شوف تشوف

الافتتاحية

الجزائر.. فاز حزب السخط

لم يكن رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون ساذجا وهو يطلق أغرب تعليق في تاريخ الانتخابات بقوله إن نسبة المشاركة غير مهمة، لقد كان تبون بخطابه يحاول التخفيف من قوة صدمة العزوف، فهو يدرك مسبقا أن الهروب الجماعي من انتخابات العسكر حتمية سياسية لا يمكن تفاديها، ما دام أن السلطة العسكرية بثياب مدني غير مستعدة لأي تنازل أو استجابة لمطالب شعبها، لكنها تريد بشدة إضفاء نوع من الصبغة الشرعية على المؤسسات المنتخبة مهما كانت نسبة المشاركة.
والحال أن نسبة الامتناع التي وصلت بحسب أرقام رسمية إلى 70 في المائة، بالغة الارتفاع ومؤشر دال لما وصلت إليه الجارة الشرقية، والأهم أن هذا الرقم المخيف ليس له من معنى سوى أن الذي فاز بأكبر نسبة من الأصوات بما جعل جميع المنافسين الآخرين في وضع هزلى للغاية، إنما هو حزب السخط على الأوضاع المزرية القائمة في الجزائر. ولذلك فالغالبية الواسعة، فضلت مقاطعة التصويت والصوم الانتخابي في استحقاقات مصيرية بالنسبة لمستقبل بلدها، وبذلك استمرت على نفس النهج الذي نهجته خلال الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور.
والواقع أن الناخب الجزائري فقد الثقة ولم يعد له أمل في أن تلعب الانتخابات دورا في الانتقال إلى أي نظام ديمقراطي وتبين له في العديد من الحالات أن البرلمان ليس سوى منصات وواجهات لخدمة مصالح الطبقة العسكرية ومن يرتبط بها. لذلك أصيب المواطن الجزائري بنوع من الإحباط وهو يرى نظاما عسكريا مغرما بخلق التوترات مع جيرانه للحفاظ على شرعية بقائه في السلطة، وبالتالي لم يعد له أمل في إصلاح أوضاع فاسدة يتحكم فيها جنرالات وهياكل عسكرية بينما المجالس النيابية مجرد ديكور تؤثث الواجهة السياسية لدكان عسكري.
هذا الوضع السياسي الذي آلت إليه الجزائر، يشير إلى علّة أساسية في النظام السياسي المنشغل بالدسائس ضد بلدنا والاستثمار في المس باستقرارنا، ولو كان قادة قصر المرادية يخصصون جهودهم ووقتهم وأموال ومقدرات الدولة لبناء وطنهم وتنميته، لما وجدوا أنفسهم أمام هذا الهروب الجماعي من صناديق الاقتراع. لذلك فالدرس الذي يتعين على حكام الجزائر أن يستوعبوه من «شوهة» الانتخابات التي حولت نظامهم إلى أضحوكة أن خلق جبهات مع المغرب ومحاولة شيطنته والمس بوحدته والتطاول على رموزه لن يجعل من الجزائر دولة ديمقراطية ولن يقود الجارة الشرقية للتنمية، بل بالعكس تماما ستجد أنها تبدد ملايير الدولارات على السراب بينما الواقع الديمقراطي والتنموي يسير بسرعة فائقة نحو تحول الجزائر إلى دولة فاشلة إن لم يكن الأمر قد حدث بالفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى