
إعلان رمطان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائري، قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب أحادي مع المغرب، ليس إلا فصلا آخر من مسرحية كوميدية في الشكل، لكنها تراجيدية في المضمون، عنوانها انهيار معنويات النظام العسكري الحاكم في الجزائر. هذا الفصل الأخير لا يتميز عما سبقه من فصول القرارات الغريبة، إلا بأنه وصل إلى ذروة اللامعنى في المجال الديبلوماسي.
كان لمثل هذا القرار الديبلوماسي أن يكون له أثر الخبطة الإعلامية الدولية والهزة الجيواستراتيجية، لو أن الجزائر قررت التفاعل الإيجابي مع اليد الممدودة، التي دعا إليها جلالة الملك. وبالفعل فكل القنوات الإعلامية والمقرات الديبلوماسية كانت ستستنفر عن بكرة أبيها لمصاحبة القرار بالتحليل والرصد، لكن أن تعلن خارجية لعمامرة عن قرار قطع العلاقات فهو مجرد توصيف لطقس ديبلوماسي بارد نعيش على إيقاعه منذ سنة 1994.
إنه إذن قرار اللاحدث، ليس بسبب موقف قطع العلاقات الذي يكون عادة قرارا دراماتيكيا في العلاقات الدولية، إنه اللاحدث بكل بساطة، لأن القرار لم يغير شيئا من وضعية قبل وخلال وبعد، ولأنه يرقى إلى مرتبة الحدث الأمثل في انعدام المسؤولية. والمؤسف حقا أن يحاول «نظام الكابرانات»، تغليف قرارهم الأرعن بكثير من المكر والمكائد، وإظهار أن القرار جاء كرد فعل على مسؤولية بلدنا عن الكوارث البيئية والجريمة الإنسانية البشعة التي راح ضحيتها مواطن جزائري. والأكثر من ذلك أسفا أن القرار جاء كرد فعل على اتهام بلدنا بمؤامرة مغربية إسرائيلية على الجزائر، وهذه طرق بدائية مبتذلة لأنظمة بائدة.
لن نجهد أنفسنا كل مرة في تقديم تفسيرات للمواقف الجزائرية الطائشة، وحسنا فعل ناصر بوريطة حينما رد بكثير من التعقل والاستعلاء على نظيره الجزائري، حينما عبر للشعب الجزائري في فقرة واحدة عن أسف المغرب على هذا القرار أحادي الجانب وغير المبرر تماما، والمتوقع في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة، رافضا رفضا قاطعا الذرائع المغلوطة وحتى السخيفة الكامنة وراءه.
والحقيقة الوحيدة التي تفسر ما وصلت إليه العلاقات المغربية الجزائرية أننا أمام نظامين متناقضين، نظام ملكي مستقر مشبع بشرعيات مختلفة، ويحظى باحترام وتقدير دولي، ونظام عسكري هش يعاني من عجز مدقع في الشرعية. نظام ملكي تتغذى شرعيته من مشروعية الإنجاز، ونظام عسكري ينتعش في ظل السياقات المتوترة وتدفعه غريزة البقاء في السلطة إلى خلق فزاعة العدو الخارجي وشيطنة جيرانه. لن يهتم نظام يسيطر فيه العسكر أن تكون هناك علاقات ديبلوماسية دافئة بين البلدين، ولن يقبل بالتفاوض الذي يسحب بساط الشرعية من تحت أرجله.
سيبقى هذا القرار الديبلوماسي الذي اتخذته الجزائر وصمة عار على جبين حكامها، والتاريخ لن ينسى مسؤولية «الكابرانات» الذين شاركوا في هذا القرار المتهور، ومن ساهموا في تدمير العلاقة بين شعبين شقيقين يجمعهما التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، لكن يحاول عبثا التفريق بينهما «كابرانات» النظام العسكري.




