حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةملف التاريخ

التقاليد لم تكن تُشجع المغاربة على الترقي في العمل بمصانع الدار البيضاء

يونس جنوحي:

تبقى الأجور في معمل التبغ أعلى، وربما هي الأفضل في المغرب. الخدمات الاجتماعية كانت جيدة أيضا. هناك مرافق طبية وتأمين، وقبل كل شيء، هناك، كذلك، مخططات للإسكان.

بعض الخدمات ربما تبدو غريبة بعيون أوروبية.

في المعمل القصديري الصغير، كانت أكثر الخدمات شعبية تلك الاستشارات التي يقدمها مُسلم محلي بخصوص بعض المشاكل والصعوبات التي يواجهها طاقم العمال.

عندما يكون الأمر ضروريا، يُرسل زُبناءه إلى الباشا ومعهم بطاقته.

كانوا يعتقدون أن هذا الإجراء يُعفيهم من حمل هدية مالية معهم!

وبينما قد تكافئ شركة بريطانية ما موظفيها، عن الخدمة الجيدة، بتقديم هدية عبارة عن تذاكر حضور مباراة نهائية في كرة القدم، فإن معمل السكر يختار خمسة عُمال، كل سنة، ويدفع عنهم تكاليف الحج إلى مكة!

صرّح أحد مسؤولي المصنع قائلا:

-«لكن المشكل الأكبر، الذي نعاني منه، يبقى نقص الطموح. نريد مغاربة بشواهد عليا، لكن يصعب إقناعهم بالبقاء معنا على المدى البعيد. لقد أسسنا مدارس للتعليم ليلا لإعطاء فرص للتطوير، غير أن قلة من الرجال اهتموا بالموضوع، وحتى الأكثر ذكاء بدا أنهم يفضلون العمل بأيديهم على أن يشغلوا أدمغتهم».

-«هل جربت مرة التوظيف المباشر للمتعلمين؟».

-«نعم، لكن الأمر لقي نجاحا ضئيلا. العينة قليلة العدد التي حصلنا عليها، أفادتنا جيدا، إلا أن أغلب المغاربة المتعلمين يفضلون الفرص المالية التي توفرها التجارة بأجر ثابت. وحتى في المغرب العصري، لن تكون بعيدا أبدا عن العادات القديمة. قبل أسابيع قليلة، جاء شاب لرؤيتي -وهو أصغر أبناء عائلة من أعيان المدينة- شرح لي أنه قرر أن يمضي في مجال الصناعة. كنت مسرورا وعرضتُ عليه وظيفة في المنطقة بأجر شهري بالمعايير الأوروبية، لكنه شرح لي أن الأمر غير مُجد بالنسبة إليه، إذ لا يتعين عليه إعالة زوجاته فقط، بل أيضا عدد من الأفراد التابعين للعائلة ومن معهم. باختصار، كان مسؤولا عن إعالة قرابة ثمانين شخصا! أعتقد أنك ستفهم أني كنتُ عاجزا عن تقديم أجر اقتصادي له!».

لكن أكثر التعليقات صراحة ووضوحا، على وضعية أبناء بلده، جاءت على لسان رئيس عمال مغربي، قال:

-«إن أفكارهم، ببساطة، لم تمض قُدما مع الظروف الصناعية. إنهم لم يستوعبوا بعدُ فكرة العمل المنتظم. إنه لا يندرج ضمن عاداتهم. إذا خسروا عملهم بسبب قلة الكفاءة يقولون، حسنا، إن الله سيُعطيهم العون. وكلما مضوا في هذا الطريق أكثر إلا وقلّت رغبتهم في العمل. يعتقدون أنهم عُمال موهوبون عندما يستطيعون رؤية آلة ما، لكن الفرنسيين هم من يتوجب عليهم إصلاح الآلة!».

المعامل التي رأيتها أولا كانت الأفضل، ومع ذلك فإن معظمها كانت تتوفر على مقدمات ظروف العمل اللائقة.

وبما أن مجال الصناعة لم تكن تسري عليه الشريعة القرآنية، فإن الفرنسيين كانوا قادرين على وضع قوانين تتعلق بأجهزة السلامة، الصحة وأمور أخرى من هذا القبيل.

كان أحد الصناع الفرنسيين صريحا معي، على غير العادة:

-«ومع ذلك علينا أن نعترف بأن عددا قليلا جدا من مُلاك المصانع لديهم حس اجتماعي، ويمارسون التجارة على أساس حقيقة مفادها أن عُمالهم وموظفيهم لا يتوقعون منهم أن يكونوا كذلك – وحتى إن كانوا كذلك فإنهم لن يُصدقوهم!

لذلك فإن هدفهم المعتاد هو الحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات. ربما تكون هذه النظرة للأمور غير منتشرة في دول أخرى، إلا أنها، هنا، منتعشة بسبب معايير العيش المنخفضة، التي تُقبل دون أي احتجاج. إن الوعي الاجتماعي في الغرب يبقى مفقودا في صفوف المُشغلين وأيضا في صفوف العمال».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى