثلث الناجي في مجلس النواب والذي كان ينتخب بشكل غير مباشر، وهذا ما جاء في المذكرة المطلبية التي رفعتها هذه الأحزاب إلى الملك الراحل الحسن الثاني والتي كانت تتعلق بتعديل دستور 1992، وبالفعل استجاب الملك الراحل لهذا الطلب وأصبح مجلس النواب ينتخب كل أعضائه بالاقتراع العام المباشر، وتم إحداث مجلس المستشارين وأعطيت له الاختصاصات نفسها لمجلس النواب، وكان الهدف آنذاك هو وضع كل الاحتياطات اللازمة لمواجهة الحكومة، خصوصا وأن المغرب كان مقبلا على تجربة التناوب التوافقي. وفي ظل دستور 2011، تم منح اختصاصات وصلاحيات جديدة لمجلس المستشارين، مع تقليص أعضائه من 270 إلى 120 عضوا.

وظل مجلس المستشارين طيلة السنوات الأخيرة في وضع «شرود»، نظرا إلى عدم وضوح الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة له، ما جعل العديد من الأصوات تطالب بإلغاء الغرفة الثانية، رغم أن الدستور الجديد عزز  نظام الغرفتين بالبرلمان، من خلال تقوية صلاحياتهما، وكرس المكانة الأساسية للغرفة الأولى، مجلس النواب، وحدد الدستور الجديد صلاحيات البرلمان، والعلاقة بين مجلسي النواب والمستشارين، لإزالة اللبس الذي ظل يرافق تجربة الغرفتين، بعد التعديل الدستوري لسنة 1996. ومنح الدستور الجديد صلاحيات واسعة لمجلس النواب، وقلص دور مجلس المستشارين، ومنحه صلاحيات تتعلق بالقضايا ذات البعد الجهوي، أو المرتبطة بالمجالين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة حول ضرورة وجود هذا المجلس أصلا، بعد خلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ووفقا للمقتضيات الدستورية، كما ينص على ذلك الفصل 78 من الدستور، تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، وينص الفصل 84 على أنه يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين التي قدمت بمبادرة من أعضائه. ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه، ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه.

ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية. أما الفصل 85 من الدستور، ينص على أنه لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور، غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين، أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب.

ويتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، طبقا لمقتضيات الفصل 84 من الدستور، ويتداول مجلس المستشارين في مشاريع القوانين المودعة بالأسبقية لدى مكتبه، طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 78 من الدستور، والمتعلقة على وجه الخصوص بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية، وفي مقترحات القوانين المقدمة بمبادرة من أعضائه، ويتداول في النص الذي صوت عليه مجلس النواب وفي الصيغة التي أحيل بها عليه من طرفه. وفي حال عدم مصادقة مجلس المستشارين على نص واحد، يعود لمجلس النواب التصويت النهائي عليه، ولا يقع ذلك إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، عندما يتعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية، ويحتفظ مجلس المستشارين بحق القراءة الثانية للنص المودع لديه بالأسبقية والذي تم تعديله من طرف مجلس النواب، وتنحصر المناقشة على المواد المعدلة ما لم يتعلق الأمر بإصلاح أخطاء مادية، وإذا تم تعديل هذا النص يحال على مجلس النواب للتصويت النهائي عليه.

ويتداول مجلس النواب ومجلس المستشارين في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، وذلك وفق الشروط والمساطر المنصوص عليها في الفصول(78) و(84) و(85) من الدستور ومواد النظام الداخلي المتعلقة بمناقشة مشاريع ومقترحات القوانين، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن يتداول مجلسا النواب والمستشارين في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين إلى حين اتفاقهما على نص موحد، وتتم المصادقة النهائية من طرف مجلس النواب على مشاريع أو مقترحات القوانين التنظيمية التي تخص مجلس المستشارين والجماعات الترابية بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.

 

البرلمان ودستور 2011.. صلاحيات أوسع واختصاصات أقوى

 

تضمن دستور 2011 مجموعة من المقتضيات تهدف إلى تعزيز نظام الغرفتين بالبرلمان من خلال تقوية صلاحياتهما، عبر منحه اختصاصات جديدة كفيلة بنهوضه بالمهام التمثيلية والتشريعية والرقابية، من قبيل تقييم السياسات العمومية وتوفير آليات ناجعة للمراقبة البرلمانية بتخفيض النصاب الضروري لملتمس الرقابة، وتشكيل لجان تقصي الحقائق والإحالة على المحكمة الدستورية، وطلب عقد الدورات الاستثنائية.

ومنح الدستور رئيس الحكومة تقديم عرض حول العمل الحكومي والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، حيث أصبح مجلس النواب يتبوأ مكانة الصدارة بتخويله سلطة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية. ومنح الدستور، أيضا، للمعارضة البرلمانية وضعا خاصا وآليات ناجعة لتعزيز دورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني. وعمل الدستور على توسيع صلاحيات الغرفة الأولى ومنح دور متميز لمجلس المستشارين في ما يتعلق بالقضايا ذات البعد الجهوي، أو تلك المتعلقة بما هو اجتماعي واقتصادي، وهو ما يجعله فضاء لطرح المواضيع التي تهم الانشغالات اليومية للمواطنين.

ففي ما يخص الجانب التشريعي، جاء دستور 2011 ليرفع من سقف المبادرة التشريعية، وأصبح هذا المجال اختصاصا شبه حصري للبرلمان، حيث توسع مجال القانون، ليرتفع من 30 مجالا في دستور 1996، إلى أكثر من 60 مجالا في الدستور الحالي، ما بوأ المجلس مكانة الصدارة بتخويله سلطة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية. وتودع مشاريع القوانين، التي تقدمها الحكومة، بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب ما عدا تلك المتعلقة بالجماعات الترابية والتنمية الجهوية والقضايا الاجتماعية التي توضع بدورها بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، وبدورهم يتقدم أعضاء البرلمان بمقترحات القوانين.

وتحال مشاريع ومقترحات القوانين على اللجان المعنية بمجلسي البرلمان قصد مناقشتها والمصادقة عليها. بعد ذلك تتم دراستها والتصويت عليها في الجلسات العامة لتتم إحالتها على أحد المجلسين حسب طبيعتها. وفي حال وجود اختلاف بين الصيغة التي صادق عليها كل من المجلسين، يعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه.

أما في ما يخص الجانب الرقابي، فيمكن للجان الدائمة المعنية بمجلسي البرلمان أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين، تحت مسؤوليتهم، كما يمكن للمجلسين أن يشكلا لجانا مؤقتة لتقصي الحقائق تقوم بإيداع تقارير حول الوقائع التي أقيمت لأجلها لمناقشتها خلال جلسات عامة والبت فيها. وتخصص بمجلسي البرلمان جلسة عمومية أسبوعية للأسئلة الشفهية وأجوبة الحكومة عنها، كما تقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتسمح الأسئلة الكتابية للنواب بمتابعة القضايا ذات الطابع المحلي.

ويعرض رئيس الحكومة، أمام البرلمان، الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، وتخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها. وإلى جانب هذه الأدوار، يعمل البرلمان، في إطار وظيفته الدبلوماسية، وبناء على المقتضيات الدستورية الجديدة التي تمكن المؤسسة التشريعية بمجلسيها من التحرك على المستوى الدبلوماسي، أيضا، من أجل دعم وتثبيت الحضور الدولي للمملكة، والدفاع عن القضايا الوطنية العادلة، وتعزيز التعاون الدولي، سيما من خلال مجموعات الصداقة البرلمانية، التي تمثل رافعة مهمة للتعريف بالقضايا ذات الأولوية بالنسبة للمملكة والقضايا التي تشغل المجتمع المغربي، سواء في المجال التنموي أو بخصوص المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

 

دور البرلمان في ممارسة التشريع والرقابة على العمل الحكومي

 

منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. ونص الدستور، كذلك، على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن «تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة»، والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.

وتتعلق هذه الأسئلة الأسبوعية أساسا بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها عبر أمواج الإذاعة والتلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة و البرلمان في مجالي عملهما كل على حدة. أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص، في الفقرة الثالثة من المادة 100، على أن «تقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة».

وما يلاحظ على جلسة الأسئلة الأسبوعية هو تكرار الأسئلة نفسها تقريبا في كلا المجلسين، وتقديم الحكومة للأجوبة ذاتها، ما جعل مسألة الثنائية المجلسية بالمغرب محل سؤال كبير، وأدى إلى عدم متابعة المواطنين لأشغال البرلمان خلالها، وهذا الأمر أدى بالعديد من المهتمين بالشأن السياسي والدستوري إلى المطالبة بالتخلي عنها. لذا فالمأمول، في ظل الدستور الجديد، الذي ميز في الاختصاص بين مجلسي البرلمان، أن يتم تجاوز هذا الأمر، وذلك من أجل الرفع من جدية وجودة العمل البرلماني في مجال الرقابة على العمل الحكومي، ناهيك عن أن آلية الأسئلة الأسبوعية أبانت عن محدودية تأثيراتها السياسية، حيث لا يصل الأمر فيها إلى مستوى إثارة المسؤولية السياسية كما هو الشأن في ملتمس الرقابة، كما أن وجوب إدلاء الحكومة بجوابها عن الأسئلة خلال العشرين يوما، يعتبر وجوبا معنويا، مادام لم يرتب المشرع جزاء على مجاوزة الأجل الدستوري، ومادام لم يمكن البرلماني من وسيلة لمقاضاة الحكومة بسبب تأخرها أو حتى رفضها الجواب عن الأسئلة. وهذا الوجوب، يضيف مصدر، يضيع نتيجة الغياب المتكرر لأعضاء الحكومة بسبب أو بدون سبب. مردفا بالقول «كل هذه الممارسات يفترض بطبيعة الحال أن تنقرض، احتراما لروح الدستور الجديد، وإيمانا بأهمية الرسالة والدور الذي تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في ظل الأنظمة الديمقراطية، وكذلك في ظل الأنظمة الطامحة لأن تكون ديمقراطية».

وبالإضافة إلى الجلسات الأسبوعية التي تخصص لمساءلة أعضاء الحكومة، كل واحد حسب القطاع الذي يشرف عليه، منح الدستور الجديد آلية أخرى لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسة العامة لحكومته، من خلال جلسة واحدة كل شهر بمجلسي البرلمان. ويعد تقييم السياسات العمومية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن «يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية». وفي السياق نفسه تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن «تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها»، أما الفقرة الأولى من الفصل 101 فتصرح بأن «يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين». وأقر الفصل 102 من الدستور أنه «يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم».

عبد الحفيظ أدمينو *– أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي  الرباط  

عبد الحفيظ أدمينو:

طبيعة البرلمان انعكست على اشتغاله وعلاقته بالحكومة يؤطرها» الدستور»

 

قال عبد الحفيظ أدمينو، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط، والمتخصص في العلوم والسياسية والقانون الإداري، إن «العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية هي معيار أساسي لتقييم ميزان توازن السلط والديمقراطية عبر العالم، والمغرب قد اتخذ فصل السلط مبدأ دستوريا لنظامه السياسي»، مبرزا أن «هذا الخيار تم تأكيده من خلال جميع الدساتير التي أقرها على مدى الزمن السياسي المغربي»، مشيرا إلى أن «هناك تسع علامات مميزة في العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في المغرب، أولها التعاون والتكامل بين السلطتين من خلال ما أقره الدستور، وأيضا ما أفرزته الممارسة السياسية في العلاقة بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية والتي تتسم بالتلازم، حيث يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات البرلمانية، وتضامن قانوني سياسي، وهذا التضامن كاد أن يتحول إلى دمج ضوي ووظيفي بين السلطتين»، مضيفا أن «هذا التلازم قلص نسبيا مسافة الفصل بين السلطتين، نظرا إلى التقارب بين الأغلبيتين الحكومية والبرلمانية».

وأشار أدمينو إلى أن «الملاحظة الثانية في العلاقة بين الطرفين، خصوصا في جانب الممارسة السياسية، وهي التي لم تتأثر بالهيكلة البرلمانية، حيث إن الدساتير المغربية منحت سلطة منح شهادة ولادة الحكومة لمجلس النواب، فإن هذا لا يلغي دور مجلس المستشارين»، موضحا أن «الزمن التشريعي لم يتأثر بازدواجية الغرف في البرلمان بين النواب والمستشارين»، مضيفا أن «هذه الهيكلة لم تؤثر أيضا على علاقة البرلمان بالحكومة، وهي العلاقة التي تقوت بإحداث وزارة العلاقة مع البرلمان، وإن كانت هذه الوزارة تتأثر بظروف العلاقة بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية، ووجود أغلبية مريحة من عدمه»، مبرزا أن «هذه الوزارة تلعب دورا مهما، وهناك رغبة في مأسسة هذه العلاقة بين  البرلمان والحكومة في إقرار مرسوم قانون تنظيمي للحكومة، وهناك العديد من الأدوار المهمة المنوطة بوزارة العلاقة مع البرلمان في التنسيق بين السلطتين».

وأوضح أدمينو أن «العلاقة بين البرلمان والحكومة تأثرت وتطورت بوجود نظام خاص بالمعارضة والتي منحها الدستور مكانة مهمة، غير أن هناك العديد من المعطيات التي تؤثر في موقع المعارضة، هو عدم ثبات هذا الموقع، حيث إنه ليس هناك معارضة ثابتة، إذ إن هناك سهولة الانتقال بين الأغلبية والمعارضة، سواء على المستوى الإيديولوجي أو السياسي، زيادة على المعطى المرتبط بضعف التنسيق بين مكونات المعارضة، وهو الذي يؤثر على دورها الرقابي لعمل الحكومة وأيضا مبادراتها التشريعية، والتي تظل وفية لمعدل لا يتعدى 10  في المائة من الإنتاج التشريعي»، مبرزا أن «هذا الأمر يرتبط أيضا بمفهوم المخطط التشريعي للحكومة، والذي ترى فيه المعارضة وسيلة للهيمنة على «الكوطا» التشريعية من طرف الحكومة، وهو ما فتح النقاش حول إحداث لجنة لدى رئاسة الحكومة من أجل دراسة المقترحات التشريعية المقدمة من طرف البرلمان».

من جانب آخر، بين أدمينو أن «الإصلاحات الدستورية التي أتى بها دستور 2011 قد أتاحت فرص التواصل بين البرلمان والرأي العام، عبر مجموعة من الآليات، أولها الجلسات العمومية والتي أضفى عليها الدستور جاذبية أكبر، زيادة على أهمية جلسات المساءلة الشهرية، والتي تعد مناسبة لتواصل رئيس الحكومة مع الرأي العام، إضافة إلى إمكانية وصلاحيات بث الجلسات العامة»، مبرزا أن السمة السابعة هي أن «البرلمان أصبح مجالا للنقاش العمومي وفضاء لفتح النقاش من خلال بحث التقارير السنوية التي تعدها مؤسسات الحكامة، وهو الأمر الذي يتيح للبرلمان دورا مهما في إنتاج القواعد القانونية أو تجويدها، وإمكانية مساعدة الحكومة في تقييم السياسات العمومية»، مشيرا إلى أن «أمام البرلمان عشرة مواعد لمناقشة السياسة العمومية، وهو ما قد يِؤثر ويوسع الزمن البرلماني وخارج الزمن التشريعي، ليكون بذلك البرلمان فضاء مفتوحا للنقاش العمومي»، مبرزا أن «الديمقراطية التشاركية هي مجال جديد للتفاعل وتعزيز العلاقة بين البرلمان والحكومة، وتقوية الثقة في المؤسسات».

وشدد أدمينو على أن «العلاقة بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية قد استفادت من البعد الرقمي، الذي يتيح إمكانات مهمة للتواصل وتبادل المعطيات بين الحكومة والبرلمان، وهذا من يمكن أن يتسنى من خلال تطوير هذا البعد الرقمي وفتح الباب بشكل أوسع لتبادل المعطيات والأرقام في إطار ما تؤطره أيضا الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، واستغلال الإمكانيات التي يتيحها هذا البعد في توفير المعلومات، وأيضا انخراط البرلمان في مبادرة «تقييم البرلمانات»، وهي المبادرة الدولية التي أقرها الاتحاد البرلماني الدولي.

محمد زين الدين *رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية 

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين:*

“البرلمان تأثر بالمناخ السياسي لكل مرحلة وأعطاب عدة تعتري عمله”

 

1- ما هي الإكراهات التي تواجه البرلمان المغربي؟

يمكن أن نقول إن المؤسسة التشريعية في المغرب حققت تراكمات هامة، وهذه التراكمات كانت دستورية وسياسية تمثلت في المقتضيات الدستورية التي عملت على تطوير عمل المؤسسة التشريعية منذ بروزها سنة 1963 إلى غاية اليوم، حيث إن المسار الدستوري في المغرب قد قدم الشيء الكثير للمؤسسة التشريعية، وإن كان هذا الأمر بشكل متدرج، إلا أنه يمثل التفرد الدستوري  السياسي للبرلمان المغربي، فهذه المؤسسة قد تأثرت بالمناخ العام الذي يطبع كل فترة ويسود كل مرحلة، حيث إن البداية الأولى كانت متعثرة إلى حدود 1972، وهي التي كانت مرحلة التأسيس، غير أن التجربة الرابعة إلى حدود 1992، وهي التي كانت مرحلة انفراج، حيث استفاد البرلمان من الحراك السياسي الحاصل، خصوصا مع بروز ملف الصحراء المغربية بشكل كبير والانفراج السياسي في تلك المرحلة، غير أن كل هذه المحطات التي عاشها البرلمان المغربي، واكبته فيها العديد من الأعطاب البنيوية التي تتعلق مثلا بعنصر تجديد النخب، وأيضا بعض الظواهر التي تسيء للعمل البرلماني، كما هو الشأن مثلا لظاهرة الغياب وأيضا ضعف الكفاءة السياسية وغياب الحكامة البرلمانية، وهذه الأعطاب رافقت البرلمان المغربي وأثرت على عمله ووظائفه، إلى حين إقرار دستور 2011 الذي كان البرلمان المغربي أكثر المستفيدين منه، على اعتبار أنه قد ساهم في تطويره على أربعة مستويات، أولها على مستوى التشريع، حيث إن الفصل 71 من الدستور والذي نقل البرلمان من 30 اختصاصا إلى 60، وأيضا على مستوى إعطاء مكانة متميزة للمعارضة، وهو الأمر الذي يظهر من الفصل 10 و60 من الدستور، اللذين منحا المعارضة أحقية ترؤس على الأقل لجنتين مهمتين في البرلمان ومنحها إمكانات كبيرة لممارسة حقوقها، كما منح الدستور صلاحيات كبيرة للبرلمان على مستوى الرقابة، وانتقل من تقنية التنبيه التي نص عليها دستور 1996، إلى ملتمس الرقابة الذي منحه لمجلس النواب. كما أن المشرع منح تقريبا للغرفتين نفس الصلاحيات في  التشريع والرقابة لعدة اعتبارات، وواكب هذه العملية وجود إرادة سياسية عليا من لدن جلالة الملك، الذي كانت له الرغبة في منح  البرلمان القدرة الكاملة على ممارسة جميع صلاحياته، وهذا هو التحول المهم جدا في مسار المؤسسة التشريعية، وعبرت عنه الخطب الملكية خلال افتتاح الدورات التشريعية.

 

2- ما هي مداخل تقوية عمل البرلمان، والذي دعا إليها الملك في رسالته الموجهة إلى البرلمان بمناسبة الاحتفال بمرور 60 عاما على تأسيسه؟

تجب الإشارة إلى أن الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان في إطار الاحتفال بمرور 60 عاما على تأسيسه، هي بمثابة درس دستوري وسياسي بليغ جدا لتعميق الديمقراطية التمثيلية، حيث تضمنت هذه الرسالة الشق البيداغوجي المهم حول تطور المسار التمثيلي للبرلمان المغربي والمراحل التي قطعتها هذه المؤسسة، وأيضا الأدوار التي يجب أن تقوم بها المؤسسة التشريعية. وبالتالي فالمداخل متعددة، وأولها هو تجديد النخب البرلمانية، وأيضا مسؤولية الأحزاب السياسية، والتي هي القناة الأساسية لولوج السياسيين إلى البرلمان، وبالتالي فهي مطالبة بالاختيار الدقيق للأشخاص الذين من المنتظر أن يلجوا البرلمان، وبالتالي وجب استحضار عنصر الكفاءة والمهنية والنجاعة والمردودية، وأيضا الجانب الأخلاقي والذي هو مثير جدا، خصوصا مع ما يثار حليا حول وجود بعض البرلمانيين المتابعين في ملفات وجرائم، وأيضا من المداخل أيضا هو الحكامة البرلمانية، فسؤال الحكامة أصبح يفرض نفسه اليوم بشكل كبير جدا، وهذا الزخم والآليات الدستورية الهائلة تتطلب تجويد النظامين  الداخليين للبرلمان، وأيضا في ما يرتبط بالتقييم الفعلي لعمل البرلمانيين في حد ذاته، والذي يجب أن يكون مبنيا على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ومنح هامش للتحرك بالنسبة إلى البرلماني، خصوصا إذا علمنا أن عددا من البرلمانيين يحملون صفة رؤساء مجالس الجماعات، ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أيضا يقتضي تشديد العقوبات في ما يخص نهب الأموال العمومية أو استعمال النفوذ، مع الأخذ بيد من رفق في الملفات المتعلقة بالجانب التدبيري.

 

3- ما هي مسؤولية الأحزاب السياسية في تجويد النخبة البرلمانية؟

إن الأحزاب السياسية تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في تأهيل وتكوين النخب السياسية، وأيضا في بروز هذه النخب، ففي تجارب مقارنة مثلا كألمانيا نجد أن 90 في المائة من البرلمانيين في هذا البلد هم دكاترة في القانون والاقتصاد، وهو ما يتيح إنتاجا تشريعيا قويا جدا يصل إلى 250 نصا سنويا، وإن كان هذا لا يعني أن البرلمان يجب أن يكون برمته مكونا من دكاترة القانون والاقتصاد، بل يجب أن يكون مشكلا من المهنيين أيضا، هذا دون إغفال عنصر مرتبط أيضا بالمناخ العام والإطار القانوني المتمثل  في نمط الاقتراع الذي لا يساعد على بروز الأطر والمثقفين، وبالتالي  فنحن إزاء بنية متكاملة تنتج هذا النوع من البرلمانيين، كما لا يجب أن نغفل أيضا دور الفاعل البرلماني نفسه، وهل هو مؤهل لتنزيل واستغلال الآليات التي منحها له الدستور والمشرع المغربي، فعلى سبيل المثال نجد أن المجلس الدستوري الفرنسي ينتج القرارات بغزارة، لأن المؤسستين التشريعية والتنفيذية تحيلان عليه القوانين بشكل كبير، بخلاف الوضعية لدينا، هذا دون أن ننسى أيضا  الإمكانيات المتاحة لدى الفاعل البرلماني، وهنا أسوق مثال الكونغرس الأمريكي الذي نجد أن هناك جيشا عرمرما من مكاتب الدراسات التي تشتغل إلى جانبه، كما نجد إلى جانب كل مستشار في الكونغرس مرافقين، هما في الأصل من خيرة خريجي جامعات هارفرد وبريستوند، بخلاف الواقع لدينا، حيث لا نجد البرلمان ينفتح بالشكل المطلوب على الفضاء الأكاديمي.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى